أوباما و عبثية دعم الارهابيين الجيدين
الجمل- جوزيف فيرناديز*- ترجمة: رندة القاسم:
قبل أيام وافق الكونغرس الأميركي بأكثرية ساحقة على طلب إدارة أوباما المتعلق بالسماح بتدريب و تسليح القوى "المتمرده" المعتدلة في سوريه التي تقاتل حكومة الرئيس بشار الأسد.
و وفقا للإدارة الأميركية فان قوة التمرد، و قوامها خمسة آلاف مقاتل، يجب أن تكون قادرة على محاربة كل من حكومة الأسد و الدولة الإسلامية الارهابيه (داعش). و هذه العملية الرامية الى تعزيز "الارهابيين الجيدين" ستكلف 500 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين.
و وفقا لوسائل الاعلام، يشك بعض خبراء الاستخبارات الأميركية بجدوى هذه الخطه، اذ يرونها اعادة لذات الإستراتيجية الفاشلة التي أطلقتها واشنطن لاسقاط الرئيس الأسد خلال الأعوام الثلاث الماضيه. و الرئيس الأميركي أوباما نفسه ، في مقابلة مع New York Times ، قال بأن الفكرة التي تعتبر تسليح المتمردين أمرا قد يحقق اختلافا "كانت دائما وهم".
لذا ، و مع الأخذ بعين الاعتبار إصرار الإدارة الأميركية على إستراتيجيتها، قد يتساءل أحدهم فيما اذا كانت المجموعات المتمرده المسلحة، التي لم تستطع هزيمة الجيش السوري عندما كانت أوضاع الدولة السورية أسوأ بكثير ، قادرة على قتال كل من الجيش السوري و داعش و الانتصار.... أليس هذا وهم أكبر؟
و في الواقع يبدو أن هؤلاء المتمردون "المعتدلون" غير مستعدين للقتال في الحرب الأميركية ضد داعش، و مؤخرا أعلن رياض الأسعد، قائد الجيش السوري الحر المدعوم من الولايات المتحده، بأن مجموعته لن تنضم الى التحالف ضد داعش الذي شكلته واشنطن و لن تشارك في الهجمات ضد داعش. و ثانيه أوضح أن هدف الجيش السوري الحر ليس قتال المجموعات الارهابيه و انما اسقاط الحكومة و تولي السلطه في سوريه.
و مؤخرا وقعت المجموعات المتمرده، بما فيها الجيش الحر و جبهة سوريه الثوريه، المدعومة من الولايات المتحده، اتفاق عدم اعتداء متبادل مع داعش في ريف دمشق. و كانت جبهة النصرة الوسيط في الاتفاق الذي ينص على احترام كل المجموعات لوقف اطلاق النار الى أن يتم تدمير "النظام النصيري" ، و هي العبارة الازدرائية التي يستخدمها المتطرفون ضد العلويين . و يهدف الاتفاق الى ايقاف الاشتباكات التي اندلعت بين المتمردين و داعش في و حول العاصمه خلال الأيام الأربعة و الخمسين الماضيه.
و ذكرت صحيفة The Daily Star اللبنانية مؤخرا على لسان باسل ادريس،قائد الجيش السوري الحر، بأنه كان يتعامل بشكل منتظم مع داعش لمهاجمة قوات الحكومة السوريه على الحدود اللبنانيه –السوريه، اذ قال :"القتال على خط الحدود في القلمون كان فعليا عملية مشتركه بين الجيش السوري الحر و داعش". و هذا التعاون المشترك واحد من الأسباب الرئيسيه، الى جانب الفساد، الذي أدى الى وصول أعداد كبيرة من الأسلحة الأميركية الى أيدي داعش.
"حركة حزم" مجموعة أخرى اختارتها الادارة الأميركيه من أجل المسانده، و تضم حوالي 7000 مقاتلا و مرتبطه بتركيا و قطر، و قد تلقت فعلياً أسلحة من الولايات المتحده. و حديثا نشرت Los Angeles Times مقالا بقلم صحفي يعمل في سوريه و فيها يسرد حوارا بين مقاتلين من حركة حزم يقران فيه بتعاون المجموعة مع جبهة النصره، اذ يقولا: "النصره لا تقاتلنا و نحن فعليا نقاتل الى جانبها، نحن نحب النصره".
و الأسوأ بالنسبه لحكومة الولايات المتحده قيام حركة حزم بشجب الضربات الجوية ضد ميليشيات داعش من قبل التحالف الذي تقوده أميركا، اذ هاجمت المجموعة علنا الولايات المتحدة لاعتدائها على داعش في الأراضي السوريه حسب وكال فرانس بريس .
و رغم كل هذا الأدلة ، ترفض الإدارة الأميركية الاعتراف بأن كل هذه المجموعات "المعتدلة" تتشارك مع داعش بنفس الايديولوجيه الوهابية المتطرفه و الفكر التكفيري. و هذا يشرح لماذا ينضم يوميا أعضاء كثيرون من الجيش السوري الحر الى داعش . و قد أشارت وسائل الاعلام الغربية الى ازدياد الانشقاقات ضمن المقاتلين و انضمامهم الى داعش، و بالطبع يحمل المنشقون معهم الأسلحة التي زودتهم بها الولايات المتحده من قبل .
المشكلة الأخرى التي تواجهها الإستراتيجيه الأميركيه تكمن في كون أعداد كبيرة من الفصائل المقاتله تقف ضد بعضها البعض (وليس ضد داعش). فمنذ فترة قريبه، دار صدام عنيف بين مجموعات متناحرة في ادلب و حلب، و لهذا على الأرجح سيستخدم السلاح الأميركي من قبل هذه المجموعات للقتال فيما بينها.
و من جهة أخرى لا يمكن للمعارضة السوريه أن تكون شريكا جديا لأي أحد مع وجود الانقسامات العميقة و الضعف الذي سببه الخلاف الداخلي حول الأموال و النفوذ الشخصي. و مؤخرا اهتز الائتلاف الوطني السوري بموجة استقالات احتجاجيه من قبل أعضاء ما يسمى المجلس الحربي الأعلى الذي اعترض على عدم فاعلية الاصلاحات ضمن الائتلاف. و على الأقل أعلن عشرة أعضاء مهمون في الائتلاف الاستقاله، بما فيهم جبهة سوريه الثوريه و فيلق الشام و المجلس العسكري في الرقه. و ما من محلل سياسي جدي يعتقد اليوم بان الائتلاف الوطني بديل حقيقي من أجل قيادة سوريه، و الدعم الذي يلقاه ضمن الشعب السوري تافه.
لذا ، فان القرار بتسليح هؤلاء الارهابيين "الجيدين" يظهر بأن الولايات المتحدة لا تزال عالقة بلعبة تغيير النظام في سوريه. و هو الأمر الذي اعترفت به علنا مندوبة الولايات المتحده لدى الأمم المتحده ،سامانثا بوير، اذ قالت :" سيحصل هؤلاء الجنود (أي المتمردون) أيضا على التدريب في نضالهم ذاته الذي يخوضوه منذ بداية الصراع مع نظام الأسد".
بالطبع الكثير من الخبراء في الولايات المتحدة و دول غربية أخرى مدركون تماما لهذه الحقائق. و في تقرير نشرته مؤسس RAND في أيلول الماضي ورد بأن تقريبا نصف "المتمردين المعتدلين" السوريين متطرفون متعصبون لا يمكن تمييز ايديولوجياتهم عن تلك التي تعتنقها داعش أو جبهة النصره. كما و رفضت الحكومة الألمانيه فكرة تسليم أسلحة ل "المتمردين المعتدلين".
كان أمام الولايات المتحدة خيار أكثر جدية و فاعلية ان كانت فعلا معنية بمحاربة الارهاب في سوريه و العراق و أي مكان آخر، و هو التعاون مع الجيش السوري، القوة الوحيدة الفاعلة القادرة على إيقاف و تدمير داعش و النصرة و منظمات إرهابية أخرى.غير ان الولايات المتحدة رفضت القيام بذلك، لأن واشنطن لا تريد التعاون مع سوريه فهي لم تقبل الخضوع للسيطره الأميركيه ، و هو بالتأكيد الأمر الذي لا يقبله معظم السوريين المعنيين باستقلالهم و المعارضين بشده للمجموعات الارهابيه المدعومة من الولايات المتحده.
و رغم ذلك ، تملك واشنطن خيارا صغيرا، في حال الحملة الجوية طويلة الأمد، ألا و هو التعاون مع أولئك الذي يقاتلون داعش على الأرض، اي الجيش السوري و حزب الله و الأكراد السوريين. و الا فان على واشنطن تفادي مهاجمة المجموعات الارهابيه عندما تقاتل ضد أي من هذه القوى. ربما لا تروق هذه الفكره لأوباما و لكنه قد يكتشف أن ما من خيار آخر أمامه.
*بقلم جوزيف فيرناديز صحفي و أمين سر فيدرالية المسلمين في اسبانيا.
عن موقع Press TV
الجمل
إضافة تعليق جديد