أطفال إدلب.. انتحاريو المحيسني على أبواب حلب
محمد الحسين، علاء، ابو يعقوب.. عينّة صغيرة من آلاف الأطفال الذين تم تجنيدهم في محافظة إدلب من قبل الفصائل المسلحة، وزُجّ بهم للقتال على جبهات عديدة، أبرزها وآخرها مدينة حلب حيث قتلوا.
متابعةٌ سريعة للتسجيلات التي تبثها الفصائل المسلحة للمعارك الجارية على جبهة حلب الجنوبي الغربية يمكن أن توضح الصورة أكثر: الأطفال موجودون في المعارك، وبنسبة كبيرة جداً، قسمٌ كبير منهم تمّ إعدادهم كانتحاريين، طفلان على الاقل منهم فجرا نفسيهما خلال الأيام الماضية، أو هذا ما تم توثيقه فقط.
حكاية تجنيد الأطفال بدأت منذ العام الأول لاندلاع الحرب في سوريا. كثّفت الفصائل «الجهادية» نشاطها على الأطفال، فقامت بتجنيد الآلاف منهم عن طريق المساجد وفي المراكز «الدعوية»، كما أنشأت عشرات المعسكرات الخاصة بهم، ضمن سباق فصائلي على هذا المورد البشري الهائل، فتورطت معظم الفصائل في ذلك، على الرغم من تركيز وسائل الإعلام على معسكرات تنظيم «داعش» و «جبهة النصرة» فقط.
تجنيد الأطفال أخذ منحىً تصاعدياً كبيراً، وقفز قفزات عدة بعد سيطرة الفصائل «الجهادية» على مدينة إدلب قبل أكثر من عام ونصف، فتم إنشاء سبع معسكرات خلال فترة ستة اشهر فقط في محافظة إدلب خاصة بالأطفال، وفق تأكيد مصدر معارض من مدينة إدلب.
ويقول المصدر إن «الفصائل اعتمدت بشكل كبير على الشحن العاطفي، كما أغدقت الأموال على الأهالي مقابل دفع أبنائهم إلى هذه المعسكرات»، موضحاً أن «وفداً من شيوخ الفصائل الجهادية كان يزور الأهالي بشكل دوري في قرى محافظة إدلب لإقناعهم بضمّ أطفالهم. كان الحديث دائماً يدور حول فكرة ان ابنك سيكون شفيعاً لك في الآخرة، بالإضافة إلى المبالغ المالية الكبيرة التي تم دفعها. هذه المغريات أدت إلى الدفع بأكثر من 400 طفل إلى معسكرات التدريب».
لم يقنع الرقم 400 الفصائل «الجهادية» وعلى رأسها «جبهة النصرة» («فتح الشام» حالياً)، و «حركة أحرار الشام»، خصوصاً أمام النقص الكبير في عدد المقاتلين في الفصائل، والحاجة لانتحاريين جاهزين لقتل أنفسهم دون عناء، الأمر الذي قرأه «الجهادي» السعودي عبد الله المحيسني بشكل جيد، فوجد فيه فرصةً سانحة لتشكيل بنية تحتية تمتن وجوده في سوريا إلى جانب الفصائل «الجهادية» الأخرى، فقام، وهو الذي أسسّ في سوريا مركزاً «جهادياً» يحمل اسم «دعاة الجهاد» منذ العام 2013 بإطلاق حملة خاصة بتجنيد الأطفال حملت عنوان «انفروا» مطلع شهر نيسان الماضي، وهي عملية استكمال للحملة ذاتها التي أطلقها مطلع العام 2015 في ريف حلب الشمالي. وتضمن إطلاق الحملة مطبوعات وملصقات دعائية عمت أرجاء إدلب، بالإضافة إلى تكثيف للخطب الحماسية وتسهيلات مادية كبيرة مقابل ضم الأطفال، حيث تمكن من استقطاب أكثر من ألف طفل من إدلب وحدها، وفق منظمات ناشطة في إدلب، كما شملت الحملة مخيمات اللاجئين في تركيا، حيث تم تجنيد أكثر من 150 طفلا من المخيمات، وفق ناشطين، إضافة إلى نحو 200 طفل تم تجنيدهم في ريف حلب الشمالي.
مع استمرار تجنيد الأطفال وإنشاء معسكرات عدة لتدريبهم برعاية من «جبهة النصرة» و «حركة أحرار الشام»، أطلق ناشطون حملة بعنوان «أطفال لا جنود» في محاولة للحد من هذه الظاهرة، إلا أنه ووفق النتائج الحالية يبدو أن الحملة فشلت ولم تتمكن من مجابهة المحيسني، خصوصا بعد التضييق الكبير الذي تعرضت له بعدما نشط منظموها بشكل سري في إدلب.
وأقيمت معظم معسكرات تدريب الأطفال، وفق مصادر أهلية، في منطقة غابات الباسل غرب مدينة إدلب، بالإضافة إلى معسكرين أقيما قرب مطار أبو ضهور العسكري، حيث جرى إعداد الأطفال وتجهيزهم في ظروف صحراوية وقاسية استعدادا لزجهم في معارك ريف حلب الجنوبي، الأمر الذي دفع عددا من الأطفال إلى محاولة الهرب من المعسكرات والعودة إلى ذويهم، إلا أن هذه المحاولات قوبلت بردات فعل قاسية، كما تم تسجيل عدة حالات منع للأهالي من زيارة أبنائهم، أو استرجاعهم من المعسكرات، خصوصا الأطفال الذين تم ضمهم دون موافقة ذويهم.
وفي معسكرات التدريب، يتم غسل أدمغة الأطفال، وتدريبهم على استخدام الأسلحة الخفيفة والرشاشات، في حين يتم اختيار الاطفال من ذوي البنية الجسدية القوية للتدرب على استعمال الرشاشات الثقيلة ومضادات الطيران، كما شملت التدريبات عمليات اقتحام، وعمليات انتحارية وهمية، بالإضافة إلى تكثيف العمل على نفسيات الأطفال وتجهيزهم للقتال والموت.
لا يعتبر تجنيد الأطفال ظاهرة جديدة على الفصائل «الجهادية»، فسُجّلت مثلاً في أفغانستان عشرات معسكرات تدريب الأطفال خلال فترة نشاط تنظيم «القاعدة»، لينتقل هذا النشاط إلى العراق التي سجلت قبل 11 عاماً أول عملية انتحارية نفذها طفل في مدينة كركوك، تبعتها عمليتان انتحاريتان نفذهما طفلان في الفلوجة بعد أقل من شهر، وهو ما انتقل مع انتقال نشاط «الجهاديين» إلى سوريا، إلا أنه شهد قفزات كبيرة من حيث عدد الأطفال الذين تم تجنيدهم بعد تطوير أدوات جذب الأطفال والاستفادة من الحرب السورية وظروفها، واللعب على الوتر الطائفي مقرونا بالمغريات المالية، خصوصا مع الانتشار الكبير للفقر وتدني مستويات المعيشة .
«جبهة النصرة» أكبر الفصائل التي استفادت من معسكرات «المحيسني» حيث ضمت أكثر من ثلثي الأطفال الذين شاركوا في المعسكرات إلى صفوفها، في حين اجتذبت «حركة أحرار الشام» قسماً من الأطفال، وتم الاحتفاظ بما تبقى منهم لمعارك تالية، وفق مصادر متقاطعة، علما أن معسكرات تدريب الأطفال تمت تحت إشراف مقاتلين من «النصرة» و «أحرار الشام».
وفي وقت تقدر فيه المصادر عدد قتلى الفصائل المسلحة التي تشارك في الهجوم على حلب (يبلغ عددها 21 فصيلا) بأكثر من 500 مسلح، حتى الآن، تشير بعض المصادر إلى أن نحو ثلث عدد القتلى تتفاوت أعمارهم بين 15 و 22 عاماً، دون وجود رقم دقيق لعدد القتلى من الأطفال دون الـ 18 عاماً، في حين تؤكد مصادر ميدانية أن معظم الأطفال الذين قتلوا تم الزج بهم على الصفوف الأولى من جبهات القتال، وأطلق عليهم لقب «انغماسيين»، بالإضافة إلى انتحاريين اثنين من الأطفال فجرا نفسيهما خلال المعارك.
وتستفيد الفصائل «الجهادية» من طبيعة الأطفال والمراهقين اللينة وسهولة دفعهم للموت في تنفيذ العمليات الانتحارية وعمليات الاقتحام الصعبة، نظرا لسهولة شحنهم ودفعهم للموت، وهو ما يشكل «منجم كنز» بالنسبة لهذه الفصائل، بالإضافة إلى ضمان استمرار فكرها وانتشاره بعد زرعه في رؤوس الأطفال، الذين سيكبر من ينجو منهم ويتابع مسيرة القتل التي نما عليها، ما يمكن أن يعطي مؤشرا حول طبيعة الحرب الدائرة حاليا في سوريا، والفترة الزمنية اللازمة لانتهائها، والتي وإن انتهت ميدانيا فإنها ستستمر فكرياً لسنوات طويلة.
علاء حلبي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد