تفاصيل اغتيال الوزير اللبناني بير الجميل
عادت لغة الدم إلى الساحة السياسية، وامتدت يد الإجرام، يوم أمس، لتغتال وزير الصناعة والنائب وعضو المكتب السياسي لحزب الكتائب بيار أمين الجميل ومرافقه الشخصي سمير الشرتوني، في محلة الجديدة.
وأسلوب قتل الجميل جديد ومختلف عما سبقه من اغتيالات ومحاولات اغتيال شهدها لبنان منذ سنتين. فبعدما كانت هذه العمليات، تتمّ بواسطة سيّارة مفخّخة مركونة على جانب الطريق كما حصل مع الوزير مروان حمادة والنائب جبران تويني والوزير الياس المرّ، وأحد قادة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين محمود المجذوب (41 عاماً) وشقيقه نضال، أو عبر إلصاق عبوّة صغيرة الحجم تحت السيارة لجهة السائق كما حدث مع الصحفي سمير قصير، والسياسي جورج حاوي، ومي الشدياق، والمسؤول في المقاومة الإسلامية حسين عساف، لجأ الفاعلون إلى رشّاشاتهم مباشرة، وهو تطوّر مهمّ وفعّال في القتل ينمّ عن تحدّ وعن اطمئنان في إتمام هذه المهمة بنجاح ومن دون معوّقات.
وترجّح مصادر أمنية، أن يكون اكتشاف هذه الجريمة سهلاً وأهون من سابقاتها لأسباب متعدّدة أوّلها أنّ الجاني كان ظاهراً للعيان وليس مختبئاً، وثانيها أنّه حضر بسيارته وإن كانت مسروقة، أو تمّ التلاعب بشكلها وأرقامها، وثالثها أنّها وقعت في وضح النهار، ورابعها أنّ الرصاصات انهمرت على الجميل ومرافقه الشخصي فقط أي على الجالسين في المقعدين الأماميين، ولم يصل مفعول هذه الرصاصات إلى المقعد الخلفي حيث كان يجلس المرافق العسكري للجميل وهو عنصر في جهاز أمن الدولة لم يصب بأذى، كما أنّه لم يتدارك الموقف ولم يتعامل مع الوضع الفجائي بالردّ على مطلقي النار بالمثل. وتؤكد المصادر نفسها أنّ التعاطي يجب أن يكون جدّياً لعله يقود ولو لمرّة واحدة إلى معرفة الفاعل الحقيقي من دون اتهامات سياسية مسبقة.
وفي تفاصيل كيفية وقوع الجريمة، فإنّه قرابة الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر أمس، وبعيد لحظات من خروج الجميل من منزل حنا داغر في محلة الجديدة مقدماً التعازي لأفراد الأسرة بوفاة معيلهم، وما أنْ مشى بسيارته وهي من نوع كيا فضية اللون، طاردته سيارة جيب هوندا سيفيك سوداء اللون، تحمل لوحة مزوّرة وتقصّدت صدمه من الخلف، ثمّ التفّت وقطعت الطريق عليه، ونزل المسلحون منها وأمطروه برصاصاتهم مستغلين عدم صدور أي صوت منها يعيق عملهم كون رشاشاتهم مجهزة بكواتم للصوت، ثمّ عادوا إلى سيّارتهم وتواروا عن الأنظار إلى جهة غير محدّدة بينما قتل الجميل ومرافقه الشرتوني مباشرة، ولم يصب العنصر في جهاز أمن الدولة الجالس في المقعد الخلفي مارون ساسين بأيّ أذى.
ويستدلّ من المعلومات الأمنية الرسمية الخاصة بالسفير أنّ الفاعلين كانوا يراقبون الجميل منذ أن دخل إلى حيث قام بواجب العزاء وخروجه منه، ويعتقد بأنّ هناك فريقاً، قد يكون شخصاً واحداً، كان يراقب الجميل، ويتواصل مع رفاقه المستعدين لارتكاب جريمتهم، وقد يكونون على معرفة مسبقة بجدول حركة الجميل وذهابه ومجيئه، وهيّأوا الظروف المناسبة للخروج منها من دون ترك آثار تدلّ عليهم، ولكن المؤكّد برأي مصادر أمنية، وهو ما أجمع عليه غير طرف، أنّ المخطّطين قرّروا الإجهاز على الجميل قبل ساعات معدودة من نظر مجلس الأمن في نظام المحكمة ذات الطابع الدولي التي أنشئت لمحاكمة المتهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وتعدّدت الروايات الأمنية حول ملابسات هذه الجريمة، فقالت مصادر التحقيق إنّها تعتقد بأنّ الجناة كانوا في سيارة جيب من نوع هوندا مرّت أمام سيارة الجميل، وفجأة ضغط السائق على مكابح سيارته فاصطدمت سيارة الجميل بها ونزل منها المسلحون بوجوههم المكشوفة وأسلحتهم الملقّمة والمجهّزة بكواتم الصوت، وتقدّموا من نافذة الجميل الذي كان يقود سيارته وأمطروها بنيران أسلحتهم على مرأى ومسمع من المواطنين المذعورين الذين تفرّقوا في كلّ حدب وصوب من دون أن يجرؤ أحد منهم على قطع الطريق على المسلّحين الذين عادوا بسرعة البرق إلى سيارتهم وأقلعوا بها إلى جهة مجهولة.
واتضح من الطلقات النارية المستخدمة في هذه الجريمة ومنها ما وجد داخل السيّارة وبقربها، أنّها من عيار 9 ملم. ولكن لم تعرف نوعية رشّاشات القتلة وإن كانت عياراتها صغيرة الحجم، وتركّب عليها كواتم للصوت.
أما مصدر أمني آخر فقال إنّ الجناة كانوا داخل سيارة من نوع هوندا تقدّمت إلى جانب سيّارة الجميل من جهة السائق وأطلّ من نافذتيها الأمامية والخلفية شخصان مجهولان وأمطراها بوابل من رصاصاتهما القاتلة فاستقرّت في رأس الجميل مباشرة وطاولت مرافقه الشخصي الشرتوني الجالس إلى جانبه والذي لم يتمكّن من الردّ على مطلقي النيران وأصيبا معاً بجروح بالغة وخطرة ولم تنجح محاولات إسعافهما في إنقاذهما ففارقا الحياة.
وفور شيوع خبر الجريمة حضر إلى مسرحها النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي جان فهد، وقاضي التحقيق العسكري الأول رشيد مزهر، ورئيس قسم المباحث الجنائية الخاصة العقيد منذر الأيوبي، وقائد منطقة جبل لبنان في قوى الأمن العميد بهيج وطفة، وعناصر من مكتب مكافحة الإرهاب، والأدلة الجنائية، والاستقصاء، وفرع المعلومات، وقامت بفحص السيارة ورفع عينات منها وجمع الفراغات من داخلها وعن الطريق العام، وضربت قوّة من الجيش اللبناني طوقاً أمنياً محكماً في المكان ومنعت أحداً من الاقتراب من السيارة خشية التأثير على الأدلة التي يمكن التقاطها من مسرح الجريمة.
واستمع العقيد الأيوبي بإشراف القاضي ميرزا، إلى إفادات عدد من الشهود بينهم العنصر ساسين ومواطنون شاهدوا بأمّ العين وقائع ما حصل. ومن المقرّر أن تقوم الأجهزة الأمنية المعنية بدرس المنطقة التي وقعت فيها الجريمة ورسم خطيطة لها، والتحقّق من السيارات المشتبه بها على الرغم من وضع لوحة مزوّرة عليها للتمويه.
وبعدما أنهى القضاة الثلاثة عملهم الميداني توجّهوا معاً إلى مكتب القاضي ميرزا في الطابق الرابع من قصر عدل بيروت وعقدوا اجتماعاً تدارسوا فيه في مجمل التفاصيل والمعطيات التي زوّدتهم بها الأجهزة الأمنية، والتي تكوّنت لديهم عن الجريمة ودوافعها وتداعياتها على أن يقوم القاضي فهد غداً الخميس بالادعاء على مجهولين وإحالة أوراق الملف على القاضي مزهر لمتابعة التحقيق فيها بانتظار أن يعقد مجلس الوزراء جلسة دستورية وقانونية في الأيام المقبلة، ويحيل هذه الجريمة على المجلس العدلي أسوة بباقي الجرائم السياسية.
وقد تقرر ان يقام مأتم وطني كبير للراحل في الواحدة من بعد ظهر غد الخميس في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت، على ان ينقل الجثمان بعد ذلك الى مسقط رأسه في بكفيا ليوارى في الثرى.
وحصلت ردّات فعل أولية غاضبة على هذه الجريمة قام بها مناصرو حزب الكتائب اللبنانية في غير منطقة حيث عمدوا إلى النزول إلى الشوارع، وقطع الطرقات الرئيسية والفرعية وإحراق إطارات الدواليب ومنها في طريق صيدا القديمة بين الشياح وعين الرمانة، والبترون، وزحلة، والمسلك الشرقي من أوتوستراد جبيل، ما أدّى إلى توقّف السير، وحالات ازدحام عملت وحدات من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي على تفريق المتظاهرين ومنع التعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وحضرت فرق من الدفاع المدني وتولت إخماد الحرائق وإعادة فتح الطرقات.
وردد مناصرون الشتائم ضد العماد ميشال عون وقاموا بتمزيق صور له وإحراقها، كما كالوا شتائم للسيد حسن نصر الله.
وفي منطقة البترون تلقى انصار حزب الكتائب خبر اغتيال الوزير الجميل بهلع واستنكار شديدين، حيث توجهت وفود من قرى وبلدات القضاء الى مستشفى مار يوسف حيث جثمانه.
وقام بعض المناصرين وتعبيرا عن استنكارهم بإشعال دواليب على الاوتوستراد في بلدة كفرعبيدا دون اقفال الطريق الدولي وعملت فرق الدفاع المدني على اطفائها ومن ثم قامت عناصر من قوى الامن الداخلي برفع رواسب الدواليب المحروقة.
وفي زحلة وفور شيوع الخبر اقفلت المحال والمؤسسات التجارية ابوابها وبدأ عدد كبير من محازبي الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية بالتجمع في اقليم زحلة الكتائبي وسط مشاعر من الغضب والوجوم والحزن والبكاء، واتخذت قوى الامن الداخلي والجيش اللبناني وأمن الدولة اجراءات امنية في المدينة وعلى مدخلها للحؤول دون أية احتكاكات بين القوى الحزبية حيث اطلق محازبو الكتائب والقوات اللبنانية شتى انواع الشتائم الى كل من النائب ميشال عون والأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله.
كما طالت الشتائم نائب زحلة عن المقعد الماروني النائب سليم عون من تكتل الاصلاح والتغيير مع تهديدات بحرق منزله، كما اقدم مناصرو الكتائب والقوات على اقفال الطرق الرئيسية في زحلة عند البولفار وعند تقاطع المدينة الصناعية وقاموا بإشعال النيران بالاطارات المطاطية، ولم تخل هذه الحركة من بعض الاحتكاكات مع السيارات العابرة، لا سيما مع الفانات المتوجهة صوب منطقة بعلبك حيث تعرض بعضها للاعتداء والتكسير وكيل الشتائم لمن بداخلها، وتطور الامر مع قيام احد المناصرين برشق سيارة من نوع رانج روفر وبداخلها احد المشايخ المعممين، فما كان من الاخير الا ان اطلق النار من سلاح حربي في الهواء.
وعمدت على الفور قيادة الجيش اللبناني على استقدام تعزيزات والانتشار عند مفارق الطرقات وعملت على فتحها بعد الاستعانة بإطفائيات الدفاع المدني، كما عمل مسؤول حزب القوات اللبناني في زحلة المحامي عادل ليون ومسؤول اقليم زحلة الكتائبي المحامي ايلي الماروني وبعض الاشخاص على سحب المناصرين من الطرقات والعمل على منع حصول أية احتكاكات حزبية.
وانتقلت عملية حرق الدواليب الى كل من مفارق بلدات الفرزل والمعلقة وأبلح. وتم اقفال الطريق الممتدة من رياق الى ابلح لبعض الوقت بعد ان انتشر عناصر الجيش اللبناني بكثافة. كما طالت الاحتكاكات بعض السيارات العابرة لمواطنين من زحلة مؤيدين للتيار الوطني الحر، كما عملت قوى الامن الداخلي على انتشار امام مركزه على بولفار زحلة.
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد