أوروبا عاجزة عن منع طائرات التعذيب الأمريكية

بعد سبعة أشهر من التحقيقات المكثفة حول عدد من العمليات السرية للمخابرات الأمريكية، شملت خطف أفراد وتعذبيهم على متن طائرات حلقت فى أجواء دول أوروبية واستخدمت مطاراتها، أقر الاتحاد الأوروبي الآن عجزه عن منعها فى المستقبل.

فقد أعلنت البرتغال، رئيسة الاتحاد الأوروبي بالتناوب، أن الاتحاد يفتقر إلى السلطة القانونية لمراقبة أنشطة وكالة المخابرات الأمريكية. وصرح وزير خارجيتها، مانويل لوبو أنتونيس، أنه "لم يكن هناك أي تقصير" من جانب الحكومات الأوروبية فى التزامها بتناول النواحي المتعلقة بهذه الرحلات الجوية.

لكنه لم يقر بأن الأدلة التى كشفت عنها التحريات المختلفة حول هذه أنشطة هي أدلة مقنعة، بل وقال "علينا أن لا نخلط بين الوقائع والمزاعم".

وكانت لجنة التحقيق التابعة للبرلمان الأوروبي قد خلصت فى فبراير الماضي، إلى أن وكالة المخابرات الأمريكية أجرت 1،245 رحلة جوية على الأقل فى أجواء دول أوروبية ومطاراتها فى الفترة ما بين 2201 و2005.

واستنادا إلى أنها استخدمت لنقل وتعذيب الأفراد، حث تقرير اللجنة على أن تحصل الرحلات العسكرية أو الشرطية على ترخيص مسبق من حكومات الدول الأوروبية المعنية للتحليق فى أجوائها والهبوط والإقلاع من مطاراتها، مقابل تأكيدات باحترام حقوق الإنسان.

أثارت أقوال وزير خارجية البرتغال، التى أدلى بها أثناء مخاطبته نواب فى البرلمان الأوروبي، ثائرة الناشطين الحقوقيين، الذين ذكروا بأن الرئيس الأمريكي نفسه أقر فى سبتمبر العام الماضي أن عددا من المشبوهين بالإرهاب اعتقلوا وجرى التحقيق معهم، سرا، خارج أراضى الولايات المتحدة، كجزء من المسماة "الحرب على الإرهاب".

وفى يونيو هذا العام، نشر مجلس أوروبا الذي يضم 47 دولة، نتائج تحريات منفصلة بشأن هذه الرحلات. وصرح مدير هذه التحريات، البرلماني السويسري ديك مارتي، أن لديه أدلة تثبت أن وكالة المخابرات الأمريكية أقامت سجون سرية فى بولندا ورومانيا، العضوان بالاتحاد الأوروبي، فى الفترة ما بين 2003 و2005.

أما منظمة العفو الدولية فقد أعلنت على لسان ناتشا كازاتشكين، أن حكومات الاتحاد الأوروبي جماعة "لم تفعل شيئا لمتابعة" تحريات البرلمان الأوروبي ومجلس أوروبا. وقالت ل "آي بى اس" أن هناك "ثغرة هامة" فى مجال تحمل المسئولية، "فالسياسة (الأوروبية) تكمن فى نفى ما حدث بالتزام الصمت والتقليل من أهمية الأدلة".

وبدوره، صرح كلاوديو فافا، النائب الاشتراكي الايطالي فى البرلمان الأوروبي، والذي وضع تقريرا عن تحريات هذا البرلمان، أن التقرير احتوى على 48 توصية "وأريد أن أعرف ما إذا كانت واحدة فقط من هذه التوصيات قد اتبعت (من جانب حكومات الاتحاد الأوروبي)".

طالب تقرير فافا بصرف تعويضات لأولئك الذين وقعوا ضحايا أبرياء لعمليات الخطف التى أجرتها المخابرات الأمريكية فى أوروبا.

وكانت كندا قد أصدرت اعتذارا رسميا لأحد مواطنيها، ماهر آرار، ووافقت على تعويضه بمبلغ تسعة ملايين دولار. وكان آرار قد اتهم زيفا بالتورط فى الإرهاب وخطف على أيدي عميل فى المخابرات الأمريكية فى مطار نيويورك، واحتجز لمدة عشرة أشهر فى زنزانة حيث جرى تعذيبه.

ولم تحذو حكومة أوروبية واحدة مثال الحكومة الكندية.

كما شدد تقرير النائب البرلماني على أن دول الاتحاد الأوروبي كانت على علم بالرحلات الجوية السرية التى أجرتها وكالة المخابرات الأمريكية فى أجوائها وأن الولايات المتحدة احتجزت أسرى لها فى مراكز سرية فى الأراضي الأوروبية.

واتهم النائب الاشتراكي الايطالي كل من النمسا وايطاليا والبرتغال وبولندا وبريطانيا بعدم التعاون مع تحريات البرلمان الأوروبي.

ومن جانبه، قال مفوض شئون العدالة بالمفوضية الأوروبية، فرانكو فراتينى، أنه كتب إلى السلطات البولندية والرومانية فى يوليو الماضي، شارحا أنهما ملتزمتان بإجراء تحريات مفصلة عن قضية الاعتقالات السرية هذه. ولم تجيب أي من البلدين حتى الآن.

لكن النائبة الليبرالية الألمانية فى البرلمان الأوروبي، صوفي انت فيلد، ردت على هذا بقولها أن بولندا ورومانيا لا ينبغي أن يشار إليهما ك "كبش فداء"، واشتكت من أن حكومات الاتحاد الأوروبي "عليها أن تقبل مسئولياتها الجماعية".

أما نائبة البرلمان الأوروبي عن دبلين، برونسياس دى روسا، فقد ذكرت بأن 147 طائرة لحساب وكالة المخابرات الأمريكية قد هبطت فى ايرلندا ومع ذلك لم يجرى البرلمان الايرلندي تحريات بشأنها.

وأخيرا، أعلنت ألمانيا فى أواخر سبتمبر أنها أسقطت طلبها المقدم للولايات المتحدة لتسليمها 13 عميلا فى وكالة المخابرات الأمريكية، مشتبهين فى التورط فى عملية خطف المواطن الألماني خالد المصري فى مقدونيا واعتقاله فى أفغانستان، مما حمل نائبة البرلمان الأوروبي الألمانية، سيا ايفون كوفمان، إلى القول بأن برلين رضخت لإرادة السلطات الأمريكية فى هذه الحالة.

المصدر: آي بي أس