الإعلام السوري والشاشات "الحليفة": عتب ومنافسة
تراجع ترتيب الخبر السوري في نشرات "الميادين"، الرئيسية منها والموجزة. حُصرت التغطية السورية على القناة، بتقارير من مطبخ الأخبار في بئر حسن، واستمرّ عرض الأخبار العاجلة على الوتيرة المعتادة نفسها، فيما غاب برنامج "حديث دمشق" عن موعده السبت. يأتي ذلك بعد ما تردّد عن منع النقل المباشر من سوريا، على شاشات القنوات اللبنانيّة. تنفي وزارة الإعلام السوريّة "اتخاذ قرار بالمنع"، معتبرة أنّ الأمر يتعلّق باستحداث "طلب تصريح"، من أجل "وقف الفوضى القائمة، وتحقيق المساواة" بين القنوات الإخباريَّة.
قرار المنع غير المعلن، واجه انتقادات عدّة. انتقادات يضعها رئيس دائرة الأخبار في التلفزيون السوري حبيب سلمان، في إطار "التنظير والمحاضرات". يقول: "أراد السوريون وضع حد لفوضى التغطية الإعلامية لعمليات الجيش والقوات المسلحة، والانتقادات تصدر عمّن تضرّر من التنظيم الذي يضع الجميع على مسافة واحدة، وفي ساحة عادلة". يأتي كلام سلمان، بعد "تحقيق" قامت به الإدارة الإعلاميّة التي تتحكّم بقرارات المنع تقليدياً في سوريا، وأدّى إلى اتخاذ قرار غير معلن بحظر البثّ المباشر على القنوات غير المحليّة. وتمّ إجراء ذلك التحقيق، نتيجة ما حدث قبل أسبوعين، حين انفردت القنوات اللبنانيّة بتغطية مباشرة للحظات اقتحام الجنود للقلعة ("المنار")، ورفع العلم على برجها الجنوبي ("الميادين")، ومن بعده تحليق الطائرات الاحتفالي ("الجديد")، فيما "أعيق التلفزيون السوري عن ذلك"، بحسب أحد الإعلاميين الحكوميين.
انعكس ذلك خيبة كبيرة في صفوف الصحافيين المحليين، وراكم من وطأة شكاوى سابقة، كان مراسلو التلفزيون الرسمي السوري يجاهرون بها باستمرار. تتلخّص تلك الشكاوى، وفق ما يقول أحد مراسلي التلفزيون السوري لـ"السفير"، "بالمعاملة الفضلى التي تتلقاها قناتا "الميادين" و"المنار" خاصة، لأسباب عديدة، من بينها التنسيق المرن والمباشر مع الإعلام الحربي لـ"حزب الله" في الميدان، وغياب التفوق اللوجستي لدى القنوات المحليَّة، إضافةً إلى تفضيل بعض القيادات المحليّة للإعلام الخارجي، باعتباره أكثر انتشاراً، رغم عدد الشهداء الكبير الذي قدمه الإعلام الرسمي من صحافيين ومصورين، ورغم تشتت إمكانياته على جبهات القتال الكثيرة". برز ذلك جلياً في معارك القلمون، كما في معارك القصير. يقول المراسل: "التلفزيون السوري الذي دخل فعلياً مع الجيش إلى يبرود، لم يمنح أحقية البثّ الأول، حتى مجيء القنوات اللبنانية".
خلال الأيّام الماضية، تناسب أداء التلفزيون السوري مع المحاولة الحكوميّة السوريّة، في "إثبات أحقيّة قرار المنع"، من خلال تغطية يومية وسريعة للحدث في ريف اللاذقية وحمص، وفي ريف دمشق. فيما تباينت ردود فعل التلفزيونات اللبنانية. "احتجّت" قناة "الميادين" ضمنياً من خلال تقليص مساحة تغطيتها السوريّة. وطلب من الموظفين حصر التعاطي في قضيّة حظر البث المباشر من سوريا، بالإدارة العامة، وإبقاء أي تعليمات متخذة في هذا الشأن، سريّة. من جهتها، اتسم أداء "المنار" بالحذر، تفادياً لأن يتمّ استغلال القضيّة سياسياً.
هذه الأزمة الإعلامية المستجدة، ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة. ما جرى تكرّر مراراً في تاريخ علاقة الدولة السورية بالإعلام. على سبيل المثال، وخلال التقارب السوري القطري، سبق "الجزيرة" أن ألقت بالخبر السوري إلى صدر النشرة، أو حجبته نهائياً، تفادياً للحرج أو من باب النكاية. وفعلت "العربية" الأمر ذاته، في أوقات الخصومة، كما في أوقات "المهادنة المؤقتة". لكن يغيب عن النقاش الحالي، الالتفات إلى أنّ قنوات مثل "الميادين" و"المنار"، ليست قنوات حليفة للحكومة السورية فحسب، بل تشكل عامل "إسناد معنوي وإعلاميّ"، لعنصر إقليمي فاعل ميدانياً في الحرب الدائرة. ذلك ما يفسّر التسهيلات التي حظيت بها القناتان في السابق، ووصول عربات البثّ الخاصّة بها إلى قلعة الحصن، عبر الحدود اللبنانيّة، قبل حصول القنوات السورية على إذنها بالنقل.
المشهد الإعلامي في سوريا، معقد كما الأزمة المحيطة به. ووفقاً لما يستخلصه أحد الإعلاميين البارزين العاملين في سوريا فإنّ "القنوات المعنية بالقرار هي طرف في المعركة، لذلك فإن عودتها ستكون قريبة. إلا أنّ إعلاء الصرخة حول الخلل القائم ربما يصلحه لدى الطرفين"، لافتاً إلى أنّ الأزمة "تُبحث الآن بين القيادات العليا للجانبين".
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد