اقتلوا البعوض إلى حين جفاف المستنقع

10-08-2012

اقتلوا البعوض إلى حين جفاف المستنقع

الجمل-قسم الترجمة- ترجمة رندة القاسم: بالنسبة لشعب حلب ، الحل الوحيد يكمن في استعادة قوات الأمن السورية للنظام. و في أزقة أكبر مدن سوريه يشن ما يسمى "الجيش السوري الحر"  حملة منظمة من الاعتقالات و التعذيب و القتل الجماعي ضد "أعداء الثورة" و يسبغون عليهم صفات الشياطين و ينعتوهم ب "الشبيحة" أو "مؤيدي النظام"، و يقاد الرجال و يصفون قبالة الحائط ثم تطلق النيران عليهم . و يبقى البعض الآخر في انتظار محاكمات ميدانية بربرية حيث يصدر فيها قادة الجيش الحر أحكاما استبدادية تحت قناع "أحكام الشريعة".
و أسوأ ما في الأمر، إن كل هذا يتم الحديث عنه في وسائل الإعلام الغربية و لكن تقلل من أهميته، و يمنح الأعذار و يتم الالتفاف حوله من خلال سرد الأخبار و العناوين.
نشرت رويتر تقريرا تحت عنوان "المتمردون يملؤون فراغ السلطة في حلب، البعض يستنكر" ، و من العنوان قد يفترض المرء أن السكان في الأزقة  "المحررة" من مناطق مختارة في حلب غير راضيين ببساطة عن تأخر جمع القمامة أو ربما عن تحطم مصابيح الشوارع. فالعنوان بعيد جدا عن الهستيرية الدموية المروعة المرافقة للروايات الغربية (و التلفيقات) عن عمليات الأمن السوري خلال العام و النصف المنصرمين.
و لكن ما تتحدث عنه رويتر في الواقع  هو أقبية ممتلئة  ب"شبيحة مشتبه بهم" ، و أدلة واضحة على التعذيب و الإيذاء و أعداد كبيرة من الإعدامات السريعة و القتل الجماعي  في الشوارع أمام كاميرات وسائل الإعلام الغربية.
و كذلك قامت صحيفة الغارديان البريطانية بالتقليل من أهمية فظاعات علنية قذرة ارتكبت أمام الكاميرا ليراها العالم كله. روسيا اليوم قامت بتغطية واحدة من تلك المجازر و عرضت فيديو يظهر عدة رجال ملطخين بالدماء مصطفين قبالة حائط تم رشهم بالرصاص حتى الموت، ثم كدست جثثهم من قبل إرهابيي الجيش السوري الحر، و لا تدع روسيا اليوم في ذهن متابعها أدنى شك بأن ما شاهده كان جريمة حرب.
و لكن الغارديان بدأت بالتقليل من شأن المجزرة الفظيعة من خلال عنوان: (الأزمة السورية: متمردون يعدمون شبيحة في حلب). و مسبقا لعبت الصحيفة دورا في صياغة رأي القارئ، متهمة ضحايا المذبحة بأنهم "شبيحة". و بمتابعة القراءة عبر قائمة من الاتهامات غير الموثقة ضد الحكومة السورية، سيكتشف القارئ أنه ليس أمام تقرير صحفي موضوعي عن المذبحة ، و لكن تبرير من قبل الجيش الحر نفسه، و في اقتباس عن أحد أفراده نقرأ:( بالنسبة لفيديو مقتل الشبيحة من قبل الجيش الحر، كما أعلم فان هؤلاء الشبيحة هم من عشيرة بري في حلب. و لهم تاريخ طويل في كونهم شبيحة مؤيدين للحكومة و متورطين في الكثير من القتل في حلب. في هذه الحرب التي نقاتل فيها لوحدنا مع نظام فاسد، كل شيء ممكن و شرعي طالما أن المجتمع الدولي يكتفي بالنظر إلى سورية بلا مبالاة، سترون المزيد و الأسوأ)....
لم تقم الغارديان بتبرير مجزرة بحق مدنيين فحسب، بل أسست أيضا  لأرضية تبرر جرائم حرب تفوق ما رأيناه من بربرية.و للأسف، الغارديان ليست وحدها من قام بهذا ، فهذا النموذج تكرر عبر وسائل الإعلام الغربية مشيرا إلى أنه مع تضاءل احتمال الحملة العسكرية، بدأت الحملة الإرهابية.
ادعى الجيش السوري الحر أن كل من اعتقل و عذب و اعدم كان من "الشبيحة" و بذلك يعيدون النغمة المألوفة و المرعبة  لكلمة " مرتزقة أفارقة" التي استخدمت لوصف الليبيين السود الذين استهدفهم المتطرفون الطائفيون العنصريون المسلحون من قبل الناتو و الذين  قدموا أنفسهم أيضا على أنهم "ثوار". و في النهاية، أفرغت مدن بأكملها من السود الذين كانت ليبيا وطنهم لأجيال. و استهدفت معسكرات اللاجئين بشكل نظامي إلى أن لاقى الليبيون السود مصير الموت أو السجن أو النفي خارج حدود وطنهم كجزء من حملة إبادة وحشية أخفتها وسائل الإعلام الغربية و قلل من شأنها منظمات حقوق إنسان تابعة للغرب مثل منظمة العفو الدولية و مراقبة حقوق الإنسان.
و لا يزال الغرب حتى اليوم يدعي بأن الليبيين السود كانوا (مؤيدي القذافي)، و لم يعد أمام سود ليبيا خيار سوى القتال ضد إرهابيي الناتو في بنغازي، وكان لون بشرتهم و معتقداهم، لا انتماءاتهم السياسية، السبب في أنهم غير محتملين و لا مرغوب بهم من قبل "محرري" الناتو.
و بشكل مشابه، منذ سنوات كان من المتوقع حدوث إبادة جماعية بدافع طائفي من قبل الولايات المتحدة و إسرائيل و السعودية و دول أخرى تطلق فرق الموت التابعة للقاعدة في الشرق لزعزعة أعدائهم الجيوسياسيين وها هي الآن تتكشف و تتورط فيها وسائل الإعلام الغربية.
عام 2007 ورد في مقالة سيمور هيرش "اعادة التوجيه" الإنذار التالي بالإبادة الجماعية التي يرتكبها الآن الناتو و الجيش السوري الحر:
( روبيرت بير، عمل سابقا لزمن طويل لصالح ال CIA  في لبنان، و كان ناقدا حادا لحزب الله و يحذر من ارتباطه بالإرهاب المدعوم من إيران. غير أنه قال لي مؤخرا:" هناك عرب سنة مجهزون لصراع مفاجئ، و نحتاج لمن يحمي المسيحيين في لبنان. كانت فرنسا و الولايات المتحدة من يقوم بذلك، و الآن سيكون حسن نصر الله و الشيعة)...
و الآن و بشكل واضح تجلت هذه المخاوف في سوريه، و خاصة ضد المسيحيين كما ذكرت لوس أنجلوس تايمز :( الكنيسة تخشى تطهيرا عرقيا للمسيحيين في حمص ، سوريه)
و مع اعتراف الغرب صراحة بأن "مقاتليه لأجل الحرية" ،الجيش السوري الحر، قد صفوا مؤيدي الحكومة المشتبه بهم و أطلقوا عليهم النيران، يبدو بأن المذبحة التي حذر الغرب من وقوعها في حلب قد حدثت، و لكن لم ترتكبها الحكومة السورية أو قواتها الأمنية، بل إرهابيو الجيش الحر التابعون للناتو و دول الخليج و المسلحون و المدللون من قبلهم.
و مع انقلاب مكائد الغرب ضدهم و بدء مساهمي الأسهم بتقليص المراهنات و النأي بأنفسهم عن احتمال تلقي اللوم على الجرائم الفظيعة ضد الإنسانية ، علينا أن نأمل بأن تصل المعارضة العالمية إلى حشد كبير، و تجبر الغرب على الابتعاد و السماح للحكومة السورية باستعادة النظام عبر دولتها. و حتى يحين ذلك، علينا كأفراد أن نحدد و نقاطع  الشركات المالية المساهمة التي تقود هذه المؤامرة الماكرة ضد الإنسانية. و بينما يبدو ضرب البعوض العلاج المباشر المتوفر حاليا، فان تجفيف المستنقع الذي تنمو فيه هو الطريقة الوحيدة لحل المشكلة بشكل دائم.


*بقلم توني كارتالوتشي  باحث جيوسياسي و كاتب مقره في تايلاند-
عن موقع Land Destroyer Report
الجمل: قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...