«داعش»: قيادات «القاعدة» معول يهدم الخلافة
يستمر تدهور العلاقة بين تنظيم «القاعدة» من جهة وتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) من جهة أخرى. ووصلت أمس إلى المفترق الأخير ونقطة اللاعودة، عندما بقّ المتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني البحصة، معلناً انحراف «القاعدة» عن النهج، وأنها لم تعد «قاعدة الجهاد»، في خطوة تأتي استكمالاً لإجراءات الطلاق والمفاصلة بين الطرفين.
وشنّ العدناني هجوماً عنيفاً على «القاعدة» وزعيمه أيمن الظواهري من دون تسمية الأخير. وجاء هذا الهجوم غير المسبوق في تسجيل صوتي صدر فجر أمس عن «مؤسسة الفرقان» بعنوان «ما كان هذا منهجنا ولن يكون».
وإذا كانت القيادة العامة لتنظيم «القاعدة» قد سبق لها أن تبرأت تنظيمياً من «الدولة الإسلامية»، معتبرةً، في بيان صدر عنها بداية شباط الماضي، أنه لا صلة بينها وبين «الدولة»، فإن العدناني أمس رد الصاع صاعين، معلناً تبرؤه باسم تنظيمه من «القاعدة» ولكن منهجياً وعقائدياً، وإذا كانت خطوة «القاعدة» قد عنت الطلاق بين الطرفين، فإن خطوة العدناني تعني «المفاصلة» بينهما ووصول الصراع إلى نقطة اللاعودة.
وكان العدناني واضحاً في توصيفه لحقيقة الصراع مع «القاعدة» كما يراه، ناقلاً إياه من خلاف على السلوك إلى خلاف حول المنهج والعقيدة، في نقلة نوعية للصراع من مستوى إلى مستوى أكثر تعقيداً وخطورة، حيث قال إن «الخلاف بين الدولة والقاعدة ليس على قتل فلان، أو على بيعة فلان. ليس الخلاف معهم على قتال صحوات أيدوا ما عليه سابقًا في العراق، ولكن القضية قضية دين أعوج، ومنهج انحرف»، واصفاً منهج «القاعدة» الجديد بأنه «منهج يؤمن بالسلمية، ويجري خلف الأكثرية، منهج يستحي من ذكر الجهاد والصدع بالتوحيد، ويستبدل بألفاظه الثورة، والشعبية، والانتفاضة، والنضال، والكفاح، والجماهيرية، والدعوية» في إشارة منه إلى كلام الظواهري المتكرر في خطاباته خلال الآونة الأخيرة عن الشورى وبيعة الأمة. وأكد العدناني رفض هذا المنهج قائلاً «لا والله ما كان هذا منهجنا ولن يكون».
وكان الظواهري قبل ثلاثة أسابيع تقريباً في رثائه لأبي خالد السوري قد شنّ هجوماً على «الدولة الإسلامية» وزعيمه ابو بكر البغدادي من دون تسمية، وصف فيه «الدولة الإسلامية» بأنهم «أحفاد ابن ملجم وخوارج»، واتّهم البغدادي بالطمع في السلطة. وكان خطاب الظواهري هذا تمهيداً لاتخاذ خطوة تصعيدية اتجاه «الدولة الإسلامية» والتبرؤ منها منهجياً بعد التبرؤ تنظيمياً، إلا أن قيادات «الدولة» قد يكونون استشعروا قرب هذه الخطوة، وذلك فبل ساعات من خطاب للظواهري، فبادروا إلى أخذ خطوة التبرؤ المنهجي وصفع الظواهري قبل أن يصفعهم على خدهم الثاني، فكان خطاب العدناني هذا.
وشرح العدناني، وأطال في الحديث، عن الانقلاب المنهجي الذي حدث في «القاعدة». ورغم أنه عبّر عن حزنه وأسفه لأنه يقول ذلك، إلا أنه قال «لقد انحرفت قيادة تنظيم القاعدة عن منهج الصواب. لقد بات التغيير والتبديل واضحًا صارخًا. إن القاعدة اليوم لم تعد قاعدة الجهاد، فليست بقاعدة الجهاد من يمدحها الأراذل، ويغازلها الطغاة، ويناغيها المنحرفون والضالّون. وليست بقاعدة الجهاد مَن يتخندق بصفها الصحوات والعلمانيون، الذين كانوا بالأمس ضدها، فيرضون عنها اليوم، ويقتلون المجاهدين بفتاويها».
ليس هذا وحسب، فـ«القاعدة» بحسب العدناني لم تكتف بترك طريق الجهاد وتبديل منهجها «بل باتت قيادتها معولاً لهدم مشروع الدولة الإسلامية والخلافة المقبلة» وهي إشارة صارخة إلى أن «الدولة الإسلامية» أصبحت تعتبر «القاعدة» خطراً وجودياً عليها، لأنها تستهدف هدم دولتها، ما يعني أن الصراع بين الطرفين سيشهد تصعيداً عسكرياً خلال الفترة المقبلة، ولن تكون هناك خطوط حمراء في هذا الصراع أو مجال للتوسط والتسوية، لأن «زمن المبادرات انتهى وجاء زمن المفاصلة» كما يوحي خطاب العدناني.
وكشف العدناني عن محاولات جرت لإقناع «داعش» بالعودة إلى العراق تنفيذاً لقرار الظواهري، مشيراً إلى مراسلات جرت منذ ثلاثة أشهر فقط من أجل هذه الغاية، معتبراً أن رفض «الدولة» لذلك هو ما جعل منها «خارجية» عند هؤلاء.
والجدير بالذكر أن الظواهري كان قد استنفر قيادات ومشايخ «القاعدة» في العالم للتدخل لدى قيادة «الدولة» وإقناعها بالرضوخ لـ«رسالة الحكم» التي صدرت عنه في حزيران الماضي، وقرر فيها إلغاء الاندماج بين «جبهة النصرة» و«الدولة الإسلامية»، وإعطاء مهلة عام قبل أن يقرر التمديد للجولاني والبغدادي أو عزلهما. وبحسب العدناني فإن آخر هذه المحاولات كانت قبل ثلاثة أشهر، أي على الأرجح فشل هذه المحاولة الأخيرة هو ما دفع قيادة القاعدة في ذلك الحين إلى إعلان التبرؤ التنظيمي من «الدولة الإسلامية».
هذه المفاصلة التي تجري بين الطرفين، لن تؤثر على الساحة «الجهادية» في سوريا وحسب، بل من المتوقع أن تشمل تداعياتها جسد «الجماعات الجهادية» في كل أنحاء العالم، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وستتمثل هذه التداعيات بإعادة هيكلة واصطفاف وتبادل بيعات وولاءات، على نحو سيضعنا أمام تنظيمين كبيرين كل منهما يدّعي أنه يحمل إرث زعيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن وتاريخ ونهج «القاعدة» الحقيقي.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد