«آية ربّانية» في اعتصام رابعة العدوية: «عد لي منصور»
دخول مقر اعتصام مؤيدي الرئيس المصري المعزول محمد مرسي ليس بالأمر السهل.
يرفض سائق سيارة الأجرة أن يقترب من مقر الاعتصام. تسير على قدمَيك لنحو 15 دقيقة حتى تصل إلى ميدان رابعة العدوية في مدينة نصر. تستقبلك لجنة شعبية تقوم بتفتيش كل من يريد الدخول تفتيشاً دقيقاً. يطرحون عليك أسئلة عدّة أثناء التفتيش ومن بينها لماذا تحمل جهاز كومبيوتر في حقيبتك؟ ماذا ستفعل به في الاعتصام؟ ماذا تعمل؟
هم لا يرحّبون بالصحافيين، إلا لو كنت من صحافيي وسائل الإعلام القريبة من «الإخوان». لذلك، لا يبدو مناسباً أن تحمل بطاقتك الشخصية التي تتضمن خانة المهنة، لذا فالأفضل أن تحمل رخصة القيادة مثلاً التي تحوي خانة المؤهل الدراسي لا المهنة ولا الوظيفة.
بعد اجتياز التفتيش والوصول إلى داخل الاعتصام، قد تندهش من كمية اللافتات المكتوبة باللغة الانكليزية. يحمل شاب، في العشرينيات بلحية خفيفة، لافتة مكتوبا عليها بالانكليزية: «هذه ليست ثورة... إنها انقلاب عسكري ضد مرسي». تسأله عن معنى هذه العبارة، فيجيب مبتسماً: «مكتوب عليها بالإنكليزية مرسي هو رئيسي». لافتة أخرى يحملها رجل كبير في السن مكتوب عليها بالإنكليزية «السيسي يقتل المدنيين». تسأله عن معنى المكتوب على اللافتة فيقول: «إرحل يا سيسي... مرسي هو رئيسي!».
يستوقفك شاب في الثلاثينيات من العمر، وهو يبيع صوراً تظهر وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي ووجهه ملطخ بالدماء، ومكتوب تحته بالانكليزية: «إنه انقلاب عسكري». تسأل عن ثمن الصورة، فيجيب: «جنيه ونصف الجنيه» (ربع دولار تقريباً). وإلى جانب هذا الشاب، قد تجد شباناً آخرين يبيعون صور مرسي وأعلام مصر... والسعودية!
«الحرية والعدالة» هي الصحيفة الرسمية للمعتصمين. تباع هناك مع صحيفة «الشعب» المقربة من جماعة «الإخوان المسلمين».
ويقول سيّد، الذي اتى من محافظة الشرقية إلى ميدان رابعة العدوية واستقر في الاعتصام منذ 29 حزيران الماضي، إن صحيفة «الحرية والعدالة» هي «الأصدق». ويضيف: إن باقي الصحف المصرية تشن حرباً حقيقية بهدف «شيطنة» الجماعة، مضيفا: «كلهم يحصلون على اموال من بعض دول الخليج لشيطنة مرسي».
إلى جانب سيّد، يجلس رجل في الخمسين من عمره. يتدخل الرجل في الحوار قائلا: «الإعلام كله ضد جماعة الإخوان، فلول نظام مبارك هم من يموّلون كل وسائل الإعلام، لا أحترم سوى قناة الجزيرة، هي الوحيدة التي تنقل إلينا الحقيقة كاملة وتهتم بتغطية كل اعتصاماتنا».
«وصلتنا معلومة بأن مرسي سيعود إلى الرئاسة غداً بإذن الله»، يقول أحد الشباب المتحمسين على المنصة الرئيسية، وتنقل السماعات الضخمة صوته لكل المعتصمين، فيهلل الجميع «الله أكبر». ربما هو بعض الأمل لآلاف المعتصمين الذي يحلمون بعودة مرسي غير معترفين بملايين المصريين الذين خرجوا ضده يوم 30 حزيران.
على أطراف الاعتصام سيارتا بث مباشر، يحرسهما العشرات من شباب «الإخوان»، مكتوب عليهما «اتحاد الإذاعة والتلفزيون»، اي انهما يتبعان التلفزيون الرسمي للدولة، لكن الحقيقة ان السيارتين تنقلان البث لقنوات «الجزيرة» و«الجزيرة مباشر مصر» وبعض القنوات التابعة لحركة حماس في غزة.
وتجري نيابة مدينة نصر تحقيقات موسعة في البلاغ المقدم إليها من قطاع الأخبار في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، بشأن قيام عدد من المتظاهرين في ميدان رابعة العدوية بالاستيلاء على سيارتي «بث مباشر». ويشير البلاغ إلى أن السيارتين المستولى عليهما، تبلغ قيمتهما مغ المعدات الموجودة فيهما، والخاصة بالبث التلفزيوني المباشر لوقائع التظاهرات والمسيرات، حوالي 11 مليون جنيه، وأن المتظاهرين في ميدان رابعة العدوية استولوا عليهما تحت تهديد السلاح وبالقوة.
لا يجد المعتصمون في رابعة العدوية أي مشكلة في استغلال سيارات البث. يقول أحد شباب «الإخوان»: «لو لم نقم بذلك لما كان العالم ليشاهد اعتصامنا... الإعلام المصري لا يهتم بنا من الأساس».
«سيادة الرئيس مرسي» جملة تتردد بقوة داخل الاعتصام. لا يتحدث أحدهم عن انه رئيس معزول، فهو بالنسبة إليهم الرئيس الفعلي وسيعود قريباً ليحكم مصر مرة أخرى.
المنصة الرئيسية هي اقرب ما يكون لإذاعة داخلية لمعتصمي رابعة، تنقل لهم كل ما يحدث في الخارج، حتى لو كان مجرد أكاذيب.
ينقل الشاب على المنصة للمعتصمين خبراً مفاده ان ملايين المصريين في المحافظات يتضامنون معهم وقد خرجوا في مسيرات مليونية تأييداً لمرسي. يضيف ان مصادر لـ«الإخوان» داخل الجيش أكدت ان بعض قيادات القوات المسلحة مع شرعية مرسي و«سينقلبون على السيسي في الوقت المناسب».
الغريب هو إيمان المعتصمين التام بصدق كل من يتحدث على المنصة... كلما قيل خبر كبّروا وهللوا وازدادوا حماسةً.
يقف بعض المعتصمين أمام الكاميرات التي تنقل الاعتصام بسعادة بالغة، مبعثها انهم سيظهرون عبر الشاشة. يتحدث أحدهم عبر الهاتف الخلوي إلى أحدهم ببساطة وتلقائية قائلاً: «هل تراني الآن على الشاشة... هل شكلي مهندم؟».
يسير مراسل أجنبي بين المعتصمين، فيما يتولى أحد الشباب الملتحين مهمة الترجمة له. اللافت أن الشاب المتلحي يعيد صياغة الإجابات بشكل مختلف. أحد المعتصمين قال للمراسل: «لست هنا من اجل مرسي، انا هنا من أجل مبدأ الشرعية وعدم الانقلاب على رئيس منتخب». لكن الشاب ترجم الإجابة بشكل مختلف: «أنا ضد الإنقلاب العسكري الذي حدث ضد الرئيس مرسي»!
قبل مغادرة الاعتصام تترامى إلى مسمعك جملة تختصر كل شيء. يقول أحدهم لجاره في الاعتصام: «مرسي سيعود ليحكمنا مرة أخرى، ويكفي ان الله جعل في اسم الرئيس الموقت عدلي منصور آية، فانت لو قسمت اسمه ستجده كالتالي: عد... لي.. منصور». ويضيف: «وكأن كرسي الرئاسة يرسل رسالة ربّانية إلى الرئيس مرسي قائلاً له: أنا في انتظارك. عد لي منصوراً».
مصطفى فتحي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد