تهديدات الجولاني في سياق المشروع التكفيري
ـ الجمل ـ عبدالله علي : حاول أبو محمد الجولاني المسؤول العام لتنظيم جبهة النصرة، أحد فروع القاعدة في سوريا، أن يربط بين ما وقع في الغوطة الشرقية مما صار يسمى بـ "كيماوي الغوطة" وبين تهديداته الأخيرة التي أطلقها ضد واحدة من مكونات المجتمع السوري، وذلك في تسجيله الصوتي الأخير الذي صدر عن مؤسسة المنارة البيضاء، الذراع الإعلامية للجبهة، تحت عنوان "العين بالعين". فزعم الجولاني أنه يريد الانتقام والثأر لدماء أهل الشام عبر استهداف وترويع وسفك دماء أهل الساحل!!.
لكن محاولة الجولاني هذه، كانت أكثر من ساذجة، ليس فقط لأنه يدعو إلى تدفيع السوريين ثمن دماء بعضهم البعض في صفقة وحشية قد لا تنتهي إلا مع سقوط آخر قطرة دم سورية. وإنما لأن دعوته إلى الانتقام والثأر مما حدث في الغوطة عبر استهداف قرى "النصيريين" كما سماهم، جاءت بعد ساعات فقط من نجاح الجيش السوري في استعادة جميع المناطق التي سيطرت عليها الكتائب الإسلامية المتشددة خلال الأسابيع الماضية في ريف اللاذقية الشمالي. وبالتالي فإن التنظيمات الجهادية والكتائب الإسلامية أمثال الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وصقور العز وكتيبة المهاجرين لم تكن في حاجة إلى ذريعة، كأحداث الغوطة، حتى تستبيح قرى الساحل وترتكب أبشع المجازر بحق أهاليها والتي تفاخر الجهاديون (اقرأ:الإرهابيون) بأنهم استخدموا ضدهم سكين الزرقاوي في إشارة إلى أن أبو مصعب الزرقاوي كان لقبه المفضل أمير الذباحين، وقد تناقلت العديد من المواقع صوراً قاسية ومنفرة عن عشرات حالات الذبح التي طالت المواطنين في قرى ريف اللاذقية الشمالي، التي هاجمتها هذه التنظيمات والكتائب في إطار معركة تحرير الساحل.
فإذاً لم يكن قصف واقتحام قرى الساحل، ينتظر وقوع "كيماوي الغوطة" حتى يصبح هدفاً مشروعاً من قبل التنظيمات الجهادية ومن يحالفها من الكتائب الإسلامية المتشددة، وإنما طالما كان كذلك منذ بداية الأزمة السورية ومنذ أيامها الأولى عندما كانت السيارات المجهولة تتنقل بين الأحياء وترفع عبر مكبرات الصوت شعارات طائفية عمن مصيره التابوت ومن مصيره الهجرة إلى بيروت. وهذا ما يطرح التساؤل التالي: لماذا ربط الجولاني إذاً بين الغوطة وبين تهديد الساحل؟.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن الجولاني مهما حاول فلن يستطيع التخلص من الجينات الوراثية التي اكتسبها أثناء نشأته الجهادية في أحضان الدولة الإسلامية التي ترعرع في كنفها في العراق حتى قوي عوده، ولا يمنع من ذلك أن يكون قد اختلف معها مؤخراً حول بعض الأمور الشكلية المتعلقة بتوقيت تحقيق المشروع وأسلوب تحقيقه، فيما بقي متفقاً معها في الجوهر من حيث حقيقة المشروع التكفيري ومبادئه وأفكاره.
ولا ننسى أن الدولة الإسلامية التي ازداد نفوذها كثيراً على حساب نفوذ جبهة النصرة، قد طرحت في الأسبوع الثالث من شهر رمضان المنصرم، مشروعاً جديداً تحت عنوان "حصاد الأجناد" والذي يستهدف بحسب ما قال أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي باسم الدولة الإسلامية في تسجيلها الصوتي "لن يضروكم إلا اذىً" ضرب الأقليات وإجبارها على هجرة منازلها ومناطق إقامتها. وبالتالي فإن الجولاني الذي يعي تراجع نفوذه ولا يستطيع مقاومة جيناته الوراثية، رأى نفسه أمام فرصة ذهبية لا يمكنه تركها تفلت من بين أصابعه ونقصد بذلك ما حدث في الغوطة، فأمسك بالفرصة واتخذ أحداث الغوطة ذريعة لركوب موجة "حصاد الأجناد" ومنافسة صديقته اللدودة، الدولة الإسلامية، في ترويع الأقليات وتهجيرهم.
ويخطئ من يظن أو يصدق أن الدافع وراء هذه المنافسة في استهداف الأقليات، يعود إلى سبب منطقي كالخلاف السياسي حول النظام أو حتى الاختلاف الديني حول المذاهب والطوائف. فكل هذه الأسباب هي في الحقيقة أقنعة تضعها التنظيمات الجهادية المتشددة لإخفاء حقيقتها. فهذه التنظيمات التي تحمل لواء المشروع التكفيري لا تقوى على العيش والاستمرار إلا في ظل أجواء تهيمن عليها الفوضى والفتنة والانقسام بين شرائح المجتمع، فهي تبحث عن الفوضى فإن لم تجدها سعت إلى إيجادها ولو بالقوة وكذلك الأمر بالنسبة للفتنة والانقسام. فالمهم عندها ليس سبب الفوضى وإنما الفوضى بحد ذاتها أياً كان سببها.
وتهديدات الجولاني الأخيرة لا تخرج عن كونها محاولة جديدة من قبل حاملي لواء المشروع التكفيري لإحداث الفتنة الطائفية بين مكونات المجتمع السوري وإشعال نار الحرب الأهلية بين شرائحه المختلفة، لأنه يدرك أن حياة تنظيمه ومشروعه متوقفة على نجاح مثل هذه المحاولات. أما دماء الغوطة فليست سوى ذريعة يحاول الجولاني من خلالها أن يزيد نار الفتنة اشتعالاً من خلال اللعب على وتر الاختلاف بين أبناء الغوطة وأبناء الساحل فيوحي بأنه يدافع عن هؤلاء ضد هؤلاء في حين أن الحقيقة المؤلمة هي أن السوري هو الذي يفقد حياته في الحالتين ليغذّي المشروع التكفيري الداهم.
إضافة تعليق جديد