«الأمعاء الخاوية» تنتصر: «سامر الفلسطيني» يكسر قيده
انتصر «سامر الفلسطيني». المرة الأولى كانت حين أعلن إضرابه عن الطعام رفضاً لأوامر الاحتلال العسكرية، ومرة أخرى حين أجبر الاحتلال على فك قيوده في المستشفى، وحين أعلن مقاطعته لمحاكم الاحتلال، وانتصر أيضاً حين أجبر الاحتلال مرة تلو الأخرى على الرضوخ، ليتوج معركته بالإفراج عنه وبشروط هو فرضها، وإلى مدينته، إلى القدس المحتلة.
مرة جديدة انتصرت «الأمعاء الخاوية» على قضبان الزنزانة. وبعد نحو ثمانية أشهر ونصف الشهر من إضراب عن الطعام، أنهك جسد سامر العيساوي، وحوّله إلى هيكل عظمي مكسوّ بلحم جاف، كانت إرادة هذا الرجل أقوى من كل الاحتمالات، وانتصرت على الموت.
وفي ساعة متأخرة من فجر أمس، وقع الأسير الفلسطيني سامر العيساوي، الذي تحب أمه أن تسمّيه «سامر الفلسطيني» اتفاقاً مع النيابة العسكرية للاحتلال يقضي بتعليق إضرابه عن الطعام، الذي بدأ في الأول من شهر آب العام 2012. وينص الاتفاق على فرض عقوبة تقضي باحتساب الفترة السابقة له التي قضاها في الأسر منذ تاريخ السابع من تموز الماضي، بالإضافة إلى ثمانية أشهر سجن فعلي، وبالتالي تنتهي محكوميته في 23 كانون الأول العام 2013، ليعود إلى العيسوية في القدس المحتلة. وسيخضع العيساوي خلال هذه الفترة إلى إعادة تأهيل بعدما تدهورت حالته الصحية، وفقد 40 كيلوغراماً من وزنه.
أخضع سامر العيساوي دولة الاحتلال من رئيسها إلى أصغر جنودها، فهو بهذا الاتفاق يكون رفض اقتراحاً يقضي بموافقته على البقاء في السجن، وإصدار عفو من الرئيس الإسرائيلي. كما أن إصراره أسس لمعارك أخرى للأسرى في مواجهة الأمر العسكري القاضي بإعادة محاكمتهم بمحكومياتهم السابقة، ما أدخل الاحتلال في دوامة يصعب الخروج منها.
وزير الأسرى والمحررين عيسى قراقع قال خلال مؤتمر صحافي إن «سامر العيساوي فرد بقدرة جيش انتصر على جيش قدرته أقل من فرد»، مضيفاً «وليس انتصار سامر فقط لأنه لم يخضع لضغوطهم، ولم ينهكه الإضراب، بل انتصر مرات عديدة، فهو انتصر حين أجبرهم على التراجع عن قرار إعادة محاكمته، وانتصر حين قاطع محاكم الاحتلال ورفض المثول أمامها، وانتصر لأنه رفض الإبعاد، وانتصر برغم كل حيلهم».
بدوره، قال رئيس «نادي الأسير الفلسطيني» قدورة فارس إن ما حققه سامر «يصعب وصفه واختزاله في حكاية، ربما يجب أن يدرّس كأسطورة، فهو كان يعانق الموت كل لحظة، لكن الموت بالنسبة له كان أفضل من الرضوخ للاحتلال وألاعيبه».
عم سامر العيساوي، اعتبر أن ابن أخيه أحرج قضاة إسرائيل، وأثبت زيف كل ما يروّجون له. وروى العم ما حصل في يوم المحكمة أمس الأول، وقال «رفض سامر المثول أمام المحكمة الإسرائيلية، فجاءت القاضية العسكرية إليه على سريره في المستشفى. حينها كشف لها عن صدره وقال لها: ألا يذكرك هذا المنظر بما تعرضونه من مناظر عما فعله بكم النازيون». وأضاف عم العيساوي «صمتت القاضية، وقالت له نحن ماضون في إجراءاتنا ضدّك، فأجابها: افعلوا ما شئتم أنا لن أغيّر موقفي، ولن أفك إضرابي، إلا إذا تقرّر إطلاق سراحي».
ولد سامر العيساوي في بلدة العيسوية في القدس في العام 1979، وهو شاب أعزب، ينتمي إلى عائلة مقدسية من ستة أشقاء وشقيقتين. شقيقه فادي استشهد في مجزرة الحرم الإبراهيمي في العام 1994، ومدحت حرر بعد اعتقال دام 19 عاماً، وحتى شادي وشيرين تعرّضا للأسر.
في العام 2001، اعتقل سامر العيساوي وحكم عليه بالسجن 30 عاماً بتهمة المشاركة بفعاليات «إرهابية» وانتمائه للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، حتى أفرج عنه في صفقة «شاليت» في العام 2011. يذكر أنه كان قد اعتقل سنتين قبل الانتفاضة بالتهم ذاتها. وأعاد الاحتلال اعتقاله بعد ثمانية أشهر من الإفراج في السابع من تموز العام 2012 بحجة خرق شروط الإفراج عنه، وقيامه بزيارة إلى ضاحية الرام في القدس المحتلة.
وبحسب تقرير لـ«مركز الإعلام الحكومي الفلسطيني» فإن النيابة العسكرية الإسرائيلية طالبت بمحاكمته بحكمه السابق وفقاً لأمر عسكري، ما يعني أن يكمل 20 عاماً في السجن، فما كان منه إلا أن دخل في إضراب عن الطعام في الأول من آب العام 2012، رافضاً الأمر العسكري، واستمر في معركته حتى تاريخ توقيع صفقة وقف الإضراب أمس.
ووفقاً للأمر العسكري، يمكن لجيش الاحتلال والشاباك إعادة اعتقال كل مُفرج عنه حتى نهاية مدة سجنه الأصلية، بسبب جنايات ليست أعمالاً إرهابية مع الاعتماد على أدلة سرية.
وتعرضت صحة سامر العيساوي لانتكاسات عديدة خلال الإضراب، لا سيما أنه توقف عن تناول الفيتامينات والأملاح والسوائل مرات عديدة، وانخفضت نبضات قلبه إلى 28 نبضة في الدقيقة، وكان يصاب بحالات متوالية من الغيبوبة، كما انخفض وزنه إلى 40 كيلوغراماً.
شكل إضراب العيساوي رقماً قياسياً خارقاً، ليكون أطول إضراب في تاريخ البشرية، وفقاً لـ«نادي الأسير الفلسطيني». كما أنه نجح للمرة الأولى في تاريخ الحركة الأسيرة بإجبار الاحتلال على فك قيوده أثناء وجوده في مستشفى كابلان في جنوب تل أبيب، بعدما أضرب عن تناول الأملاح والفيتامينات، احتجاجاً على إبقائه «مقيداً» بالسرير.
أمجد سمحان
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد