استباحة المال العام في المؤسسة العامة للسكر
يبدو أن المال العام هو أكثر الأشياء استباحة في ممارسات إدارة المؤسسة العامة للسكر بحمص, وأن هذه الاستباحة ما زالت لا تعني أحداً حتى ولو كانت بمئات ملايين الليرات, وحتى لو كشفت لكل الجهات الرقابية في البلد, وفي تفاصيل ما يحصل في المؤسسة العامة للسكر بحمص ومعمل خميرة حلب التابع لها, فقد قامت المؤسسة بالتعاقد مع الشركة الألمانية (غلات أنجينيور تكنيك) من أجل توسيع قسم الخميرة الطرية في معمل خميرة حلب من 32 إلى 50 طناً خميرة طرية يومياً وذلك بموجب العقد رقم (5) تاريخ 22/1/2002 وبمدة عقدية مقسمة إلى ثلاثة أقسام: 1- مدة توريد الوثائق 2- مدة توريد الآلات 3- مدة التجميع والإقلاع والتجريب, وقد نص العقد على أن أي تأخير في أي مدة يعرض الشركة الألمانية لغرامة مقدارها واحد بالألف من قيمة العقد الإجمالية (التي تبلغ 4643489 يورو) عن كل يوم تأخير وبذلك تكون غرامة كل يوم تأخير 310 آلاف ليرة سورية.
كما تعاقدت المؤسسة مع المتعهد السوري ابراهيم نور الدين ابراهيم لتنفيذ الأعمال المدنية لنفس المشروع بموجب العقد 21/2003 وفق الوثائق التي من المفترض أن تكون قد وردتها الشركة الألمانية, وأعطي أمر المباشرة بالتنفيذ بتاريخ 30/10/2003 ضمن مدة حددتها المادة 7 من العقد ب 532 يوماً من تاريخ أمر المباشرة.
وبتاريخ 28/9/2004 تم سحب الأعمال من المتعهد ابراهيم بموجب قرار المؤسسة رقم 426 بدعوى التأخير في تنفيذ المشروع, وتم جرد الأعمال المتبقية من دون تنفيذ ليتم تنفيذها على حساب المتعهد, وبعقود بالتراضي مع متعهدين محسوبين على مدير المؤسسة (بحسب المتعهد) وبأسعار تساوي 10 أضعاف السعر الذي اتفق عليه مع المتعهد (بحسب الوثائق التي بين أيدينا).
كما تم مصادرة جميع الآلات والعدد التي يملكها المتعهد في موقع العمل, وطالبت المؤسسة المتعهد بمبالغ تزيد عن 30 مليون ليرة (من ضمنها أجور خبراء الشركة الألمانية) علماً أن قيمة عقده لا تتعدى ال 16 مليون ليرة, وقد اتخذت المؤسسة كل هذه الإجراءات, دون دراسة للمدة العقدي (لتعرف إن كان متأخراً فعلاً أم لا) والتي تمت دراستها من قبل لجنة شكلت بعد سنة من تاريخ سحب الأعمال ليتبين لتلك اللجنة بموجب المحضر رقم 1132/ف تاريخ 29/8/2005 أن المتعهد ليس لديه أيام تأخير وأن سحب العمال ليس له ما يبرره, إلا أن المؤسسة أبقت على حجزها على أموال المتعهد, وأقامت دعوى أمام القضاء الإداري تطالب المتعهد فيها بمبالغ لا علاقة لها بغرامات التأخير (لأن التأخير بحسب العقد) مهما بلغت مدته فإن غراماته لا يجب أن تتعدى 10% من قيمة العقد أي يجب أن لا تتعدى مليوناً و600 ألف ليرة سورية.
وفيما يخص الشركة الألمانية (غلات) فقد قامت المؤسسة بتاريخ 21/2/2005 باستلام أعمالها وتمت المصادقة على المحضر من السيد وزير الصناعة, كما تم صرف أموالها دون تغريمها بأي مبلغ عن أي نقص أو عيب في أعمالها, أو أي تأخير بتنفيذ هذه الأعمال, إذ تم تبرير تأخيرها كله دون أية وثائق مؤيدة أو مستندات علماً أن ممثل الشركة الألمانية وبحسب الكتاب المسجل بديوان معمل خميرة حلب برقم 676 تاريخ 22/2/2004 يقر أن آخر دفعة من الوثائق قد وصلت إلى المعمل في 15/2/2004 أي أنها متأخرة مدة تزيد 200 يوم عن موعدها وبالتالي يتوجب عليها غرامات تأخير تزيد عن 60 مليون ليرة تغاضت عنها المؤسسة, بل ونصبت نفسها محامياً عن الشركة الألمانية وراحت تطالب المتعهد بأجور خبرائها (بدعوى أن التأخير من المتعهد), وبالتالي أعطت ذريعة للشركة الألمانية لرفع دعوى على المؤسسة تطالبها فيها بأجور الخبراء (كون المؤسسة اعترفت بهذه المطالبة).
طبعاً هذا إضافة إلى وجود وثائق أخرى تؤكد أن الشركة الألمانية قد تأخرت بتركيب وتجميع الآلات ما يزيد عن 300 يوم, دون وجود أي سند من القانون لتبرير هذا التأخير. بالإضافة إلى إغفال لجنة استلام أعمال الشركة الألمانية وجوب تدريب الكوادر الفنية على الآلات الحديثة وبرامجها إذ إن العقد يوجب على الشركة الألمانية أن تقوم بذلك وهي لم تفعل إذ تبلغ القيمة التقديرية لهذا التدريب حوالي 35 مليون ل.س بحسب الوثائق التي بين أيدينا.
تقدم المتعهد ابراهيم بشكوى إلى فرع حمص للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش بتاريخ 17/10/2004 يبلغ فيها الهيئة عن تواطؤ المؤسسة العامة للسكر مع الشركة الألمانية على حساب المال العام وذلك بإعفائها من غرامات تأخير متوجبة عليها, وبالمقابل سلبها لأمواله من دون وجه حق فكانت نتيجة هذه الشكوى أن أقر المدير العام للمؤسسة بأن الشركة الألمانية تأخيرت بتوريد الوثائق مدة 92 يوماً كانت قد أغفلتها اللجنة قبل عام, وأقر بأنه بعد هذا الاكتشاف قد قام بمصادرة توقيفات الشركة الألمانية الموقوفة أصلاً لضمان حسن تنفيذ العمل, أي أنه لولا شكوى المتعهد لاستمرت المؤسسة بإغفال هذا التأخير والذي هو أساساً أكثر من 92 يوماً بكثير كما بينا سابقاً والذي تزيد غرامته الفعلية عن مئة مليون ليرة سورية.
ولكن حتى هذا الإقرار بالتأخير لا يفيد المؤسسة شيئاً, ولا يعيد شيئاً من المال الذي فرطت به المؤسسة لأنها أقرت سابقاً بعدم وجود تأخير بأعمال الشركة الألمانية بموجب المحضر 1020 تاريخ 21/2/2005 ولأن بلاغ رئاسة مجلس الوزراء رقم 124/ب/2447/15 تاريخ 15/7/1972 بين أنه لا يجوز للجهات العامة (الإدارية والاقتصادية على السواء) إعفاء المتعاقدين معها من غرامات التأخير إلا في حدود النصوص النافذة والصلاحيات الممنوحة وبأن اجتهاد القضاء الإداري قد استقر على أن الإعفاء من غرامات التأخير متى تقرر من مرجعه وفاقاً للأصول لم يعد يجوز الرجوع عنه لذلك من الواجب على المسؤولين في الجهات المشار إليها استعمال هذا الحق في وجهه المشروع وعدم التفريط في الأموال العامة.
لذلك فإن اعتراف المدير العام للمؤسسة بكتابه لوزير الصناعة بأنه أغفل تأخيراً كان قد برره في السابق هو أمر لايجوز الرجوع عنه ولا يمكن استدراكه وإنما هو اعتراف بجريمة تفريط بالمال العام, ولكن الأمور في المؤسسة سارت وكأن شيئاً لم يكن كما أن المؤسسة لم تحاسب أياً من المسؤولني عن هذا الخطأ الفادح, ووزير الصناعة لم يحقق في هذا الأمر مع المؤسسة كونه صادق على عدم التأخير بناء على خطأ إدارتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف لمؤسسة بكوادرها ومديرياتها وما لديها من وثائق ومستندات وبما يصوب عملها من جهات وصائية أن تغفل تأخيراً كهذا, وتعود وتعترف به بعد فوات الأوان, في حين أن متعهداً عادياً يستطيع أن يكشف هذا التأخير, ويجبر المؤسسة على الاعتراف بقسم منه.
أما مدير عام المؤسسة العامة للسكر بحمص المهندس عدنان الجمعة فقد أكد أن لا خلافاً شخصياً بينه وبين المتعهد ابراهيم ابراهيم إلا أن مشروع توسيع معمل الخميرة هو مشروع حيوي للبلد وكان واجباً إنهاؤه بأقصى سرعة ولكن المتعهد لم يكن يملك سيولة كافية لإنجاز المشروع ما جعله يتأخر بإنجازه. الأمر الذي حذا بالمؤسسة لسحب التعهد منه ومطالبته بمستحقات المؤسسة نتيجة إخلاله بالعقد, إضافة إلى أن المادة /29/ من العقد تقول إن حل جميع الخلافات التي تنشأ بين الفريقين هي الطرق الودية وإذا لم يتوصل الفريقان إلى اتفاق ودي لحلها فإن القضاء الإداري هو المختص لحل الخلاف وفق القوانين والأنظمة النافذة وهذا ما فعلناه نحن كمؤسسة إذ أقمنا دعوى أمام القضاء الإداري لحل الخلاف الذي نشأ بيننا, فإن كان صاحب حق فعليه أن يثق بالقضاء الذي ينصفه وينصفنا كمؤسسة.
وأضاف السيد عدنان: لقد جاء إلي المهندس ابراهيم ابراهيم وطلب مني أن أوقع له فواتير وهمية لكي يسحب نقوداً على أساسها من المؤسسة, كأن يأتي بمادة بألف ليرة ويريد أن أوقع له فاتورة بمليون كي يتمكن من إكمال المشروع لأن شريكه قد تخلى عنه وطبعاً أنا رفضت.
> بالنسبة لسحب الأعمال من المتعهد هل يحق لكم كمؤسسة سحب الأعمال دون دراسة للمدة العقدية؟
>> نعم يحق لي سحب الأعمال إذا لم يعجبني التنفيذ وقد وجهنا له عدة إنذارات قبل سحب الأعمال وبموجب العقد الموقع معه يحق لي ما قمت به من سحب للأعمال, لأن احتياطي الدولة من الخميرة الجافة هبط من 400 طن إلى 90 طناً في تلك الفترة فمن يتحمل المسؤولية؟
> ولكن لدى دراسة المدة العقدية تبين أنه غير متأخر للجنة دراسة المدة العقدية, فلماذا لم تعطوه مستحقاته؟
>> إن رئيس اللجنة التي درست المدة العقدية كان متواطئاً مع المتعهد وكان يهرب له وثائق من المؤسسة, وقد كشفنا اللعبة فطردته واستقال, وقد خرج ب 30 مليون ل.س كرشاوى من التجار اشترى بهم مكتباً قرب مكتب المتعهد ابراهيم وسيارة خاصة.
> هل يجوز تبرير تأخير للشركة الألمانية ثم العودة عن هذا التبرير فيما بعد؟
>> إن الذي حصل أن المهندس الذي ذكرته لك قد هرّب أوراقاً من بين الوثائق التي تخص ملف الشركة الألمانية في المؤسسة ومن ثم أعادها مما خلق هذا الإغفال للتأخير, ولكن يحق لنا كمؤسسة أن نستدرك هذا التأخير في محضر الاستلام النهائي.
> كيف تطالبون المتعهد بأجور خبراء (غلات) وتقولون في محاضركم إن (غلات) لا يحق لها أجور خبراء؟
>> حقنا أن لا نستسلم لشركة (غلات) ونقول لهم: أنتم تستحقون أجور خبراء وبالمقابل فمن حقي كدولة أن أطالب الاثنين (غلات, والمتعهد) بهذه الأجور والقضاء هو الذي يحكم فإن حكم للمتعهد نعطه وإن حكم (لغلات) نعطها وإن حكم لنا فسنأخذ رغماً عن الاثنين.
> أين وصلت تحقيقات البعثة التفتيشية التي شكلت منذ أكثر من عام للتحقيق في هذه القضية؟
>> أنا إلى الآن لم أسمع بهذه البعثة ولا أعلم عنها شيئاً.
> هل من كلمة أخيرة حول موضوع المتعهد والشركة الألمانية واتهامكم بالتفريط بالمال العام؟
>> لدي وثائق تثبت أنني وفرت على المؤسسة منذ استلامي إدارتها أكثر من ملياري ليرة سورية فمنذ استلامي عام 1998 كانت خاسرة 112 مليوناً وقد حولتها خلال عام واحد إلى مؤسسة رابحة إذ تحولت عام 1999 إلى مؤسسة رابحة 13 مليون ليرة سورية بفضل حسن إدارتي فكيف أكون مستهيناً بالمال العام؟
> إذا كان رئيس اللجنة التي درست المدة العقدية لعقد المتعهد ابراهيم قد خرج من المؤسسة ب 30 مليون ليرة (بحسب مدير المؤسسة) فكيف أعطي براءة ذمة وسمح له أن يستقيل وهو يعلم أنه سارق؟
> في حال لم تتضارب مصالح المتعهد مع المؤسسة من الذي كان سيكشف التجاوزات التي حصلت وتحصل؟ وهل علينا أن ننتظر تضارب المصالح لكشف المستور؟
> هل من المعقول أن تشكل بعثة تفتيشية منذ أكثر من سنة للتحقيق في قضية كبيرة تتعلق بالتفريط بالمال العام وإلى الآن لا تباشر عملها لدرجة أن المدير المعني لم يسمع بها؟
> هذه الأسئلة وأسئلة كثيرة أخرى نضعها بين أيدي المعنيين علها تجد من يجيب عنها وتوصل إلى الحقيقة.
عبسي سميسم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد