«الأسد الثالث»

02-06-2014

«الأسد الثالث»

قبل فترة قصيرة، اتصل مسؤول لبناني من خصوم سوريا الشرسين بدمشق. هدف الاتصال معرفة الموقف السوري من الانتخابات الرئاسية اللبنانية. قيل إنه ليس الأول الذي يبادر إلى ذلك، وإن مرشحين رئاسيين، معلنين وغير معلنين، سعوا إلى التقرُّب من عاصمة الأمويين مباشرة أو مداورة. تفسير هذه الحركة يستند إلى موقف غربي بدأ يقول إن الرئيس السوري بشار الأسد باقٍ، وإنه لا طهران ولا حزب الله يقبلان برئيس لبناني من دون رضى سوريا، ما يعني ضرورة التحاور المباشر معها. لا بد للبنان والعالم، إذاً، وفق بعض النصائح الغربية، من التعامل مع هذا الواقع الذي سيترسخ غداً مع إعادة انتخاب الأسد لولاية ثالثة. وإذا تبين أن يوماً واحداً للتصويت لن يكفي، نظراً إلى توقع عدد كبير من المصوتين رغم التهديد الأمني، فقد يصار إلى تمديد الانتخابات يوماً إضافياً. ففي أي أجواء إقليمية ودولية تجري الانتخابات، وما هو المنتظر؟قدمت موسكو غطاءً دولياً للانتخابات قبل إجرائها (أ ف ب)

غداً يصبح المرشح بشار الأسد رئيساً لولاية ثالثة. سيفوز بنسبة ممتازة وفق كل التوقعات. نسبة المشاركة هي المقياس، لا عدد المصوّتين. تهديدات كثيرة صدرت عن المسلحين وقادتهم ضد كل من يتوجه إلى الصناديق غداً. ترافقت مع قصف استهدف تجمعات انتخابية ومناطق آمنة لترويع الناس. الغرب الأطلسي استبق الانتخابات بعدم قبولها واعتبارها «مهزلة». الانتخابات إذاً، في حد ذاتها، ستكون مقياساً لتوجهات السوريين بعد 3 سنوات من الحرب.

أول المؤشرات جاء من التصويت في الخارج. لعل مثال السفارة السورية في لبنان كان لافتاً. اللافت أيضاً أن نسبة الذين صوّتوا في دول النزوح السوري فاقت تلك التي عرفتها الانتخابات المصرية في الخارج.
فهل ربح الأسد وحلفاؤه فعلاً؟
يقول معارضوه إن الانتخابات مهزلة وسوريالية في بلد شبه مدمر وشعب متناحر ودولة لا تزال عاجزة عن السيطرة على مناطق عدة. يقولون، أيضاً، إن ضغوطاً كبيرة تمارس على الناس للتصويت، وإن في الأمر استفتاءً معروف النتائج سلفاً، لا انتخابات.
مع ذلك، لا بد من عدد من الملاحظات لفهم اتجاه الرياح دولياً وإقليمياً، وأبرزها الآتي:
ــــ الأسد الذي أراد الغرب الأطلسي ومعظم دول الخليج وعدد لا بأس به من الدول العربية إسقاطه منذ 3 سنوات، لا يزال على كرسيه. ها هو يعود لولاية ثالثة وسط وضع عسكري يتحسن لمصلحته، واتجاه شعبي يطالب يوماً بعد آخر بعودة الدولة.
ــــ نسبة كبيرة ممن كانوا في المنطقة الرمادية، أي غير المؤيدين للسلطة أو المعارضة، بدأوا يميلون أكثر صوب عودة الجيش والدولة. لهذا الميل أسباب كثيرة، منها نجاح المصالحات، واقتناع الناس بأن لا مكان لهم غير أرضهم ودولتهم. ومنها أيضاً اليأس من دعم دولي جدي. يأس دفع عدداً من الضباط المنشقين وأعضاء في معارضة الخارج إلى العودة. قريباً ثمة مفاجآت ستعلن.
ــــ بات الحليف الروسي أكثر تمسكاً بالدولة، وفي مقدمها الجيش والأسد. قدمت موسكو غطاءً دولياً للانتخابات قبل إجرائها. قال ديمتري روغوزين نائب رئيس الحكومة الروسية بعد لقائه الاسد: «نحن لا نشك في شرعية الانتخابات في سورية...». روغوزين ليس مسؤولاً عادياً («الأخبار»، العدد 2299، 21 أيار 2014). أن يقول هذا فإنه يمنح الشرعية قبل التصويت. أرسلت موسكو وفداً من لجنة الانتخابات المركزية لتقول للعالم ابتداءً من هذا الأربعاء إن الانتخابات كانت نزيهة. أرفقت ذلك بإعلانين مهمين، أولهما العزم على تسليم سوريا 20 طائرة ميغ مقاتلة. وثانيهما تأكيد هيئة أركان الجيش الروسي أن 300 مرتزق أوكراني كانوا يحاربون سابقاً في صفوف المعارضة السورية المسلحة ضد الأسد عادوا للقتال في أوكرانيا. باختصار، قالت موسكو، قبل أن تجري الانتخابات، إنها ستدعم نتائجها وإن الأسد بالتالي سيكون شرعياً. هذا مهم، إذ إنه يعقب بياناً روسياً ــــ صينياً مشتركاً صدر قبل أيام عن قمة شنغهاي يؤيد عمل الحكومة السورية.

نسبة كبيرة من الرماديين بدأوا يميلون صوب عودة الدولة

ــــ ستكون إيران أبرز وأول دولة إقليمية تؤيد انتخاب الأسد وتعترف بشرعيته. هذا منطقي. لكن الحركة الدبلوماسية الإيرانية النشطة هذه الأيام مرشحة لتغيير بعض المعادلات الإقليمية وربما الدولية حول سوريا. غداً يصل إلى دمشق أحد صقور السياسة الخارجية الإيرانية، علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى، على رأس وفد من برلمانيي أصدقاء سوريا الذين استضافتهم طهران. يأتي لدعم الانتخابات. دعم آخر جاء من رئيس مجلس الشورى نفسه حين تحدث عن رسائل مهمة من خلال هذه الانتخابات. دعم ثالث من وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي قال: «إن الانتخابات الرئاسية القائمة على المبادئ الديموقراطية هي خطوة جادة ومهمة لإنهاء الأزمة السورية». في 18 الجاري يزور ظريف السعودية تلبية لـ«دعوة ودية» للمشاركة في قمة منظمة المؤتمر الاسلامي. توصيف «ودية» جاء من الخارجية الإيرانية نفسها. سبقت ذلك زيارة مفصلية لأمير الكويت، لطهران أمس في وساطة واضحة المعالم. سبقتها، أيضاً، زيارة مهمة قام بها مساعد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لقطر بعد اليمن. في الدوحة التقى عبد اللهيان أيضاً رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وسط تحسن العلاقة بين حماس وطهران، وحاجة الإخوان المسلمين حالياً لدعم إيراني. تركيا أيضاً دخلت على الخط الإيراني بقوة. كشف ممثل إيران السابق في منظمة الأمم المتحدة علي خرم، أن مفاوضات غير رسمية استضافتها إسطنبول بين ممثلي إيران ومجموعة 5 + 1، وأن هذه المفاوضات ستترك أثراً إيجابياً في الجولة المقبلة من المفاوضات. الأجواء المحيطة بالمفاوضات الدولية مع طهران أكثر من إيجابية. انعكاساتها تتخطى الكثير من التوقعات. هذا، مثلاً، رئيس مؤسسة التراث الثقافي الإيراني مسعود سلطاني، يؤكد أن عدد السياح الأميركيين إلى إيران في الفترة القريبة الماضية ازداد 20 ضعفاً. هناك أيضاً إجراءات مصرفية وتجارية واقتصادية كثيرة لا يعلن الكثير عنها.
كل هذا يعني أن إيران صارت لاعباً أساسياً، لا بل ربما اللاعب الأبرز على مستوى الإقليم. من المنطقي أن يكون جزء أساسي من حركتها الحالية في إطار تحصين الوضع السوري وتوفير حل سياسي يوقف الحرب ويمهد لمرحلة ما بعد الانتخابات بالاتفاق مع الرئيس الأسد. بدأ العمل جدياً على ذلك، وهناك اقتراحات قد تظهر بعيد الانتخابات.
ــــ صحيح أن الرئيس باراك أوباما أعلن الاستمرار بدعم المعارضة. صحيح أيضاً أن رغبة بعض الدول في إعادة خلق توازن عسكري ضد الجيش السوري وحلفائه لن تتوقف. لكن المعركة على الأرض أولاً تتغير على نحو حثيث لمصلحة السلطة وحلفائها، وبات من الصعب جدياً قلب المعادلة. صار الجيش السوري أكثر إيماناً بالحسم من السابق، وعلى الأرجح أكثر قدرة. ثم إن أوباما قال في خطابه، في الكلية العسكرية الأميركية «ويست بوينت» الأسبوع الماضي، كلاماً أهم من دعم المعارضة المعتدلة. خاطب الضباط والعسكريين: «سأخونكم إذا أرسلتكم إلى مناطق الخطر لمجرد أنني رأيت مشكلة تحتاج إلى إصلاح في مكان ما من العالم، أو لأنني قلق بشأن النقاد الذين يعتقدون أن التدخل العسكري هو السبيل الوحيد لتجنب الظهور بمظهر الضعف». باختصار، أوباما لن يغامر بأي عمل عسكري في سوريا. لعله فهم جيداً أن المسألة كبيرة الخطر، لأنها قد تشعل حرباً في المنطقة، ولأن موسكو ترى أن أي رفع لمستوى التسلح للمعارضة، وخصوصاً ضد الطائرات خط أحمر.
ــــ يلاحظ أن ثمة أصواتاً أميركية بدأت تمهد لنوع من التخلي الأميركي أو لتغيير المعادلة. هذا، مثلاً، ليسلي غيلب الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، يكشف أن مسؤولين أميركيين كباراً في الإدارة الحالية أكدوا له أن أوباما مستعد للعمل بحدود معينة مع الأسد لمحاربة الإرهاب. هذا، أيضاً، السيناتور الأميركي ريتشارد بلاد، يوجه رسالة إلى الرئيس السوري يشكره هو والجيش السوري فيها على إنجازاتهم ضد «إرهابيين ومجرمي حرب ومتوحشين مرتبطين بالقاعدة».
ــــ بعد أيام على وصول رسالة السيناتور الأميركي إلى الأسد، فوجئ الأميركيون بانتحاري أميركي يدعى «أبو هريرة الأميركي» ينفذ عملية انتحارية في إدلب السورية، ليصبح أول إرهابي انتحاري أميركي. دبّ القلق في البيت الأبيض كما قبله في أوروبا. بات الجيش السوري حاجة ملحة مع عدد من جيوش المنطقة لضرب الإرهاب.
كل ما تقدم يشير إلى أن الأسد المتجه إلى ولاية ثالثة، أو «الأسد الثالث» كما يحلو للبعض تسميته الآن، يحقق في فوزه الانتخابي نقطة إضافية. لا بل الأهم، لمصلحة المحور الممتد من موسكو وبكين إلى بيروت، مروراً بطهران ودمشق. لا شك أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله كان يفكر في كل هذا حين أعلن قبل أيام أن سوريا ستنتصر.
لم يقل نصر الله ولا الأسد حتى اليوم إن هذا المحور انتصر. هما، قبل غيرهما، يدركان تماماً أن المرحلة لا تزال صعبة ومعقدة، وأن المفاجآت الأمنية ممكنة. يدركان أنّ من الصعب للمحور الآخر أن يسلم بانتصار خصومه. انتصار كهذا يقلب معادلة دولية وإقليمية كبيرة في المنطقة. لا يوجد أي طرف حتى الآن قابل بذلك، لكن الأكيد أن وصول الإرهاب إلى هذه الدرجة من الخطر، واستمرار الجيش السوري وحلفائه بالقتال بعد 3 سنوات من الحرب وكل الضغوط العسكرية والمالية والإعلامية، بحاجة إلى مقاربة جديدة من قبل المحور الأطلسي.
مقاربة قد تبدأ بعض جوانبها بالظهور، ليس في الانتخابات السورية فقط، التي سيسارع الغرب الأطلسي إلى شجبها وعدم الاعتراف بها، بل من خلال تجدد الاتصالات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظرائه الأطلسيين، وفي مقدمهم أوباما نفسه. الجميع سيلتقون، بعد 3 أيام، في فرنسا لمناسبة الاحتفال السنوي بإنزال النورماندي الشهير. هناك فقط سيقررون، هل يبرّدون جبهات العالم ويقبل كل طرف بشيء من التنازل، أم يفترقون لترتفع حرارة الحرب الباردة؟ لا شك أن الجميع يريدون تفاهمات، لا حروباً. في النورماندي صيغت قرارات دولية كثيرة، كان آخرها بين جاك شيراك وجورج بوش بشأن القرار 1559. هذه المرة المعادلة تغيرت.

سامي كليب

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...