الهجمات الإسرائيلية تعيدُ تشكيلَ الأزمة السورية
الجمل- كاڤيه آفرازيابي- ترجمة: د. مالك سلمان:
وصفَ المسؤولون السوريون الضربة الجوية الإسرائيلية على منشأة عسكرية سورية, والتي أيدها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل علني, بأنها عمل حربي, وكما هو متوقع صدرت عن إيران إدانات لفظية قوية, بالمقارنة مع الصمت الذي خيمَ على معظم العالم العربي.
إن هذه الضربة, بالإضافة إلى أربع هجمات صاروخية على دمشق حملت الحكومة السورية مسؤوليتها لإسرائيل, تعكس تصعيداً قوياً للنزاع الذي دام سنتين والذي يمكن أن يقودَ إلى تدخل إيراني مباشر في المستقبل القريب.
ومما يشير إلى ذلك أن أحمد فاهيدي, وزير الدفاع الإيراني, وأحمد رضا بورداستان, قائد الجيش الإيراني, قد أدانا الضربة الجوية الإسرائيلية, وهي الثالثة منذ شهر كانون الثاني/يناير, بأقوى العبارات واقترحا أن بمقدور إيران تقديم "الدعم" للجيش السوري. وتشير تقارير غير مؤكدة أن إسرائيل ضربت عدة صواريخ من طراز "فاتح 110" المرسلة إلى لبنان التي قدم شكوى إلى الأمم المتحدة حول الخروقات الإسرائيلية المتكررة لمجاله الجوي.
إن المبالغة في الضغط على سورية إجراء خطر بالنسبة إلى تل أبيب ويمكن أن يرتدَ عليها في ضوء الدعوة التي وجهتها إيران إلى العالم العربي "للوقوف متحدين" ضد العدوان الإسرائيلي. هناك العديد من الأسئلة حول الدوافع الإسرائيلية التي تتسم بالتعقيد والضبابية, لكن من شأن مثل هذه الهجمات أن تنقل التركيز من "الحرب الأهلية" في سوريا إلى نزاع بين الدول يعيد رسمَ خارطة مشهد النزاع كله.
قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران, والذي تحدث إلى كاتب هذه المقالة شرط عدم ذكر اسمه: "تعمد إسرائيل إلى تصعيد النزاع ‘بضوء أخضر’ من واشنطن بهدف ترجيح الكفة لصالح المتمردين السوريين الذين تم حشرهم في الزاوية خلال الأسابيع الأخيرة. إن الجيش السوري يواجه جبهتين الآن, مما يدفعه إلى استنفار موارده. وفي الوقت نفسه تعمل إسرائيل, من خلال مهاجمة سوريا عبر المجال الجوي اللبناني, على إذكاء لهيب التوتر الطائفي هناك, كما تأمل في تقويض موقف حزب الله."
فيما يتعلق بطهران, هناك تهديد ثلاثي نابع من النزاع السوري. فهو لا يهدد سوريا وحزب الله فقط, حليفي إيران الإستراتيجيين التقليديين في المنطقة, بل العراق أيضاً الذي يتم استهداف استقراره الداخلي بشكل متزايد وتخيم عليه مخاوف انتقال النزاع نتيجة التحالف الأخير بين الجهاديين السوريين والقاعدة في العراق. وقد نتجت عن ذلك مباحثات أمنية قومية جدية في إيران بخصوص المخاطر الكامنة في الأفق وطبيعة الردود المناسبة.
بسبب قرب الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي ستجري بعد شهر من الآن, وتزاحم عدد من المرشحين الذين يريدون إعطاء صورة أكثر اعتدالاً لإيران في الخارج, ليس من مصلحة إيران الانجرار إلى تدخل عسكري مباشر, أو غير مباشر, في سوريا والذي من شأنه أن يصبح "مستنقع" إيران.
فطهران تفضل حلاً سياسياً للنزاع في سوريا, ولهذا السبب دعمت المهمة اليائسة للمبعوث الخاص للأمم المتحدة, لخضر الابراهيمي, الذي وقعت دعوتُه لإلقاء السلاح من الطرفين في آذان صماء. ويقول بعض المحللين الإيرانيين إن دعوة الابراهيمي كانت قد بدأت تجد صدىً إيجابياً في الحقيقة, وقد هدف الهجوم الإسرائيلي إلى تعطيلها بما أن من مصلحة إسرائيل "استمرار الفوضى" في سوريا.
ولكن هناك خطر كبير في مثل هذه الإستراتيجية, إذا أخذنا بعين الاعتبار الفائدة التي يجنيها الجهاديون المتطرفون في سوريا المعادون لإسرائيل. فما يمكن لإسرائيل أن تربحه من الناحية التكتيكية, يمكنها أن تخسره من الناحية الإستراتيجية على المدى الطويل. فحتى أدنى إشارة ﻠ "إعادة توجيه" النزاع السوري نحو نزاع بين الدول يمكن أن تشكل مكسباً بالنسبة إلى دمشق التي سيكون بمقدورها أن تحيط "الجامعة العربية" علماً بأنها تتهرب من مسؤولياتها التاريخية تجاه دولة عربية شقيقة تتعرض للحصار من قبل الدولة الصهيونية. ويمكن لذلك, على أقل تقدير, أن يؤثرَ الرأي العام العربي وحتى على بعض المتمردين السوريين الذين يعتبرون أنفسَهم, أولاً وأخيراً, مواطنينَ سوريين.
ماذا يلوح في الأفق إذاً؟ الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو "التدويل" المتزايد لمسرح النزاع في سوريا, حيث ستعمل روسيا وإيران سوية على منع سقوط دمشق, بينما ستستمر الولايات المتحدة والسعودية والدول المحافظة العربية الأخرى بتقديم المساعدات الفتاكة/غير الفتاكة, وسوف تعلق تركيا في مخططات القوى الأخرى عوضاً عن رسم خطة خاصة بها.
مع مقتل عشرات الآلاف, وتحول الملايين إلى لاجئين في الداخل والخارج, وتعرض الاقتصاد السوري لضربة كبيرة, من المرجح أن تزداد الصورة الحالكة في سورية حلكة في الأشهر القادمة, ربما كنتيجة لتدخلات عسكرية إسرائيلية متواصلة يمكن أن تصل إلى مستوى التدخل الإسرائيلي السافر في النزاع, والذي يمكن أن تسفر عنه كافة الأعراض الجانبية المذكورة أعلاه.
هناك شيء من المفارقة في هذا كله. فمن خلال مهاجمة سوريا, "يمكن لإسرائيل أن تساعد بشار الأسد على البقاء," كما يقول الأستاذ الجامعي الإيراني, الذي يضيف بنبرة تشاؤمية إن إيران "حريصة على تحديد دورها في سوريا ولكن ربما تستنتج قريباً أنه ما من خيار آخر إلا التدخل المباشر." زبدة الموضوع, هذه أزمة سياسية بالنسبة إلى إيران من المؤكد أنها ستقض مضجع الإدارة القادمة.
تُرجم عن ("إيشا تايمز", 6 أيار/مايو 2013)
الجمل: قسم الترجمة
إضافة تعليق جديد