أمل عرفة تكتب عن مصرنة الدراما المصرية
تبتلعني مساحات الورق الصغيرة، أصاب بالغثيان من خوفي ويقفز جبن لا مثيل له من عيني وتتجمَّد أصابعي ولكن ..لشدة ولعي بالكلمة واحترامي لحروفها وتشكيلاتها ورموزها ولمعرفتي بضيق الحياة دونها ويقيني لاتساع الهوة بيني وبين القليل المتاح من الأمل ...أعود لأكتب وأعتذر لأوراقي التي طال انتظارها لي أنا التي تهرب وتهرب
منها وإليها ....أتناول حدثاً لامعاً فرض نفسه كالصاعقة كالزلزال عند الكثيرين وكـ"لاشيء" عند بعض البعض ..الحدث هو قرار نقيب الممثلين المصريين بالسماح بعمل فني واحد في السنة لكلّ فنان عربي على أرض الكنانة..استفزَّ هذا القرار العرب وأراح الكثيرين من المصريين ..بهذا القرار أزاح النقيب عن صدور العديد من الذين يبحثون عمَّن يكرهون هم البحث عن الذي سيكرهون فتمثل لهم كياناً مواجهاً (الفنان العربي أياً كانت جنسيَّته سوري عراقي لبناني..المهم أنه لا يحمل الجنسية المصرية) وبالمقابل فقد أتاح لكثيرين من (الوافدين كما يسمُّونهم بمصر وأقصد الفنانين العرب) الفرصة للتحدّي القوي في سبيل قضية الوجود المصري وتحقيقه على أراضيهم ..بدت القصة لي وكأنها استجداء للفن المصري بأن يمد يده ليأخذ بأيادي هؤلاء المبتدئين ليحققوا ذواتهم الفنية هناك بين اشقائهم المصريين وليس (إخوانهم) أعود بمعلوماتي إلى السينما المصرية بالأبيض والأسود وأستغرب: ترى هل كانت صباح أو نور الهدى أو سعاد حسني أو نجاة الصغيرة أو عبد السلام النابلسي أو فريد الأطرش أو أسمهان أو عمر الشريف.. هل كان كل هؤلاء مصريين بالضرورة وإذا لم يكونوا كذلك وهذا هو واقع الحال فإلى من ستنسب نجاحاتهم إلا لصالح السينما المصرية؟ من سيأخذ من طريق الآخر في النهاية وهل فكر أحد المشاهدين العرب في جنسية (تيم الحسن ) أمام أدائه الساحر لشخصية الملك فاروق إن كان مصرياً أو سورياً أو مغربياً؟ ثم لماذا فجأة نصاب بضيق أفق فني وانغلاق عجيب على الذات والعيش برضا لا متناهٍ على شفونية ما كانت مصر إلا لترفضها دوماً منادية نفسها على طول الأيام بـ(هوليوود الشرق)؟ وهل تغلق هوليوود الشرق أبوابها على مبدعين عرب لمجرَّد أنهم ليسوا مصريين بحجة تشبه الإناء الذي لاينضح إلا بما فيه من ركاكة احتارت من ترتدي؟ السياسة تارة وتارة الفن وتارة الأدب وتارة الاقتصاد.. إن إعلاما متردّياً كالإعلام العربي الآن ..والذائقة الفنية التي تحتضر عند أغلب المنتجين العرب.. وثقافة فنية فقيرة تنعت الأقزام بالعمالقة ...كل هذا جدير بأن يجعل هوليوود الشرق تتخذ قراراً يكابر على خوفها من انتساب المجد والنجاح لجنسية أخرى وكأن النجاح الفني تصنعه يد واحدة وكأن الفن له أرض واحدة الفن الذي وجد ليوحّد المشاعر ويكرّس أننا بشر نتألم نحن الشرق آسيويون كما يتألم السكان الاسكندنافيون وكما يتألمون الفراعنة ويفرحون وووو....الغريب في الموضوع أننا نحن الوسط الفني السوري لم يحدث قط أن اعترض أحد على وجود النجمة (صبا مبارك ) وهي القادمة من الأردن ويتمَّ اليوم تصنيفها كواحدة من ألمع النجمات السوريات كذلك الحال مع المخرج التونسي (شوقي الماجري ) بأعماله العديدة والتي تناولت بعضها حقبة مهمة من التاريخ السوري أو (أحمد الزين من لبنان)والذي تناديه أدواره ويصنعها بمهارة الواثق أو (محمد مفتاح من المغرب) والذي يعتبر قامة عظيمة في أهم الأعمال السورية و(فتحي الهداوي من تونس) بحضوره شديد الخصوصية وآخرون كثيرون من كافة الأقطار العربية جاؤوا لسورية وأثبتوا حضورهم الفني فنالوا المكانة التي استحقوها..أدرك وأحترم غيرة النقيب على الممثل المصري ابن البلد الذي تليق به الأولوية في الفرص لكن قراراً مثل هذا القرار لن يمنع فرصة تنادي بفنان عربي ليشكلها بأدواته وحضوره دون الإحساس بعرقلة الجغرافيا ...أرى الآن أننا ننتقل بسذاجة العقلاء من قضية تطفو على السطح لقضية أيضاً تطفو على سطح آخر فمن قضية المنافسة الحادة بين الدراما السورية والدراما المصرية أمس إلى قضية السماح بعمل واحد في السنة لكل فنان عربي وكأن أغنية (وفتحت الباب بسرعة وضربتو ضربة جيدو ) تليق بالقضية الأولى وكأن أغنية (تعا ولاتجي ) تليق بالقضية الثانية أتأمَّل الآن قليلا وأخشى أن أردَّ بأغنية (أنا بالدراما السورية آه يا نيالي !!!) ثم أعود وأستسلم لتلك الهوة المخيفة التي تتسع بيني وبين قبولي لمهزلة تسخيف الأهم وتعظيم المهم وتهويل ما هو أقل أقل أقل أهمية !!.
أمل عرفة
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد