هزيمة الهجوم الأميركي
انتصار سوريا سيكون هزيمة لاسرائيل والسعودية ومصر، اي هزيمة لثلاثي الهجوم الاميركي في الشرق الاوسط.
وبعد انتصار سوريا، فان اميركا ستعيد النظر في تحالفها مع السعودية وتحالفها مع مصر، ذلك ان السعودية ومصر هما الركيزتان للهيمنة الاميركية في الشرق الاوسط. أما التحالف الاميركي مع اسرائيل فانه الثابت الوحيد الذي لا تفكر اميركا في اعادة النظر فيه.
ولهذا يمكن القول ان اميركا مقبلة على مرحلة جديدة في السياسة الخارجية خاصة في منطقة الشرق الاوسط. وفي هذا الاطار فان الولايات المتحدة تعرف ان النظامين القائمين في مصر والسعودية يمران بمرحلة اهتزاز خطيرة تنذر بتغيير في كل منهما، قد لا يلائم المصالح والاتجاهات الاميركية في هذه المنطقة، ولهذا تعرف ان عليها ان تتحرك لتسبق هذه التغييرات. ذلك انه اذا سقط اي من النظامين المصري او السعودي، اوهما معا، فان تحرك اميركا نحو تغيير اي منهما سيكون أكثر صعوبة. ويعتقد اقطاب ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما ـ وخاصة وزير الخارجية جون كيري ـ ان اقصر السبل لإحداث تغيير اميركي في الشرق الاوسط، وخاصة في مصر والسعودية، يكون عبر القضية الفلسطينية. ان اميركا اذا استطاعت ان تبرهن على قدرتها على معالجة المسألة الفلسطينية يمكنها ان تسبق الأحداث في المنطقة وتخلق واقعا جديدا يثبت قدرتها اكثر من غيرها على حل معضلة تعيش فيها المنطقة منذ اكثر من ستين عاما. وتمارس الولايات المتحدة في الوقت الحاضر اقصى جهودها لايجاد مخرج للقضية الفلسطينية يسلك طريق حل الدولتين باعتباره الحل المقبول مبدئيا من الاسرائيليين والفلسطينيين والذي لم يظهر اي اعتراض عليه من اي من الجوانب العربية. وتبذل الولايات المتحدة الآن اقصى جهودها ليظهر ان هذا الحل في سبيله الى التحقق. وقد حَصَلَت بالفعل على موافقة مبدئية، واكثر من مبدئية، من كل من الحكومة الاسرائيلية وحكومة السلطة الفلسطينية. اما الاطراف العربية الاخرى فانها توافق في اطار الجامعة العربية وخارجه.
اما بعيدا عن المسألة الفلسطينية، فان اميركا تعتبر انها تواجه معضلتين كبيرتين تتمثلان في اهتزاز النظامين السعودي والمصري الى حد مخيف.
بالنسبة للنظام السعودي، فان الولايات المتحدة تعرف أكثر من غيرها ان هناك «عاصفة كاملة من التحديات الداخلية في المملكة العربية السعودية». وهذا التعبير لاحد الدارسين الاميركيين في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى» وهو الآن اقوى تنظيمات اللوبي الاسرائيلي في اميركا واكثرها اختراقا للحكومة الاميركية والمثقفين العرب الذين يقيمون او يدرسون في واشنطن. يقول هذا الدارس سايمون هندرسون: «على الرغم من ثروة المملكة العربية السعودية والاعانات السخية التي تقدمها لسكان البلاد لا يزال ثمة تباين اقتصادي هائل بين ابناء الشعب. ومنذ اندلاع الاحتجاجات في انحاء كثيرة من العالم العربي في العام 2011 قامت الحكومة بزيادة اعانات الدعم والرواتب الحكومية لتخفيف هذا السخط الداخلي، ولا يزال هناك كثير من الاستياء. كما انه في أحد أطراف المملكة توجد اجزاء من مجتمعات الاغلبية السنية التي يشتبه في تعاطفها مع تنظيم «القاعدة»، في حين توجد في طرف آخر ثورة مستعرة من جانب الاقلية الشيعية التي ينظر اليها تقليديا على انها لا تليق بالاسلام».
ويضيف هندرسون انه «في 15 آذار» الماضي قام الشيخ سلمان العودة صاحب التأثير الكبير، الذي يقال ان لديه اتباعا يصل عددهم الى 2.4 مليون شخص، بارسال خطاب مفتوح حذر فيه العائلة المالكة من الظلم والفساد اللذين تتبعهما. ويقول هندرسون: «كالعادة تتوخى واشنطن الحذر بشأن تقديم نصائح سياسية الى المملكة السعودية وخصوصا في ما يتعلق بالمشاكل الداخلية». لكن سعيا الى الحد من تطور التحديات الداخلية الى عاصفة كاملة تجتاح بيت آل سعود، على واشنطن ان تضغط على الرياض لكي تتحمل قدرا اكبر من المشاركة السياسية وتعمل على تسريع عملية التحول الى قيادة جديدة داخل العائلة المالكة. وعلى ذكر عملية التحول في المملكة، فان صحيفة «هافنغتون بوست» الاميركية ذكرت في برقية اخبارية لها في 29 آيار الماضي ان الملك عبد الله الذي غاب عن الانظار منذ اشهر عدة هو الآن «في حالة موت اكلينيكي، بعد ان اصيب بأزمة عطلت عمل القلب والرئتين والكليتين عنده ... ولم تذع السلطات السعودية اي شيء عن حالته. ويبلغ الملك السعودي من العمر 89 عاما وهو في حالة صحية متدهورة منذ سنوات».
وفي هذا الجو العام تنشر الصحافة الغربية والعربية تقارير تفيد ان تنظيم «الاخوان المسلمين» السعودي آخذ في الصعود منذ ان بدأت فترة «الربيع العربي». بل ذهبت صحيفة الـ«غارديان» البريطانية الى حد القول ان سلام آل سعود مجرد وهم، وانه لا توجد دولة واحدة آمنة من التغيير في الشرق الاوسط.
في هذا الاطار، تفكر ادارة اوباما في التغيير الحتمي في السعودية. وفي اطار لا يختلف كثيرا الا في تراجع مكانة تنظيم «الاخوان المسلمين» المتدهورة في مصر بعد صعوده الى السلطة، تفكر الادارة الاميركية في ما يتعين عليها ان تفعل لتضمن استمرار العلاقات الوثيقة مع مصر في حالة ما اذا جاءت تغييرات 30 حزيران الحالي بما لا تتوقعه الولايات المتحدة. وهي ترقب بقلق شديد ما يجري في تركيا من تظاهرات واحتجاجات خشية ان يكون لها تأثيرها على مصر التي تتطلع جماهيرها الشعبية الى التخلص من حكم «الاخوان» على النحو الذي يجري الآن في الاتجاه نفسه في تركيا.
لقد ظنت الولايات المتحدة انها تستطيع ان تطمئن الى سلطة «الاخوان المسلمين» في مصر كعامل استقرار. ثم تبين لها ان الوضع بعد مضي اقل من عام واحد على تولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية ان المعارضة المناهضة لحكم «الاخوان المسلمين» اتسعت شعبيا الى حد لا يمكن الاطمئنان معه الى استمرار هذا التنظيم او هذا الرئيس في الحكم حتى لو ابدت الولايات المتحدة ما يكفي من التأييد والدعم له. بل ان الكونغرس الاميركي أنذر ادارة اوباما بانه ينظر جديا في إمكان سحب المساعدات الاميركية في مصر كلية، خاصة بعد الحكم الذي اصدره القضاء المصري بفترات متفاوتة من الحبس ضد عدد من الاجانب معظمهم من الاميركيين في قضية الامدادات المالية لعدد من المنظمات الاهلية المصرية.
وتضع الولايات المتحدة عينها بشكل خاص على احتمالات دور الجيش المصري اذا ما تحولت أحداث يوم 30 حزيران الى تطورات تتسم بالعنف والصدام بين مناهضي «الاخوان المسلمين» وانصارهم. والامر المؤكد ان القوات المسلحة المصرية هي الجانب من المجتمع المصري الذي يهتم به المسؤولون الاميركيون اكثر من اي جانب آخر. مع ذلك ليس باستطاعة الادارة الاميركية، بكل سطوة مخابراتها، وبكل العلاقات التي تربطها بالقيادة العسكرية المصرية، ان تصل الى حالة اطمئنان كاملة، ومعرفة التوجه الذي يمكن ان تسير فيه هذه القيادة اذا تطورت الامور في مصر باتجاه يحمل الجيش على التدخل وتولي مسؤولية البلاد.
ان الحياة السياسية في مصر لم تكن في اي وقت منذ عشرات السنين بمثل ما هي عليه الآن من نشاط، تشارك فيه الجماهير المصرية بوعي وحماس في وقت واحد. ويمكن التأكيد بان هذا الوضع لا يبعث على الارتياح من الجانب الاميركي الذي كان قد ارتكن لعشرات السنين من حكم السادات ثم حكم مبارك الى حرص القيادات المصرية المدنية والعسكرية الى رعاية المصالح الاميركية في ظل استتباب العلاقات الاميركية - المصرية. الموقف الآن مختلف ويرى معظم المراقبين الاميركيين انه لا يمكن الاطمئنان الى مستقبل العلاقات في السنوات وحتى الشهور القادمة. ويبدو ان الولايات المتحدة لا تجد خيارا لها سوى انتظار ما بعد 30 حزيران لتعرف في اي اتجاه تذهب مصر وما اذا كان الاتجاه سيلائم الاهتمام الاميركي، الامر الذي قد يجر وراءه من المشكلات ما لا تقدر واشنطن على تحمله، ويرتبط بمصر وموقعها ومكانتها في منطقة الشرق الاوسط.
ولعل هذه هي المرة الاولى التي تجد فيها الولايات المتحدة نفسها في مواجهة وضعين مجهولين في المنطقة العربية يمسان ما يمكن اعتباره، من وجهة نظر المصالح الاميركية، اهم موقعين عربيين في وقت واحد. وفي ظل هذا الوضع، لا يمكن الجزم بان القيادات الاميركية ستكون قادرة على التحكم بأي درجة في أحداث الموقعين بما يحمي المصالح السياسية والاقتصادية الاستراتيجية الاميركية.
انه انعكاس الهزيمة المفاجئة.
سمير كرم
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد