مصـر: «الإنقـاذ» ترفـض دعـوات «الإخـوان»
بوادر توافق نادر بدأت ملامحه في الظهور بين «جبهة الإنقاذ» الوعاء الأكبر للمعارضة المدنية في مصر، وبين «حزب النور» الممثل الأكثر تأثيرا للتيار السلفي، وذلك في مواجهة محاولات «جماعة الإخوان المسلمين» المستمرة للانفراد، ليس بالسلطة وحدها، بل وأيضا بصك القوانين المنظمة للعمل الاقتصادي والسياسي للبلاد.
التوافق تجلى أمس الأول، عندما شن الطرفان، المتناقضان في طريقة التعاطي مع الشريعة الإسلامية، هجوما حادا على قانون الصكوك الذي أقره مجلس الشورى، ويشكل «الإخوان» فيه الكتلة الأكبر بنسبة 43,7 في المئة، بعد رفض نواب «النور»، الذي يملك 19,6 في المئة من مقاعد الشورى، والتيار الليبرالي للعديد من بنوده، أبرزه ذلك الذي يمنح لوزير المالية، وهو حاليا مقرّب من «الإخوان»، الحق في منح العقود للشركات والأشخاص بالأمر المباشر، بالإضافة إلى كون القانون لم يعرض على هيئة كبار علماء الأزهر للأخذ برأيهم فيه، وهو ما اعتبرته قيادات سلفية بارزة منها، عبد المنعم الشحات، مخالفا للدستور، في الوقت الذي ذهب فيه «حزب المصريين الأحرار» الليبرالي للقول إن قانون الصكوك مؤامرة تسمح ببيع الأصول المصرية إلى الأبد.
وبالأمس ظهر جزء جديد من طبيعة التوافق، بعدما أعلنت «جبهة الإنقاذ»، في مؤتمر صحافي، رفضها لأي حوار مع «الإخوان» وعقد لقاء يجمعها مع أحزاب «النور» السلفي و«مصر القوية» برئاسة الإخواني السابق عبد المنعم أبو الفتوح، و«مصر» برئاسة الداعية الإسلامي عمرو خالد، و«الإصلاح والتنمية» برئاسة ابن شقيق الرئيس الراحل أنور السادات الذي توافق لفترة مع «الإخوان»، مطلع الأسبوع المقبل، لمناقشة الأزمة السياسية التي تمر بها مصر منذ نحو خمسة أشهر، وسبل الخروج منها، والبدائل المتاحة لإنقاذ الاقتصاد من حالته المتدهورة.
«الإخوان» من جانبهم حاولوا إفشال محاولات التقارب بين «الإنقاذ» و«النور»، حيث سعى سعد الكتاتني، رئيس «حزب الحرية والعدالة» الذراع السياسية للجماعة، إلى تدبير لقاء مع عدد من قيادات «الإنقاذ»، لكن تحركاته استهدفت عقد لقاءات فردية مع اثنين من قيادييها، أحدهما عمرو موسى ورئيس «حزب الوفد» السيد البدوي.
وكشفت مصادر في «الإنقاذ»، لـ«السفير»، أن محاولات «الإخوان» لشق صف الجبهة أولا ثم محاولة تعطيل لقائها مع «النور» والأحزاب الإسلامية الأخرى، هي التي عجّلت بعقد اجتماع لقيادات «جبهة الإنقاذ» أمس، لتعلن فيه موقفها الرافض الحوار مع «الإخوان» طالما أن الدعوات التي وجهت هي دعوات فردية، وليس دعوة باسم الجبهة، وطالما لم يضع «الإخوان» أسسا للحوار.
عزازي علي عزازي، عضو مجلس أمناء «التيار الشعبي» الذي يتزعمه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، قال لـ«السفير»، إن الحوار السياسي ليست دعوة للعشاء يتم تلبيتها من دون قواعد محددة، مؤكدا أن «جبهة الإنقاذ» لا تمانع على الإطلاق في أن يجتمع «الإخوان» مع أي من قيادات المعارضة على طاولة العشاء، لكن ذلك وما ينتج عنه سيظل أمرا شخصيا للمشاركين فيه، ولا يعبّر مطلقا عن التوجه العام لـ«الإنقاذ».
لكن هل يدوم هذا التقارب السلفي الليبرالي كثيرا؟ عضو الهيئة العليا لـ«حزب النور» سعد رمضان، قال لـ«السفير»، إن الحزب يتعاون مع الجميع من أجل مصلحة الوطن، وأن حزبه عندما طرح مبادرة تقوم على إقالة الحكومة والنائب العام، لم يكن يتطلع إلى إرضاء «الإنقاذ»، وإنما يتطلع إلى الخروج من الأزمة التي تعيشها مصر.
وأعلن أن مبادرتهم تعرضت لمؤامرة من أجل إجهاضها، وأن أول الجهات التي قامت بذلك هي مؤسسة الرئاسة، التي استقبلت المبادرة ثم طوت صفحتها، وربما كان ذلك لأنها لاقت قبولا من الأحزاب الليبرالية. وهذا هو السبب نفسه الذي سيجعلهم يجلسون حول طاولة واحدة مع الأحزاب الليبرالية للوصول إلى مبادرة جديدة ومشتركة للخروج من المأزق.
واختفى تواجد السلفيين في الشارع منذ أشهر طويلة، بعدما تحول الشارع إلى ساحة للصراع والاقتتال بين «الإخوان» ومناهضيهم من المعارضة الليبرالية. ورفض السلفيون أن ينحازوا إلى مواقف «الإخوان»، بل دخلوا في مواجهات سياسية مع الجماعة، أبرزها طرح المبادرة، كما قاموا أيضا بتقديم ملف أخونة الدولة إلى الرئيس محمد مرسي للتحقيق في ما ورد فيه من ترفيع نحو 24 ألف موظف إخواني إلى مناصب متوسطة وقيادية في مؤسسات الدولة.
هكذا يبدو أن سوء تصرف «الإخوان» وتصورهم الخاطئ بإمكانية إدارة الدولة مع إقصاء الجميع هو السبب الرئيسي في إحداث هذا التوافق النادر بين الليبراليين والسلفيين، الذي حتما لن يدوم إلى الأبد بحكم منطق السياسة ودمجها بالشريعة كما يفعل السلفيون، لكنه يحشد كل الأطراف في لحظة حساسة في مواجهة «الإخوان» ليجعل مهمتهم أكثر صعوبة.
مخمد هشام عبيه
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد