أميركا ــ العراق: العودة من بوابة السد
بروباغندا لافتة صنعتها الولايات المتحدة الأميركية، أخيراً، حول سد الموصل واحتمال انهياره في أي لحظة، وما يخلّفه ذلك من اندثار مدينة الموصل وغرق العاصمة بغداد وسامراء والبصرة، فضلاً عن مصرع وتشرّد الملايين من السكان في هذه المناطق. وصلت هذه البروباغندا إلى حدّ تعمّد السفارة الأميركية بث تسريبات إعلامية عن استعدادها لإخلاء مقرّها وسط بغداد، بسبب قرب الانهيار المرتقب.
واشنطن أصدرت تصريحات وتحذيرات عدة تتعلق بالسد، كان آخرها إعلان وزارة خارجيتها إرسال معدات وخبراء تقنيين لمراقبة استقرار سدّ الموصل، وتقييم سلامته الهيكلية، حيث أشارت إلى أنها تعمل عن قرب مع شركائها العراقيين لمساعدتهم على مراقبة سلامة السد، وإجراء الإصلاحات الضرورية فيه.
وأكدت وزارة الخارجية أن المعلومات المتوافرة لديها تشير إلى أن سدّ الموصل تعرّض لضغوط إضافية، منذ سيطرة تنظيم «داعش» عليه في صيف 2014، لكنها رأت أن من المستحيل، الآن، توقّع ما إذا كان سينهار ومتى.
إلا أن التهويل الأميركي قابلته تطمينات عراقية مستمرة من قبل الحكومة ووزارة الموارد المائية، وحتى من قبل الحكومة المحلية في محافظة نينوى. عضو مجلس محافظة نينوى ورئيس اللجنة الأمنية فيها وكالة هاشم البريفكان قال إن الشركة الإيطالية التي ستعالج أضرار السد ستبدأ أعمالها بين آذار ونيسان المقبلين.
وأوضح البريفكان أن «وفداً من مجلس محافظة نينوى أجرى، أخيراً، زيارة إلى سد الموصل واجتمع بمدير السد»، مشيراً إلى أن المدير أكد أن الأمور مطمئنة وأن «ما تثيره وسائل الإعلام مبالغ فيه ولا أساس له من الصحة».
أما وزير الموارد المائية محسن الشمري (ينتمي إلى التيار الصدري)، فقد وجّه انتقاداً مبطناً للإدارة الأميركية، قائلاً في بيان رسمي بعد ترؤسه اجتماعاً لهيئة الرأي في الوزارة، إن «التهويل الذي تتبناه بعض الجهات حول إمكانية انهيار سد الموصل يهدف إلى تعطيل عمل الدولة العراقية». ولفت إلى أن «سد الموصل بحالة جيدة، وهذا الرأي مأخوذ من خبراء ومستشارين مكلفين بمتابعة الوضع في سد الموصل».
ويعدّ سد الموصل، الذي أنشئ عام 1983، أكبر السدود في العراق ورابع أكبر سد في منطقة الشرق الأوسط. يبعد حوالى 50 كلم شمال مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى شمالي العراق، بطول 3.2 كيلومترات وارتفاع 131 متراً. ويقدّر مخزون المياه فيه بـ12 مليار متر مكعب، كما يبلغ الإيراد المائي لنهر دجلة من السد 18.44 مليار متر مكعب. ويضم السد ثلاث محطات كهرومائية لإنتاج الطاقة الكهربائية، تقدّر طاقتها الإنتاجية بـ800 ميغاواط تغذي 650 ألف منزل بالطاقة. ومن أبرز المشاكل التي يواجهها سدّ الموصل، حالياً، هبوط هيكله بمقدار 8 ملم سنوياً، إضافة إلى وجود تسرب مائي كبير تحته، وتعرّضه لزلزال بقوة 5 ــ 6 درجات على مقياس ريختر، فضلاً عن أعمال إرهابية بعد سيطرة تنظيم «داعش» على المدينة. ويتوقع خبراء اندثار 90% من مدينة الموصل في حال انهيار السد، وغرق أكثر من نصف العاصمة بغداد، وتضرر 30% من البصرة، حيث سيتراوح ارتفاع المياه بين 1 و9 أمتار، بمدة تتراوح بين 3 و72 ساعة لغمر المدن. كذلك تقدر الخسائر البشرية بمليون ومئتي ألف شخص، وتشريد أربعة ملايين وخمسمئة ألف نسمة.
تحدثت معلومات عن «صفقة» يديرها مكتب العبادي لتنفيذ إعادة تأهيل سدّ الموصل
وفيما تحدثت معلومات مسربة من مصادر مطلعة عن وجود «صفقة» يشوبها الفساد، يديرها مكتب رئيس الحكومة حيدر العبادي لتنفيذ مشروع إعادة تأهيل سد الموصل، مشيرة إلى أن التكلفة قد تصل إلى 3.5 مليارات دولار، نفى مكتب العبادي ذلك، موضحاً أن «هناك معلومات تحدثت عن أن إحدى الشركات قدمت عطاءً لإجراء أعمال الصيانة في البوابة السفلى للسد، بما يقارب 15 مليون دولار، لكن الموارد المائية قدمت مقترحاً بـ100 مليون دولار».
المكتب لفت إلى أن «العبادي لن يمضي بمقترحات وزارة الموارد المائية، بما يرتبط بأعمال الصيانة التي تصل إلى ما يقارب 100 مليون دولار للبوابة الواحدة»، مضيفاً أن «العبادي يولي أهمية كبيرة لسد الموصل، تكاد تكون موازية لتلك التي يوليها لطبيعة الحرب الآن التي يقودها ضد داعش».
في هذا الوقت، كشف النائب عن «التحالف الوطني»، محمد الصيهود، عن وجود شركة أميركية تسعى للحصول على عقد بمبلغ مالي كبير لإصلاح الأضرار في سد الموصل. وأشار إلى أن «الإدارة الأميركية تقود هذه الحملة ضد سد الموصل، من أجل أن تفوز هذه الشركة بالعقد»، من دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل عن تلك الشركة، ولكنه اكتفى بالقول إنها «شركة مقرّبة من الحكومة الأميركية».
الصيهود أوضح، أن «أميركا تسعى للعودة إلى العراق من النافذة، عبر استخدام فزاعة سد الموصل»، داعياً الحكومة إلى أن لا تسمح لأيّ جهة أجنبية بالتدخل في قضية السد، وأن تتولى وزارة الموارد المائية الإشراف الكامل على تقييم الوضع هناك.
وكان مجلس الوزراء قد ناقش، خلال جلسته الاعتيادية الأسبوعية التي عقدت أول من أمس، الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة لمعالجة مشكلة سد الموصل، ووضع الخطط اللازمة من قبل اللجان المختصة المشكلة لهذا الغرض. وأكد المجلس «مضيّ الحكومة في إجراءاتها وإيلاء موضوع السد أهمية بالغة لدرء أي خطر محتمل، والاستعانة بالخبرات الدولية في هذا المجال».
في موازة ذلك، ذكر أستاذ الجغرافيا السياسية، زيد الخفاجي، أن التهويل الأميركي بشأن سد الموصل هو جزء من الاستراتيجية الأميركية لتكريس نفوذها في المنطقة الغربية والشمالية الغربية، التي سوف تكون الحدود الفاصلة بين الإقليمين الكردي والسنّي المزعومين.
وأوضح الخفاجي أن «المنطقة الغربية والشمالية الغربية (التي يقع فيها السد) هي منطقة فراغ جيوسياسي»، مضيفاً أن «هناك قوى إقليمية ودولية تسعى إلى تثبيت نفوذها في هذا الإقليم، وبطرق مختلفة، مرة بحجة محاربة داعش، وهذا ما قامت به تركيا من خلال انتشار قواتها في بعشيقة، ومرة بحجة سد الموصل واحتمال انهياره». وأشار في هذا المجال إلى موقع السد الاستراتيجي بحكم قربه من المنطقتين الكرديتين في سوريا والعراق.
محمد شفيق
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد