معارضة لا تقرأ بالسوري

04-06-2013

معارضة لا تقرأ بالسوري

الجمل- بشار بشير: في لقاء بين فيصل آل سعود وأنور السادات يقول فيصل " كيف تضع يدك في يد الأسد إنه علوي وبعثي وأحدهما أسوأ من الأخر " أربعون عاماً لم تجعل هذه النظرة العربية لسورية أكثر واقعية وأقل حقداً .

اختلف الرئيس حافظ الأسد مع توجهات السادات بعد حرب تشرين ( خاصة بعد إنكشاف خيانة السادات للجيش السوري والمصري أثتاء الحرب ) و خرج الخلاف للعلن مع توقيع السادات إتفاقية فصل القوات الثانية عام 1975 ليصبح قطيعة كاملة مع زيارة السادات لإسرائيل عام 1977 وسرعان ما بدأ التحريض ضد سورية عبر الإعلام المصري الذي انضمت لحملته الإذاعة الإسرائيلية و إذاعة صوت لبنان الكتائبية و لم يتأخر الإعلام الخليجي عن اللحاق بالركب , طبعاً الإعلام كان لسان حال الأنظمة التي ورائه الكارهة لسورية والتي أتبعت أسوأ وسائل التحريض أي إذكاء الطائفية ( ربما لقناعتها أن مجتمعاتها الغير متعددة الطوائف بمنأى عن الإصابة بالخطر الطائفي ) يلاحظ هنا أن العراق الذي كان تماشياً مع سياسة صدام يكن عداءً كبيراً لسورية و كان رأس حربة في المؤامرة ( في تلك الأيام ) لم يتبع سياسة التحريض الطائفي ربما لأنها من الممكن أن ترتد على مجتمعه المتعدد الطوائف مثل سورية وريما لبعد نظر سياسي يعرف أن التحريض الطائفي سلاح خطير لا يجوز إستعماله فهو أولاً لايمكن ضبطه ماإن ينطلق وثانياً أنه غالباً ما ينفجر في وجه مطلقه.

أثمر التحريض العربي ضد سورية في عودة الروح لتنظيم الإخوان المسلمين وخاصة أن التحريض كان كما ذكرت طائفياً يسعى لإشعال فتنة سنية – علوية ( لم يكلفوا أنفسهم عناء تغليف مؤامرتهم بمقولات الحرية والديوقراطية كما فعلوا اليوم ) وبدؤا بإغتيالات وأعمال تخريبية محدودة على مدى ثلاث سنين من 1976 حتى 1979 حين كشروا عن أنيابهم في مذبحة مدرسة المدفعية في حلب و لتندلع الحرب . مجموعات مسلحة تقاتل في الداخل وتحاول أن تُخرج مدن من سيطرة النظام لتضعها تحت سيطرتها مثل حماة وحلب ومحاولات حثيثة في دمشق منها العسكري ومنها تحريض تجار دمشق على الإضراب و الموظفين على العصيان عسى أن تُغلق دمشق فينهار النظام ( ما أشبه اليوم بالبارحة ) يواكب هذه المجموعات حشد دولي يمدها بالسلاح والمال والفتاوي و التحريض الإعلامي . السعودية تمول و صدام حسين وإسرائيل يسلحان والأردن ولبنان يؤويان ويدربان والكويت ( التي أخذت دورها اليوم قطر ) تصرف الملايين لضرب الإقتصاد والعملة السورية وأوروبا تستضيف قادة التنظيمات و تخطط وترسم السياسات والكل تحت إشراف أميركا وواجهة كل هؤلاء حشد من كل وسائل الإعلام المتاحة في تلك الأيام بعضها أُسس خصيصاً ليواكب المؤامرة وليتشارك الكل في ضخ الكراهية والحقد والأخبار الكاذبة التحريضية . لا يظنن أحد أني أتحدث عن الأزمة الحالية هذا توصيف سريع لما كان يحصل في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات من القرن الماضي في سورية . لم يتوان الرئيس الراحل حافظ الأسد في خوض المعركة فسمى عملاء المؤامرة " خوان المسلمين " وزج الجيش بحزم ضدهم في كل سورية , ولم يتردد القضاء بإصدار أحكام بالإعدام على أي ضالع بالمؤامرة بل سنت قوانين تجرّم كل المنتمين لتنظيم الأخوان . وهكذا قضي على مؤامرة مسلحة استهدفت سورية وحاولت أن تموه نفسها بأنها معارضة لكنها وبعكس كل المعارضات لم تطرح أي برنامج سياسي ولم تعارض أي سياسة للحكومة ولم يكن لها منظرين أو مثقفين يرسمون بنيتها لقد قفزت فوق كل أشكال المعارضة ومبادئ المعارضة وحتى قفزت فوق المبادئ الوطنية التي يجب أن تكون سند أي معارضة ضد النظام الذي تعارضه وذهبت لتقاتل بسلاح إسرائيلي ( صودرت من الخلايا المقاتلة أسلحة إسرائيلية ) من أجل نشر أكثر فكرة هدامة للمجتمع وهي الطائفية .
نحن الآن في عام 2010 والظروف قد نضجت لإستكمال ما بدأ عام 1979 وعلى ما اصطلح على تسميته "المعارضة " محاولة الوصول لأهدافها ( تبين أنه هدف واحد هو إسقاط النظام ) متلافية أخطاء الماضي ومستفيدة من دروسه :
الدرس الأول : ليس بالإمكان إستخدام مقولة نحن نقاتل ضد النظام العلوي المضطهِد للسنة فهذ المقولة لم تنجح سابقاً و حظوظ نجاحها الآن أقل لذلك سنقول نحن نقاتل ضد النظام الديكتاتوري المستبد لتحقيق الحرية والديموقراطية للشعب . هذا الشعار تستطيع المعارضة حمله لمدة بضعة أشهر فقط هي المدة التي كان من المفترض أن يسقط النظام خلالها , تجاوز المدة سرعان ما أدى لتجاوز الشعار إلى مرحلة فوضى الشعارات المعبرة عن فوضى المعارضة (أو المعارضات ) فكل معارض أصبح له شعاره , من الشعارات الحالمة بالحرية ,إلى المغرقة بالطائفية , إلى المعبرة صراحة عن حقدها كمقولة ( شارون عيني ) التي إن لم تعتبر شعاراً فقد ذهبت مثلاً معبراً عن قسم من المعارضة . وهكذا لم تستفد المعارضة من الدرس الأول ولم تستطع حمل شعار جاذب للشعب السوري أو على الأقل محرج للنظام .

الدرس الثاني : يجب إيجاد هيكلية سياسية للمعارضة متمايزه عن الهيكلية العسكرية , فتوَحُد المعارضة السياسية والعسكرية سابقاً في جسم واحد أدى لوجود رد واحد من قبل الدولة وهو الرد العسكري ولم يكن بالإمكان إحراج الدولة بتبادل أدوار ما بين الضغط العسكري و الضغط لإجراء حوار سياسي يؤدي لإصلاحات أو مكاسب للمعارضة . اليوم نجد عشرات الهياكل الحزبية والمدنية والسياسة للمعارضة المفروض أن تكون منفصلة عن الجسم أو الأجسام العسكرية والمسلحة على أن تكون متكاملة معها وعلى أن يعمل الطرفان السياسي والعسكري بتنسيق لكي يحرزوا نجاحات على حساب النظام . هزالة المعارضة السياسية ( أسباب وأمثلة كثيرة يمكن أن تساق على هزالتها ليس هنا مجال ذكرها ) أدى لفقدان التنسيق كما أدى لأن تلهث وراء المجموعات المسلحة مستجدية تجيير بعض النجاحات العسكرية لصالحها . وهكذا بتبعيتها بدل تمايزها عن المسلحين فقدت المعارضة ورقة الضغط السياسي وإحراج الدولة وانغمست أكثر من السابق في عسكرة " الثورة " حتى أنها أصبحت تستجدي دول العالم للتدخل عسكرياً في بلدها وهذه سابقة في التعبير عن الإفلاس السياسي وفقدان الحجة وفقدان الدعم الشعبي وهكذا فشل الدرس الثاني .

أنا هنا لا أريد سرد ردود أفعال الدولة وهجماتها المضادة التي أدت أيضاً لسحب البساط من تحت المعارضة وإفشال الكثير من طروحاتها . فهذه الدراسة مخصصة لطرف واحد هو المعارضة .
الدرس الثالث : لم يكن الإخوان جذابين للمجتمع السوري في المرة الماضية لذلك يجب هذه المرة تمويه وجودهم أو تلوين وجودهم بمعارضات أخرى على أمل جذب كل شرائح المجتمع السوري وخاصة الأقليات. لم يحالف هذه الخطة النجاح ففي شق المعارضة السياسية كانت الأقنعة التي وضعوها شفافة و هزيلة لم تؤد الدور المطلوب منها و الأجسام المعارضة الأخرى التي فرضتها مصالح دول خارجية اتضح أنها أقل جاذبية من الإخوان وتحتاج لأقنعة ولتجميل أكثر منهم . وفي شق المجموعات المسلحة أفسح الأخوان المجال لمن هم أسوأ منهم بكثير أي التكفيريين و لم يكلفوا أنفسهم عناء التمايز عنهم بل صرحوا بأنهم يعتبرون هذه الجماعات جسماً أساسياً في "الثورة" . وهكذا حصد الأخوان والمعارضة عامة رفضاً جديداً مزدوجاً هذه المرة . وفشل الدرس الثالث .
الدرس الرابع : تم الإعتماد في المرة الماضية على العمل السري فلم يظهر قادة ولم تُطير شعارات ولم توضع فلسفة ونظريات " للثورة " وهذه الأمور الثلاثة يجب أن تُعكس هذه المرة . كيف يمكن حل هذه المعضلة، فقادة الأخوان غير صالحين ( او لايريدون ) للظهور ليلتف الشعب حولهم وازدادو بُعداً بالخيارات الخاطئة التي قاموا بها ( كتحالفاتهم مع شخصيات مكروهة ولا قيمة لها مثل عبد الحليم خدام أو كظهور أحدهم على التلفزيون الإسرائيلي ) وفي نفس الوقت هم لا يستطيعون أن يضعوا في الواجهة شخصية من غير الإخوان وتكون شخصية قيادية حقيقية فقد تسحب البساط من تحتهم , يبقى الإستعانة بشخصيات يكون لها حضور شعبي و إعلامي جاذب دون أن يكون عندها إمكانات قيادية تشكل خطراً ( طبعاً الأمر الطبيعي أن تفرز المعارضة شخصية قيادية كاريزمية حقيقية , وهذا مالم يحصل ولا يبدوا أنه سيحصل ) ويبدو أن البحث عن هكذا شخصيات سيطول فبعد أكثر من سنتين لم يستطع لا الإخوان ولا المعارضة تصنيع أي نجم إعلامي أو قائد شعبي أوزعيم معارض . نفس الفشل انسحب على الأدمغة و المثقفين و الفلاسفة الإخوانيين والمعارضين الذين لم يستطيعوا صياغة شعار فما بالك بفلسفة أو نظرية ثورية . جُلَّ ما خرج به هؤلاء هو تبريرات لجرائم التكفيريين الذين يقاتلون على الأرض . يبدوا أن الدرس الرابع قد فشل أيضاً .
الدرس الخامس : الشعب السوري حساس جداً لموضوع الإرتباطات الخارجية وفي المرة الماضية انكشاف إرتباط الأخوان وتلقيهم الدعم من جهات ودول خارجية أدى لإبتعاد الناس عنهم وعن " ثورتهم " . يبدوا أن هذا الدرس لم يؤخذ بالحسبان مطلقاً فمن اللحظة الأولى للأحداث الحالية تباهت كل المعارضة بكل أجنحتها وفئاتها بعلاقاتها بدول خارجية ولم تتوان عن الإعلان عن تحالفها وتلقيها الدعم و تماهي أهدافها مع دول عدوة لسورية . لا يمكن القول أن الدرس الخامس فشل فهو بالأصل لم يكن بحسبان المعارضة الإستفادة منه فعلاقاتها الخارجية بنيوية ولا يمكن تمويهها ولا الفكاك منها .
لم تستطع "المعارضة" في سورية بعد ثلاثين سنة إلا إعادة إنتاج نفسها دون أي تطوير: لم تتماشى مع التغيرات الدولية لم تتماشى مع تطور المجتمع السوري لم تكن مخلصة لمفهوم المعارضة بقدر إخلاصها لحقدها . الأخطاء التي ارتكبتها سابقاً أعادت إرتكابها مضخمة هذه المرة . لم تستطع إقناع الكتلة الأكبر من المجتمع السوري بأنها مخلصة لهذا المجتمع ولبلدها, على العكس منطلقاتها وممارساتها أوضحت أنها تريد أسوأ مصير لسورية , لم تراع الكرامة الوطنية السورية وارتضت أن تخدم دول عدوة لسورية , لم تبذل جهداً لخلق شعبية لها وتركت هذا الأمر للإعلام الخارجي الكاذب وللأموال التي لا تريد خيراً لابها ولا ببلدها . وأخيراً أعلنت إنفكاكها عن الواقع السوري عبر وجودها جسمياً وفكرياً خارج سورية .

خسر الشعب السوري فرصة بان يكون عنده معارضة وطنية فاعلة و مفيدة وسيمضي وقت قبل أن يستسيغ إنتاج معارضة , فهو في المستقبل المنظور لن يذكر من المعارضة إلا أنها الجسم الغريب الذي سبب له الكثير من الآلام والذي وقف يهلل للطائرات الإسرائيلية وهي تقصف عاصمته .

الجمل

التعليقات

بينما لا أعترض على أي تفصيل من التفاصيل الإجمالية فيما تم سرده بخصوص من يسمون أنفسهم "المعارضة السورية"، لكني أود لفت نظر الكاتب إن أمكن إلى أن المقال يصور الموضوع وكأن الإخوان هم بالأصل معارضة نالت دعماً خارجياً ولكنها لم تتعلم كيف تصل إلى ما تريد، بينما هم على أرض الواقع جسم تم تجنيده في الأساس لتنفيذ تعليمات وأوامر محددة من قبل مجنديهم وخالقي حركتهم (الاستخبارات البريطانية سابقاً، والأمريكية لاحقاً). يا سيدي الكريم، ليس للإخوان المسلمين أو لباقي أشكال المعارضة أية إرادة مستقلة قابلة للتأثر بالممولين والداعمين، فهم لا يفكرون ولا يضعون الخطط، ولا يحسبون دروس التاريخ ولا الجغرافيا، بل هم ينفذون التعليمات كما تردهم، فالخطأ هنا خطأ السيد الأمريكي وليس خطأ العبد الإخواني (أو التكفيري في فترتنا الحالية)، فهو من لم يتعلم الدرس من جهة، ومن جهة أخرى، فقد كان الخطأ الفعلي الوحيد للإخوان المسلمين (وربما كان هذا من حسن حظنا كسوريين) أنهم نقلوا صورةً مغلوطةً عن المجتمع والواقع السوري لمشغليهم وسادتهم في واشنطن، وترافقت هذه الصورة المغلوطة مع عدم إمكانية المخطَط (اسم فاعل) الأمريكي تفهم العقلية التي يفكر بها الساسة السوريون، أو العقلية التي يفكر بها المواطن السوري، والذي يجد نفسه على استعداد لأن يأكل التراب قبل أن يتعامل مع التكفيريين والإخوانيين والإسرائيليين وغيرهم. هذه باختصار المشاكل الأساسية في حالة المعارضة السورية، بعيداً عن أي مزايا أو مساوئ للقيادة السورية وتعاملها مع الأزمة القديمة أو الجديدة.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...