إدارة أوباما في مواجهة فشل استراتيجية "احتواء الخطر الصيني"
الجمل: تناقلت التقارير الإخبارية المعلومات حول التوتر الذي ساد في منطقة بحر الصين الجنوبي من جراء قيام قطع البحرية الصينية باعتراض سفينة أمريكية.
* ماذا وراء التوترات الأمريكية – الصينية:
برغم أن حدوث التوترات على خط بكين – واشنطن ظل أمراً متكرر الحدوث فإن التطور الجديد كان ملفتاً للنظر لأنه جاء مباشرة بعد زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون إلى الصين، هذا، وأشارت معظم التحليلات إلى أن قيام قطع البحرية الصينية باعتراض السفينة الأمريكية يقدم مؤشراً يفيد لجهة مستقبل العلاقات الصينية – الأمريكية. وعلى هذه الخلفية تشير التفسيرات إلى الآتي:
• إن تعمد واشنطن انتهاك المجال البحري الصيني يفيد لجهة نقل إشارة أمريكية واضحة لبكين مفادها أن واشنطن ستمضي قدماً في مسلسل فرض السيطرة البحرية على البحار والممرات البحرية الحيوية شرق وجنوب شرق آسيا.
• إن تعمد بكين اعتراض السفينة الأمريكية يفيد لجهة نقل إشارة صينية واضحة لواشنطن مفادها أن بكين لن تسمح بأي انتهاك أمريكي لسيادتها البرية والبحرية والجوية.
تقول التسريبات والتقارير الأمريكية أن إدارة أوباما ستقدم احتجاجاً رسمياً وتسلمه للملحقية العسكرية الصينية في أمريكا إضافة إلى أن البنتاغون سيقوم بإرسال إحدى المدمرات الأمريكية إلى المنطقة كإجراء تحوطي ردعي ضد الصين.
* الإدراك الصيني للخطر الأمريكي:
تقول المعلومات أن قيام السفينة الأمريكية بانتهاك السيادة البحرية الصينية كان يمكن أن تتجاوزه بكين طالما أن هناك الكثير من الحالات المماثلة المتكررة في منطقة بحر الصين الجنوبي ولكن بسبب تزامن هذا الانتهاك مع ظهور موجة جديدة من الاضطرابات في إقليم التبت الصيني فإن بكين قد نظرت إلى هذا التزامن باعتباره أمراً يستحق الرد والمواجهة الحاسمة وتقول بعض التحليلات بأن بكين قد أدركت هذا التزامن على أساس اعتبارات أنه يتضمن إشارة أمريكية مفادها أن على بكين أن تقدم التنازلات لواشنطن طالما أن الخطر البوذي التبتي يهددها من الناحية الغربية وبأن الوجود العسكري الأمريكي البحري والبري والجوي يهددها من الناحية الشرقية.
الإدراك الصيني كما تول المعلومات والتسريبات جاء بعد أن تفاهمت وزيرة الخارجية الأمريكية مع القيادة الصينية حول جملة من المسائل أبرزها:
• ملفات الأقليات الصينية وتحديداً الاحتجاجات البوذية في مقاطعة التبت والاحتجاجات الإسلامية في مقاطعة سينغ يانغ وقد رفضت بكين تقديم التنازلات للوزيرة الأمريكية.
• ملفات الدعم الصيني للولايات المتحدة الأمريكية في إدارة أزمات منطقة شبه القارة الهندية وتحديداً في أفغانستان وفي مناطق شمال شرق الهند التي تزايدت فيها العمليات العسكرية المسلحة للحركات الشيوعية الماوية التي تدعمها بكين وقد رفضت الصين تديم التنازلات للوزيرة الأمريكية.
• ملف البرنامج النووي الكوري الشمالي لجهة قبول بكين بالمخططات الأمريكية الهادفة إلى اعتراض التجارب الصاروخية الكورية الشمالية وقد رفضت بكين تقديم التنازلات كذلك.
• ملف الأزمة المالية لجهة قيام بكين باستخدام الأرصدة الصينية المودعة في البنوك التي تقارب 2 ترليون دولار (2000 مليار دولار) لدعم الاقتصاد الأمريكية، وقد رفضت الصين ذلك.
• ملف التعاون الأمريكي – الصيني ضد روسا لجهة موافقة الصين على تجميد روابطها مع موسكو وتحديداً في ملفات آسيا الوسطى وملف منظمة تعاون شنغهاي وملف تمديد أنابيب النفط الروسي عبر منغوليا كيرغيزستان إلى الصين ورفضت بكين هذا التعاون.
تأسيساً على ذلك، وبرغم تكتم إدارة أوباما على فشل زيارة الوزيرة كلينتون فإن حادثة التوتر الصيني – الأمريكي في بحر الصين كشفت عملياً عن مؤشرات بالفشل المبكر لدبلوماسية إدارة أوباما إزاء الصين.
* واشنطن وإشكالية "احتواء الخطر الصيني":
تطرقت مراكز الدراسات والبحوث الأمريكية إلى الكيفية التي يتوجب على واشنطن القيام بها لجهة "احتواء الخطر الصيني" وقد أكدت بعض التوجهات على أولوية استخدام الوسائل الدبلوماسية وأخرى أكدت على الوسائل الاقتصادية وثالثة أكدت على الوسائل الأمنية – العسكرية.
برغم تعدد الأطروحات النظرية الأمريكية إزاء إشكالية الخطر الصيني فقد اختارت إدارة بوش الجمهورية الرهان على ملف التطويق الجيو-سياسي للصين، وتأسيساً على ذلك، وبإلقاء نظرة على خارطة القارة الآسيوية نلاحظ الوقائع الميدانية الآتية:
• من الناحية الشرقية: ارتبطت واشنطن بتحالفات عسكرية – أمنية مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان إضافة إلى نشر القيادة العسكرية الباسفيكية بكثافة في المناطق البحرية المواجهة للصين.
• من الناحية الجنوبية الشرقية: ارتبط واشنطن بتحالفات عسكرية – أمنية مع فيتنام والفلبين وإندونيسيا وأستراليا، إضافة إلى سيطرة البحرية الأمريكية على ممر ملقة البحري الذي يحكم حركة الملاحة في المنطقة.
• من الناحية الغربية: تمركزت واشنطن عسكرياً في أفغانستان وباكستان إضافة إلى دخولها في تحالفات نووية – أمنية مع الهند وقيام وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بتنفيذ المزيد من العمليات السرية ضد الصين ومن أبرزها دعم حركة الدالاي لاما الزعيم البوذي لتصعيد حركات التمرد البوذي في مقاطعة التبت، ودعم حركات الإيغور الإسلامية لتصعيد التمرد الإسلامي كما ظلت المنظمات المدنية الأمريكية تدعم حركات الاحتجاج المدني الناشطة في المدن الصينية الكبيرة كشنغهاي والعاصمة بكين.
الهدف من هذه الاستهدافات هو تعريض الأمن الوطني الصيني للإجهاد المبكر الاستباقي بما يضعف القدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الصينية.
حتى الآن لا يوجد مؤشر على نجاح وفعالية استراتيجية "احتواء الخطر الصيني" التي سبق أن أقرها معهد مشروع القرن الأمريكي الجديد التابع لجماعة المحافظين الجدد مع ملاحظة أن نفس هذه الاستراتيجية تبنتها وأكدت عليها مراكز الدراسات التابعة للديمقراطيين.
من المتوقع حدوث المزيد من التوترات على خط بكين – موسكو لأن دبلوماسية واشنطن ستتحرك باتجاه الضغط على شركاء الصين التجاريين في المناطق الأخرى وتحديداً الخليج العربي ودول الاتحاد الأوروبي من أجل تقليل معاملاتهم وصفقاتهم التجارية مع الصين، أما بالنسبة لأمريكا، وحسب سياسة الكيل بمكيالين، فيقول الخبراء أنها سوف لن تقلل من معاملاتها التجارية مع الصين لأن السلع الصينية رخيصة ولأن الاقتصاد الأمريكي يعاني من أزمة وبالتالي فإن على الآخرين مقاطعة الصين تجارياً أما أمريكا فلها الحق في استثناء نفسها من تطبيق الضغوط والعقوبات التي شرعتها هي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد