الأوربيون يلوحون بتوسيع العقوبات ودمشـق تمهّـد لحـوار وطنـي

11-05-2011

الأوربيون يلوحون بتوسيع العقوبات ودمشـق تمهّـد لحـوار وطنـي

بدأ المشهد السوري يستعيد زخمه السياسي، في الوقت الذي انبسطت السيطرة الأمنية على معظم مناطق التوتر، ولا سيما في حمص وبانياس وبعض مناطق ريف دمشق، وظهرت مؤشرات على إمكانية تحويل مسار هذه الأزمة من توصيفها الأمني، كما حصل في الأسبوع الماضي، إلى توصيف آخر سياسي، بعد إحساس الدولة باستعادة «هيبتها والقدرة على المبادرة» والاطمئنان إلى استقرار نسبي للشارع. سوريون يشيّعون في طرطوس أمس الأول العقيد أكرم معروف (أ ف ب)
ولعل أبرز ملامح هذا الزخم يتمثل في تأكيد الرئيس بشار الأسد المسؤولية المشتركة بين الحاكم والشعب في تحقيق الإصلاحات المطلوبة، وإشارته خلال لقائه وفداً من فعاليات ريف دمشق إلى أنه أيضاً ينادي «بالإصلاح أكثر منكم»، مشيراً إلى أهمية الفصل بين القضايا التي يمكن «تطبيق الإسعاف السريع فيها» والقضايا التي تحتاج الى معالجة «صبورة وتأنٍ».
وفيما سرت عقوبات الاتحاد الأوروبي رسمياً ضد 13 شخصية سورية،   قال رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان، في مقابلة مع القناة التركية السابعة، «كل الأحداث التي حصلت في مصر واليمن والبحرين والجزائر هي مثار اهتمام السياسة الخارجية التركية. أما بالنسبة إلى سوريا، فهي مسألة تتصل بسياستنا الداخلية أكثر من سياستنا الخارجية. فهناك لنا علاقات قرابة».
وأضاف «علاقتنا مع الأسد هي في نقطة مختلفة جداً. فمنذ أن وصلنا إلى السلطة اقترحنا عليه إلغاء حالة الطوارئ والبدء بعملية ديموقراطية. وهو قال إنه سيقوم بإلغاء حالة الطوارئ. وقد أرسل (الأسد) فريقاً لمتابعة أعمال حزبنا (العدالة والتنمية). وقد نقلت إليه مؤخراً أفكاري الخاصة وأرسلت إليه ممثلاً شخصياً، وأرسلنا إليه فريقاً ليشرح له أفكارنا ».
وفي حديثه مع وفد ريف دمشق عن الاصلاح، ركز الأسد على أن قواعد هذا الإصلاح تتمثل في تأمين «معيشة كريمة وكرامة محفوظة» لكل مواطن. كما وضع الحريات في إطار شرحه لخطوات الإصلاح، وبينها تأكيده على قرب صدور قانون عصري للإعلام، وقانون جديد للإدارة المحلية يخفف سيطرة السلطة المركزية.
كلام الأسد جاء منسجماً مع ما أكدته المستشارة الرئاسية بثينة شعبان لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في مقابلة نشرت أمس، برز فيه قولها إن الأسد كلفها بلقاء ناشطين معارضين أمثال الكاتبين ميشال كيلو ولؤي حسين والباحث الاقتصادي عارف دليلة والكاتب سليم خير بك. وهو توجه تشير مصادر متعددة إلى أنه يجري على أكثر من مستوى، وأنه يرغب في وضع أرضية «لإمكانية حوار مشترك بين مكونات المشهد السوري» حين تتوفر «البيئة المناسبة، التي تتجاوز الحل الأمني».
وقد يكون من بين مؤشراته إطلاق السلطات السورية سراح عدد من المعتقلين البارزين أمس، ومنهم الأمين العام لحزب التجمع الديموقراطي حسن عبد العظيم والكاتبان حازم نهار وفايز سارة والقيادي في حزب الشعب الديموقراطي جورج صبرا والمعارض كمال شيخو.
ميدانياً، ساد الهدوء الحذر كلاً من حمص وبانياس ومنطقتي المعضمية وداريا. وأعادت الحكومة وصل الخطوط الهاتفية في ضاحيتي ريف دمشق بعد أن طلب أعضاء الوفد ذلك من الأسد. إلا أن التوتر بقي سائداً في منطقة تلكلخ المحاذية للحدود اللبنانية، حيث تدور اشتباكات مع مهربين من أهالي المنطقة منذ أيام بسبب تشديد الجانبين السوري واللبناني رقابتهما عليها لمنع تهريب السلاح.
وكان الأسد اجتمع أمس للمرة الثانية بوفد من فعاليات ريف دمشق ضم حوالى 22 شخصاً، طرحوا خلال اجتماعهم، الذي استمر لمدة ثلاث ساعات، قضايا خدماتية تتعلق بمناطقهم.
وأوضح علي غنام أن الأسد تحدث عن قرب صدور عدد من القوانين والمراسيم تتعلق بأسعار المازوت والإعلام والتظاهر، كما وعد بحل سريع لقضية المعتقلين ممن تم اعتقالهم مؤخراً على خلفية الأحداث الأخيرة.
من جهته، أعلن عمر رشيد أن الرئيس السوري عبر عن قناعته بقرب تجاوز هذه المحنة. وقال إن الأسد أبدى تفهمه «لمطالب الناس في الإصلاح» مكرراً «أنا أنادي بالإصلاح أكثر منكم، ولكن هناك قضايا تحتاج لإسعاف سريع وهناك قضايا تحتاج لصبر وتأن في المعالجة».
ونقل رشيد تشديد الأسد على ضرورة التعاون بين أطياف المجتمع من أجل «تعزيز الوحدة الوطنية التي نتميز بها»، مبدياً رأيه بضرورة تثبيت القناعة بالمسؤولية المشتركة بين الحاكم والشعب في تحقيق الإصلاح العام.
وقال رشيد إن الأسد يرى بأن جوهر الإصلاح يتمثل في «معيشة كريمة وكرامة مؤمنة لكل مواطن»، وهو ما شكل عنصراً أساسياً من النقاش الذي شرح رشيد أنه تعرض لقضايا اقتصادية ومعيشية وخدماتية، إضافة إلى ضرورة «محاربة الفساد والترهل في الدولة والروتين القاتل».
ونقل رشيد أن الأسد استهل اللقاء بالقول إنه أراد الاجتماع بالوفد «ليستمع منا بشكل مباشر عما يجري، مبدياً رغبته الإجابة عن كل تساؤل يتعلق بكل بلدة أو قرية يمثلونها». وركز الأسد على أن «الشأن الداخلي أهم من الخارجي». وأعلن رشيد أنه بعد خروجهم بعشر دقائق دخل وفد آخر من وجهاء ريف دمشق للقاء الرئيس السوري، وهو الثالث خلال يومين.
من جهتها، اعتبرت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» أن الأخطر في الأحداث التي عصفت بسوريا منذ حوالى الشهرين قد مر «وأصبح وراءنا». وقالت «آمل أننا نعيش المرحلة النهائية من هذه القصة». ورأت أنه «لا يمكن أن نكون متسامحين مع أناس يقومون بتمرد مسلح»، معبرة بذلك عن رفضها للمحتجين بوصفهم كما ذكرت «مزيجاً من الأصوليين والمتطرفين والمهربين والمدانين السابقين والذين يتم استغلالهم لإثارة اضطرابات».
وأوضحت «نريد أن نعتبر ما حدث في سوريا بمثابة فرصة. إنها فرصة يجب أن ننتهزها للتقدم في مجالات عديدة، وخصوصا في المجال السياسي».
كما نقلت الصحيفة عن شعبان قولها إن الأسد طلب منها إجراء محادثات مع بعض الناشطين، وقد التقت الأسبوع الماضي مع شخصيات معارضة مخضرمة، ووعدتهم بصحافة حرة وأحزاب سياسية وقانون للانتخابات، مشيرة إلى أنها التقت بكل من الكاتب المعارض ميشال كيلو والباحث الاقتصادي عارف دليلة والكاتب لؤي حسين والمعارض سليم خير بك.
ونقلت وكالة  (سانا) عن مصدر عسكري قوله «تواصل وحدات الجيش والقوى الأمنية ملاحقة فلول الجماعات الإرهابية المسلحة في ريف حمص، حيث تمكنت اليوم (أمس) من إلقاء القبض على العشرات من المطلوبين ومصادرة كمية من الأسلحة والذخائر وعدد من السيارات المتنوعة و150 دراجة نارية كانت تستخدمها المجموعات الإرهابية للاعتداء على المواطنين وترويعهم وقتلهم». وأضاف أن «حصيلة المواجهة مع المجموعات الإرهابية المسلحة كانت جرح أحد عناصر الجيش وسقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف هذه المجموعات الإرهابية المسلحة».
من جهتها، ذكرت وزارة الداخلية، في بيان، أن عدد الذي سلموا أنفسهم «من المتورطين ارتفع ليصل حتى تاريخه إلى 2684 شخصاً في مختلف المحافظات تم الإفراج عنهم فوراً، بعد تعهدهم بعدم تكرار أي عمل يسيء إلى أمن الوطن والمواطن».
وفي سياق آخر، تظاهرت العشرات من نساء الحزب الشيوعي السوري أمام مقر بعثة المفوضية الأوروبية، بالإضافة إلى تظاهر المئات من المواطنين أمام السفارة الفرنسية في دمشق، احتجاجاً على مواقف الاتحاد الأوروبي وفرنسا تجاه الأحداث التي شهدتها بعض المناطق في سوريا.
وعرض التلفزيون السوري لقطات من مدينة درعا، بينت أجواء طبيعية في المدينة التي تشهد حركة أسواق اعتيادية. كما أجرى لقاءات متفرقة مع مواطنين من أهلها رحبوا جميعاً بدخول الجيش «وإعادة الأمان والهدوء للمدينة».
يأتي ذلك ، فيما سرت عقوبات الاتحاد الأوروبي رسمياً ضد 13 شخصية سورية،  ودخل أيضاً حيز التنفيذ فرض حظر على الأسلحة.
واعتبر وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيله أن «هذه العقوبات إشارة واضحة من أوروبا إلى القادة السوريين لكي يوقفوا فوراً الهجمات العنيفة على المتظاهرين والسجن التعسفي للمعارضين». وأضاف «إن العقوبات التي قررها الاتحاد الأوروبي هي خطوة أولى. إذا واصلت دمشق القمع، فسنزيد الضغط وسنشدد العقوبات».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو إن باريس ستضغط لتوسيع العقوبات الأوروبية ، مضيفا أن أعضاء الاتحاد الأوروبي يخاطرون بأن يصبحوا «شهوداً سلبيين لا حول لهم» على الأحداث.
وفي نيويورك، أطلقت دول غربية محاولة جديدة لحمل مجلس الأمن الدولي على إدانة سوريا. وأوضح دبلوماسيون ان بريطانيا أثارت، خلال اجتماع لمجلس الأمن حول حماية المدنيين في الصراعات المسلحة، رفض سوريا السماح لبعثة تقييم إنسانية بالدخول إلى درعا.
وقال دبلوماسي في مجلس الأمن إن بريطانيا تسعى الآن للتحرك «سريعاً» لاستصدار قرار أو بيان في المجلس حول سوريا هذا الأسبوع، لكن الجهود لممارسة ضغط على سوريا تواجه بمعارضة من روسيا والصين ودول أخرى تعتبر أن التحالف الفرنسي ـ البريطاني ـ الأميركي الذي يشن غارات جوية في ليبيا تجاوز تفويض الأمم المتحدة.
واعتبر المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر أن «قمع الحكومة السورية في مدن مثل درعا وبانياس لا يؤدي إلا إلى أعمال عنف جديدة وتعزيز التصميم ومطالب الشعب السوري». وأضاف إن «الإعلانات الخاطئة عن الإصلاح مثل رفع حالة الطوارئ مصحوبة بتوقيف تعسفي لأكبر عدد ممكن من الأشخاص لا تشكل كذلك رداً على مشاكل سوريا».

زياد حيدر

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...