«النصرة»: هكذا خسرنا الشحيل
خسارة مدينة الشحيل في ريف دير الزور بالنسبة إلى «جبهة النصرة» لا تشبه خسارة مدينة أخرى، ولا يعوض «النصرة» هذه الخسارة التقدمُ في أي مكان آخر مهما بلغت أهميته الاستراتيجية.
خسرت «النصرة» الشحيل فلم يعد لها وجود في شرق سوريا، وهذا يؤكد صحة القول إن «الشحيل هي النصرة، والنصرة هي الشحيل» في المنطقة الشرقية على الأقل. وبينما يحاول قادة الجبهة الفارون، والمتحدّرون بغالبيتهم من الشحيل، لملمة ذيول الهزيمة وتدارك تداعيات سقوط مدينتهم قبل أن تؤدي إلى تفكك تنظيمهم في المدن الأخرى، تستمر الفصائل والعشائر في خطب ود تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» سواء بالبيعة مباشرة أو بعقد اتفاق تسوية معه.
وكان الحدث الأبرز أمس الأول هو إعلان «الأمير الشرعي للنصرة» في المنطقة الشرقية أبو تميم الأنصاري انشقاقه عن الجبهة وانضمامه إلى «الدولة الإسلامية»، من دون أن يذكر الأسباب التي قال إنه سيعلن عنها في وقت لاحق، كما جاء في تغريدات له على «تويتر»، ليكون بذلك أكبر قيادي من «النصرة» يبايع «داعش».
بموازاة ذلك تكشفت شروط الاتفاق بين «داعش» وبين «لواء بشائر النصر»، أحد أكبر الألوية في «جبهة الأصالة والتنمية»، والتي تم بموجبها تسليم مدينة العشارة من دون مبايعة. ونص الاتفاق، الذي وقعه عن «بشائر النصر» كل من بدر الدين السلامة و«الشرعي» الشيخ أحمد الكماري أبو عبدالله، على أن يعطى الأمان لكل من يعلن التوبة، ولا يشهر سلاحه بوجه «الدولة الإسلامية»، ووضع جميع آبار النفط في دير الزور تحت تصرف «داعش»، والإسراع بإنشاء «محاكم شرعية»، وتوفير الخدمات ومتطلبات الحياة المعيشية كافة لأبناء دير الزور بأسرع وقت ممكن. وأخيراً أن تكون الأولوية لتحرير دير الزور من «عصابات» الرئيس السوري بشار الأسد على أن يبقى «لواء بشائر النصر» وفصائل «الجيش الحر» مع عتادهم في المدينة، وتحت إمرة «الدولة الإسلامية» لحفظ الأمن في المدينة.
رواية «النصرة» عن سقوط الشحيل
ربما لم يخطر ببال الشحيليين أن يكلفهم الوقوف إلى جانب «جبهة النصرة» كل هذا الثمن من الإذلال والتشريد، إذ طالما داعبت مخيلتهم أحلام السيطرة على دمشق والجلوس على عروشها حاكمين بأمر الله. لكنهم اليوم نكّسوا راياتهم ورؤوسهم مضطرين إلى مبايعة زعيم أوحد لا ينتمي إليهم، هو «أميرهم» بالأمس البعيد وعدوهم بالأمس القريب أبو بكر البغدادي، الذي كانوا من كبار مؤيديه ومناصريه في العراق، لكنهم نافسوه وقاتلوه في سوريا.
وليس هذا وحسب، فها هم الشحيليون، البالغ عددهم حوالي ثلاثين ألف نسمة، يخرجون من منازلهم نساء وأطفالاً ورجالاً وشيوخاً إلى البادية بأمر عقاب جماعي صدر عن «داعش» بذريعة تفتيش المدينة بيتاً بيتاً قبل دخولها، مخافة أن يكون ثمة كمائن بانتظار «الفاتحين الجدد»، وعليهم البقاء في عراء الصحراء لمدة عشرة أيام على الأقل ريثما تنتهي إجراءات التفتيش.
ويذكر مصدر إعلامي مقرب من «النصرة»، أن الاتفاق الأولي كان يقضي فقط بإعلان التوبة، على أن يعين «أمير» على المدينة من أبنائها، ويبقى السلاح بيد الفصائل التي تبايع ويلتزم الأهالي منازلهم، لكن «داعش» نكث بالاتفاق بذريعة أن الأهالي تأخروا في تنفيذه، وقدم شروطاً تعجيزية منها تسليم القادة المطلوبين وتسليم السلاح وتهجير العوائل لمدة ثلاثة أشهر إلى مكان واحد هم يحددونه وسجن من يرون سجنه احترازياً. وبحسب المصدر نفسه فإن المفاوضات الأخيرة توصلت إلى شروط أخف وطأة، هي تسليم السلاح وتهجير العوائل لمدة عشرة أيام من دون تحديد مكان تهجيرهم.
ونفى المصدر أن يكون «أمراء النصرة» هربوا من المدينة، مؤكداً أنه عند وصول المفاوضات إلى نهايتها قال «الأمراء» للأهالي «إذا أردتم الصلح فسوف نترك المدينة، أما إذا قررتم القتال فنحن معكم حتى الموت».
لكن ما يثير الشكوك في رواية المصدر حول هذه النقطة أن رئيس الوفد المفاوض هو عمار الحداوي، شقيق اسامة الحداوي الذي يعتقد أنه هو نفسه أبو محمد الجولاني زعيم «النصرة»، أو بأسوأ الأحوال شقيق أحد أعضاء «مجلس شورى النصرة»، وبالتالي كيف يمكن لشقيق الجولاني أن يقدم على أمر من دون تنسيق معه؟
أما بخصوص رواية سقوط الشحيل، فقد أشار المصدر إلى أنها تحملت الكثير في سبيل «جبهة النصرة»، لكن الخذلان والخيانة هو ما أدى إلى سقوطها بهذا الشكل المهين. وبدأت أحوال المدينة بالتراجع منذ تمكن «داعش» من السيطرة على البادية، وبالتالي محاصرة المدينة وقطع خطوط الإمداد عنها، في وسط معقد تبحث فيه كل عشيرة عن مصالحها الخاصة، فعشيرة البكّير مثلاً وقفت مع «داعش» وأدت دوراً كبيراً في شق الصف وحماية اللصوص وأصحاب السوابق ـ بحسب المصدر- وجندتهم ضد «النصرة»، وكذلك الأمر في بلدة خشام حيث التفّ الأهالي بالسر والعلن حول «داعش» كيلا يكون لبلدة الشحيل نصيب من معمل «كونيكو» للغاز وحقول النفط التابعة لهم.
وكانت الطامة الكبرى عندما طلبت قيادة «النصرة» من فرعها في شمال سوريا إرسال مؤازرة، إبان معركة مركدة، فاشترط القادمون عدم قتال «داعش» ووضعهم حراسات على المباني والحقول، بل طلبوا رواتب إضافية للقيام بهذا العمل.
وبحسب المصدر فإن الخطوة التي جعلت أهالي الشحيل يشعرون بدنو الأجل هي مبايعة «قادة الأركان» في موحسن لـ «داعش»، وهو ما دفعهم إلى اقتحام المدينة وارتكاب المجزرة بالقادة المبايعين، وكان على رأسهم أبو همام وأبو راشد الصاعقة. ومع ذلك استمرت الشحيل بقتال «داعش» حتى وصل عناصره إلى أطرافها ونصبوا مدافعهم وبدأوا بقصف المدينة كل يوم، وفي هذه الأثناء حدثت خيانة البوكمال حيث بايع «أمراء النصرة» البغدادي وسلموه المدينة على طبق من فضة.
هنا بدأ الأهالي يفكرون بالتفاوض مع قيادة «الدولة الإسلامية» لعقد صلح معها، بعد أن اقتنع الجميع أن سقوط الشحيل أصبح مسألة وقت لا أكثر، طالما أنه لا مال ولا مدد يمكن وصوله إلى الأهالي المحاصرين. وفي البداية اشترط فريق «الدولة» على الأهالي أن يكون الصلح وفق شروط البغدادي للتصالح مع المرتدين، لأن أهالي المدينة مرتدون، لكن الأهالي رفضوا هذه الصيغة رفضاً مطلقاً، لتعود المفاوضات من جديد وتنتهي بالاتفاق على تسليم المدينة والسلاح مع تهجير العوائل لمدة عشرة أيام.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد