ارتفاع أسعار «قوالب الجفت» ورواج «مدافئه» في إدلب
أعادت موجة البرد ونقص مادة المازوت التي تشهدها محافظة إدلب خلال الأيام الحالية ازدهار الحياة إلى تجارة الحطب،.
التي كادت أن تندثر في مناطق المحافظة، وعادت مدافىء الحطب التي هي الأخرى أخذت أسعارها تحلق عالياً وعاد معها المنقل ليزين المجالس في العديد من المناطق، ونشط التجار في استجرار كميات إضافية من الأغصان وجذوع الأشجار ومخلفات التقليم من جبال حارم والزاوية والمناطق الأخرى، لمواجهة الطلب المتزايد على الأنواع الجيدة من حطب المحلب والزيتون وغيرها.
الحطب تجارة رائجة
بعد فترة من الكساد ونتيجة عدم توفر مادة المازوت بما يلبي حاجة المواطنين، بدأ باعة الحطب في إدلب يزاولون نشاطاتهم بصورة طبيعية، فقد سجلت مبيعاتهم ارتفاعاً ملحوظاً خلال فترة عيد الأضحى المبارك ولاسيما مع ميل درجات الحرارة للبرودة التي تتميز بها محافظة إدلب خلال فصل الشتاء، فقد شهد السوق انتعاشاً يعوض حالة الركود في بداية الموسم.
وكيفما تجولت في مناطق المحافظة، تطالعك أكوام الحطب المنتشرة على جوانب الطرق وعند زوايا المفارق وفي المزارع، وهذه المادة من الحطب تلقى رواجاً وطلباً متصاعداً لدى الفقراء لاستعمالها في المواقد، ففي إدلب بات من المألوف أن يطلب المتسوقون الحطب إلى جانب احتياجات البيت، حسبما يقول التاجر حسين الأسعد، الذي يذكر أن هناك موسمين لبيع الأخشاب، الأول خلال شهر رمضان حيث يكثر استخدامه في طهي الأكلات الشعبية، والثاني خلال شهور الشتاء.
ويضيف: هناك أسر لاتزال حتى الآن تفضل استخدام الحطب في طهي أنواع معينة من الأطعمة المحلية، لكن يبقى الاستخدام الرئيس للحطب هذه الأيام في «جبل الزاوية» الواقع في منطقة أريحا، وفي منطقة إدلب وحارم وجسر الشغور.
ويقدر المهندس الزراعي إياد الراعي الحاجة الاستهلاكية للأسرة التي تستهلك الحطب في إدلب خلال فصل الشتاء بـ«أكثر من طن»، لافتا إلى أن تلك الكمية ترتفع من سنة إلى أخرى.
وأشار أحمد الحسن إلى أنه استطاع بيع ما يقدر بأكثر من مئة طن من الحطب خلال شهر ونصف، ومعظم بيعه للأسر الفقيرة التي لاتجد من حل لعدم توفر المازوت إلا اللجوء الى استخدام الحطب في التدفئة، وقال:إن الإقبال المرتفع على الحطب لم يعد حكراً على فئة من الناس من دون غيرها، وإن صور ومعاناة السنوات الماضية من جراء فقدان المازوت، واحتكاره راسخة عند الإدلبيين، الذين تحولوا إلى «حملة الغالونات»، ليصطفوا في طوابير طويلة أمام محطات الوقود التي كانت تقنن في كميات المازوت.
يقول المواطن مصطفى العثمان: إن سعر الحطب هذه الأيام يعد «خيالياً» حيث لم يشهد مثل هذا السعر مسبقاً، مؤكداً أنه اضطر لشراء طن الحطب من شجر المحلب ب7 آلاف ليرة، في حين بيع طن الحطب من أشجار الزيتون ب5 آلاف ليرة، معرباً عن أمله في أن تتراجع الأسعار، وطالب بتدخل الجهات الرقابية لتحديد سقف للبيع.
وأبدى أبو سميح الزير دهشته لهذا الارتفاع، ويرى أن سبب ارتفاع أسعار الحطب يرجع إلى قلة المعروض منه، و أن قلة المحروقات جعلت بعض المواطنين يقبلون على شراء الحطب من أصحاب المزارع وحقول الكرز والزيتون، إلا أن بعضهم مازال يفضل الحطب للتدفئة، ولاسيما «المحلب» و«الزيتون». ويتوقع الزير أن تصل الأسعار إلى أرقام قياسية، ولاسيما حطب المحلب الذي ارتفعت نسبة الطلب عليه خلافا لبقية أنواع الحطب الأخرى.
ويجد كثير من المواطنين في إشعال الحطب والتدفئة والطهي بالطرق البدائية استذكاراً لماضٍ انقرض أو كاد، نتيجة تطورات الحياة المتلاحقة، ورغبة في استحضار سيرة الآباء والأجداد أيام كان التنور والمنقل ولهيب النار أدوات مؤنسة لوحشة لياليهم.
الشتاء يكشف المستور
تعددت الطرق عن كيفية تعامل الأهالي مع أعباء فاتورة المحروقات إلا أنها كانت جميعها محاولات للتخفيف من الأعباء فمنهم من توجه لاستخدام مدافىء الغاز حيث إن اسطوانة الغاز وصل سعر تعبئتها في السوق السوداء إلى 350 ليرة وقد تكفي الأسرة لمدة أسبوع مع التقنين في استعمالها مقابل 25 ليرة سعر ليتر المازوت في السوق السوداء هذا إذا توفر, وقام آخرون بالعودة لاستعمال مدافىء الكهرباء التي كان استعمالها في فترة من الفترات يقتصر على الأسر ذات الدخل المرتفع.
ويخطط مستهلكون ممن لديهم تدفئة مركزية لعدم الاعتماد عليها كليا نظراً لارتفاع أسعار تكاليفها إلى معدلات مرتفعة والاستعانة بوسائل أخرى مثل مدافىء الغاز والكهرباء حيث إن تشغيل التدفئة لعدة ساعات يعني مزيداً من الأعباء المالية.
وقال المواطن عبد الرزاق العيسى: إن من ضمن خططه لتوفير التدفئة لأسرته بأقل التكاليف خلال الشتاء الحالي هو الاعتماد على ما يسمى «مدافىء الحطب» التي تعتمد على نواتج تقليم الأشجار لتأمين «الحطب» إضافة إلى استخدام مخلفات عصر الزيتون أو ما يسمى بـ«الجفت».
وشاهدنا في إحدى جولاتها مؤخرا حركة بيع نشطة في أحد محلات بيع مدافىء الغاز، حيث لاحظنا أعداداً كبيرة من المواطنين داخل المحل ينتظرون دورهم في الشراء.
جفت الزيتون شريك الحطب
تشكل مخلفات معاصر الزيتون التي يطلق عليها المزارعون «الجفت» شريكاً في وسائل التدفئة ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار الجفت في العامين الأخيرين، حيث قال عدنان العمر: إن طن الحطب العادي سعره حوالى 3500 ليرة، فيما يرتفع حطب الزيتون ليباع بـ5 آلاف ليرة، ويتراوح سعر حطب المحلب الأكثر كفاءة بين 7000 و7500 ليرة للطن الواحد.
قبل نحو عامين فقط، كان سعر طن الحطب لا يتجاوز الـ3 آلاف في إدلب، كما كان سعر الطن من مخلفات الزيتون لا يتجاوز 3 آلاف ليرة وارتفع ثمنه ليصل إلى أكثر من ستة آلاف ليرة حاليا.
يشار إلى أنه في إدلب حوالي 172 معصرة بين قديمة وحديثة، كلها تنتج الجفت، أما عملية إعادة تصنيعه حطباً فتتم في العديد من معاصر الزيتون الموزعة في مناطق المحافظة والتي يبلغ إنتاجها حوالي 120 طناً من الجفت الأمر الذي حدا بالبعض إلى تصنيعه وتجفيفه وتجهيزه تمهيدا ًلبيعه من خلال مكابس خاصة، فيما بدأت أسواق المحافظة التي باتت تشهد دخول مدفأة جديدة ليست مألوفة للكثيرين تعمل على وقود الجفت وبات الطلب متناميا عليها الأمر الذي جعل أسعارها عرضة للصعود أيضاً.
وقال السيد خالد جراد -صاحب معمل لصناعة مواد التدفئة من الجفت أنه طرأ ارتفاع على أسعار مادة «الجفت»، حيث بلغ سعر الطن الواحد خمسة آلاف ليرة من المعصرة مباشرة، مشيراً إلى أن طن الجفت المصنع هو عبارة عن قطع خشبية طول القطعة الواحدة 30 سم وقطرها 10 سم, وأضاف: إنه يسوق هذه المادة إلى تركيا ولبنان وبعض المحافظات السورية، ومقارنة بالحطب فإن طن الجفت أرخص، فقد بيع طن الحطب بحوالي ستة آلاف ليرة وقد يصل إلى أكثر من ذلك وهذا يعود إلى نوعية الحطب الذي يكون في أغلب الأحيان من نواتج تقليم أشجار الزيتون ولكن الأفضل في مجال التدفئة قطع الجفت المصنعة.
وعن لجوء العديد من المواطنين إلى بدائل التدفئة الأخرى، أكد أن استعمال المستهلكين لبدائل أخرى للتدفئة وتحديدا «جفت» الزيتون من شأنه أن يؤثر جزئياً على مبيعات محطات الوقود والحطب معاً، مشيراً إلى حق المستهلك في البحث عن بدائل تدفئة أقل كلفة في ظل ارتفاع أسعار المحروقات.
التدفئة الكهربائية حاضرة
دفع برد الشتاء القارس في إدلب كثيراً من المواطنين إلى الأساليب الحديثة في التدفئة أيضاً، هرباً من دفع فاتورة الوقود التي دخلت السوق السوداء بعدما أصبح توفير المازوت ضرباً من الخيال، ويقض مضاجع الكثير من الأسر, وعاد كثير من المواطنين إلى استخدام مدافىء الكهرباء والغاز،
وبدأت في إدلب تنتعش هذه الأيام تجارة المدافىء الكهربائية والغاز المنزلية حيث تشهد محال الأدوات الكهربائية طلبا متزايداً على المكيفات والمدافئ الكهربائية والغاز قدره عاملون فيها بنحو 50% مقارنة بالطلب عليها العام الماضي.
ويشير صاحب أحد محلات الأدوات الكهربائية المهندس علي عبود إلى زيادة إقبال المواطنين على شراء المدافئ الكهربائية والغاز بشكل كبير منذ بداية فصل الشتاء وذلك بسبب قدرتها على التوفير وانخفاض أسعارها مقارنة بمدافىء الغاز التي ارتفعت أسعارها هذا الموسم.
وتوقع عبود أن تزداد حدة الإقبال على المدافئ الكهربائية هذا الشتاء ولاسيما في ظل ما تشهده محطات الوقود من ازدحام.
وفي جولة على المنازل في العديد من مناطق إدلب، تبين أن أغلبية العائلات تقتني أكثر من مدفأة كهربائية، إضافة إلى استعمال وسائل تدفئة أخرى، بعدما كان استعمال المدفأة الكهربائية يقتصر على غرف نوم المنازل وداخل المكاتب والمحال التجارية، فإنها باتت اليوم من الأدوات الأساسية في كل منزل.
كما يقدم المواطنون الميسورون على شراء مكيفات الهواء الساخن بعدما تبين لهم أن سعر الكيلو واط الواحد من الكهرباء أقل تكلفة من استعمال وسائل التدفئة الأخرى، وإذا كانت مدافئ الكهرباء والغاز تتناسب مع برد مناطق إدلب، وتتناسب وميزانيات أهلها فإن أهالي مدينة أريحا يعتمدون المازوت دواء لمواجهة البرد القارس والصقيع..
ومع هذا وذاك يتفنن أهل سرمدا وجبل الزاوية وأريحا في التحايل على برد الشتاء، بتقنين ساعات التدفئة الكهربائية حينا بيدهم وحينا آخر من خلال برنامج التقنين الذي تطبقه شركة الكهرباء، أو باستخدام مدفأة الغاز..، وما بين الأسلوبين لا يوفر الجميع التمتع بالأجواء الحميمية التي تنشرها المدافئ مهما اختلفت أنواعها، وإن كان بعضها أكثر إغراء.
الثروة الحراجية في خطر
وفي الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار إلى ما تحويه إدلب من ثروة حراجية شدد المهندس نجيب طباع- مدير الزراعة في المحافظة على ضرورة تكثيف الرقابة على الثروة الحراجية وزيادة الحملات من قبل حراس الحراج بهدف حماية الغابات في مناطق المحافظة مثل حارم وجسر الشغور وأريحا وبعض القرى المحيطة بها التي تمتاز بطبيعة جميلة وتكثر فيها الأشجار المعمرة والباردة.
وبين رئيس مصلحة الحراج في مديرية الزراعة المهندس أمين الحسن أن التعديات على الثروة الحراجية موجودة ولم تصل إلى مستوى الظاهرة فيما يتعلق بقطع الأشجار لغايات التحطيب غير أن التعديات لا تقتصر على ذلك -كما يضيف- بل إنها تشمل الرعي الجائر والحرائق وغيرها.
ويشير رئيس مصلحة الحراج في مديرية الزراعة في إدلب إلى أن الثروة الحراجية والغابات تشكل 13% من مساحة المحافظة البالغة 609710 هكتارات منها 69943 هكتاراً عبارة عن حراج وغابات طبيعية التي تشكل ما نسبته 6.7 % من مساحة المحافظة في حين تشكل الغابات الصناعية (مواقع التحريج الصناعي) 6.3% من مساحة المحافظة.
وأضاف: إن الثروة الحراجية في المحافظة تتعرض لكثير من الحرائق التي تؤدي إلى الفتك بآلاف الأشجار الحراجية بشكل مفتعل من قبل بعض المجهولين والذين يمتهنون حرفة قطع الأشجار للمتاجرة بأحطابها.
وأشار إلى أنّه خلال عشر السنوات الأخيرة بلغ عدد الحرائق في المحافظة /621/ حريقاً مساحتها مجتمعة /3908/ دونمات وقد سيطرت عليها فرق الإطفاء وهذا يدل على أن هناك خطوات جدية وملموسة في السيطرة على حرائق الغابات وإدارتها وحصرها بمساحات أصغر. وقال: إن منطقة جسر الشغور تجاوز عدد حرائقها نصف عدد حرائق المحافظة كون معظم الحراج الطبيعي في المحافظة يتركز في تلك المنطقة وتليها منطقة إدلب التي تتركز حرائقها على الأوتوسترادات.
يذكر أن المديرية تتلقى العديد من الشكاوى حول التعدي على الثروة الحراجية وقطع الأشجار بقصد التجارة والتحطيب ولاسيما في ظل عدم توفر المحروقات واعتماد حوالي 40% من الأسر الادلبية على استخدام الحطب للتدفئة فيما تستخدم النسبة الباقية الوقود وجفت الزيتون للغاية ذاتها.
ويذكر أن المناطق الحراجية في إدلب تتسم بطابع جمالي وسياحي مميز للمحافظة وتوفر للمواطنين مواقع للترويح عن النفس بين أحضان الطبيعة الخلابة لقضاء أوقات العطل الرسمية حيث كان يؤمها سنوياً مئات الآلاف من الزوار ولاسيما إلى منطقة دركوش السياحية وأريحا وغيرها من المناطق الحراجية المنتشرة على مستوى المحافظة،وبما يستوجب القول:لننتبه الى سلامة الحراج.
علام العبد
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد