الاحتلال يرخّص بناء 380 وحدة استيطانية في القدس وشهيد في خرق هدنة غزة
شددت الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة أمس، السؤال حول ما إذا كان هذا القطاع المحاصر مقبل على انفجار أم إعمار. وزاد الوضع تعقيداً إقدام السلطات الإسرائيلية على إقرار بناء 380 وحدة استيطانية في القدس الشرقية المحتلة، لتأكيد أن السخونة ليست حكراً على حدود القطاع وإنما تتخطاه إلى كل مواقع الاحتكاك الإسرائيلية الفلسطينية داخل الوطن وفي المؤسسات الدولية.
وكانت إسرائيل قد أعلنت أن جيشها بادر إلى قصف مواقع عدة فلسطينية في قطاع غزة بنيران الدبابات والطائرات بعد تعرّض أحد جنودها لعملية قنص في شرق خانيونس، ما أدى إلى إصابته بجروح خطيرة.
وخلافاً لحوادث سابقة كانت إسرائيل تقول إنها قد تكون من فعل جهات فلسطينية «غير منضبطة»، وجهت هذه المرة أصابع الاتهام مباشرة إلى حركة «حماس»، معتبرة أن أحد قناصيها هو مَن بادر إلى إطلاق النار. وقاد أدى تبادل النيران على حدود قطاع غزة إلى استشهاد أحد ناشطي «حماس»، الذي ادعت إسرائيل أنه قائد «وحدة الرصد» في «كتائب القسام»، الذراع العسكري لـ«حماس».
وادعت إسرائيل أن عملية القنص من القطاع تمّت ضد أحد أفراد قوة «الدورية البدوية» أثناء قيامها بمهمة حراسة أعمال إنشاء وصيانة للسياج الحدودي الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة. وأثناء تبادل النيران طلب الجيش من المستوطنين المقيمين في غلاف غزة عدم العمل في الحقول القريبة من الحدود.
وكانت طائرات إسرائيلية قد أغارت الأسبوع الماضي، على مواقع لـ «حماس» في غرب خانيونس، إثر سقوط صاروخ على مجلس أشكول الإقليمي. وهذه هي المرة الثانية خلال شهر تطلق فيها نيران قناصة من القطاع باتجاه دورية إسرائيلية على الحدود.
وتشكل عمليات القنص أو إطلاق الصواريخ من قطاع غزة بالنسبة إلى الإسرائيليين، ولو على أضيق نطاق، نوعاً من غياب الردع الذي يحاول الجيش الإسرائيلي ادعاء تحقيقه إثر حرب الخمسين يوماً الدموية التي شنها على القطاع في تموز وآب الماضيين. وتعتبر أحداث أمس، الأخطر من نوعها منذ انتهاء تلك الحرب. ولهذا السبب، ونظراً إلى قرب دخول إسرائيل المعركة الانتخابية، فإن لهذه العمليات وتطوّرها أثراً على موقف الناخب وتقييمه لأداء حكومته وجيشه. ولهذا السبب أيضاً، بادر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان الجنرال بني غانتس، إلى إطلاق التهديدات.
وأعلن نتنياهو، تعليقاً على أحداث القطاع، أن «سياستنا واضحة: الردّ بشدة وحزم على أي محاولة للإخلال بالهدوء في الجنوب. وسوف نردّ بشدة في كل مرة تقع فيها محاولة لانتهاك الهدوء الذي تحقق في الجنوب بعد عملية الجرف الصامد».
وقد حذّر وزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينتس من أن «إسرائيل قد تشن حملة عسكرية واسعة في قطاع غزة، لدك البنية العسكرية، والمؤسسية لحماس، إذا ما استمرّت الحركة في ضعضعة الأوضاع الأمنية على الحدود». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة عن شتاينتس، قوله إن «إسرائيل لن توافق على تدهور الوضع الأمني على حدود القطاع″.
وفي كلمة ألقاها أمام مؤتمر اقتصادي في تل أبيب أمس، قال غانتس: «أعتقد أن مستوى الردع قويّ بما فيه الكفاية لمواجهة أي من طرق العمل، ولكن لا يزال هناك ميل لعدم الاستقرار».
وأضاف: «إننا متأهبون لمواجهة أي تطوّر يمكن أن يقع، ولكن عدم الاستقرار هذا هو سمة دائمة لكل منطقة حدودية، ولا نية لدينا للسماح لهذه التحديات بالمرور من دون ردّ. وقد رددنا وسوف نرد بالشدة المطلوبة».
وحاول رئيس الأركان الإسرائيلي وضع أحداث غزة في سياق عام، حيث قال «لم آت هنا لأخيفكم أو لأطلق تصريحات متشددة، ولكن يجب علينا الإقرار بأن الأماكن التي كانت مستقرة تماماً طوال أربعة عقود، بعد حرب يوم الغفران غدت أقل استقراراً. سيناء مع العمليات التي رأينا، ترسيخ الجهاد العالمي، سوريا التي تفككت إلى جهات وكل ما يتعلق بلبنان».
وأضاف أن «كلاً منا يتذكر لبنان ويعرف أن جنوبه كان عديم الاستقرار جداً، وفيه فتح لاند والكثير جداً من الحروب بعد ذلك. والأمر انقلب، فالجنوب مليء بحزب الله، والشمال يطفح بعدم الاستقرار، وأيضاً هضبة الجولان ليست هادئة تماماً في الآونة الأخيرة. هناك تغييرات في بنية القوة. وهناك ظواهر جديدة نعرفها جميعاً وللأسف فإننا شككنا بالتشديد على مقوم النار».
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي موشي يعلون قد أعلن الأسبوع الماضي، أن «الغارة هي رسالة حازمة لحماس أننا لن نتحمل العودة إلى روتين تنقيط النيران نحو مواطنينا. ونحن نرى في حماس الجهة المسؤولة عما يجري داخل أراضي القطاع، ونعرف كيف نردّ عليها إذا لم تعرف هي كيف تمنع إطلاق النيران نحو إسرائيل».
عموماً، وبرغم الردّ الإسرائيلي، يشهد المعلقون العسكريون الإسرائيليون على القلق القائم في صفوف الجيش الإسرائيلي من تصعيد «حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع لمساعي تطوير قدراتها. ويتركز القلق أساساً على تطوير الصواريخ والأنفاق الهجومية التي تتحدث المصادر الإسرائيلية عن ترميم «حماس» لها وإنشاء المزيد منها. ومع ذلك فإن الجيش الإسرائيلي لا يزال يؤمن أن لا مصلحة لـ «حماس» حالياً في الصدام مع إسرائيل، وأن كل ما تتطلع إليه هو التركيز على الضائقة الاقتصادية في القطاع وضرورة إعادة إعماره.
وفي كل حال، نعت حركة «حماس» أمس، الشهيد تيسير السميري الذي استشهد بعد عملية إطلاق النار الإسرائيلية على شرق منطقة القرارة. وحملت الحركة الاحتلال الاسرائيلي المسؤولية الكاملة عن التصعيد في جنوب القطاع، قائلة إن هذا الخرق الخطير يأتي بعد سلسلة من الاستفزازات في قطاع غزة، سواء كانت عن طريق الغارات الوهمية لإرهاب المواطنين أو التوغل عبر السياج الفاصل أو إطلاق النار على الصيادين والمزارعين، أو قصف الأراضي الزراعية بصواريخ الطائرات الحربية.
وحذرت «حماس» من خطورة هذا الاختراق الإسرائيلي للتهدئة، داعية كل الأطراف المعنية إلى لجم العدوان، مؤكدة أنها ملتزمة بالتهدئة ما التزم الاحتلال بها، وأنها لن تسكت عن هذا الإجرام الإسرائيلي المتكرر.
من جهة أخرى، وبرغم الحملة الفلسطينية في مجلس الأمن الدولي، أعلنت اللجنة المحلية للتخطيط والبناء في القدس المحتلة أنها صادقت على بناء 380 وحدة سكنية جديدة خلف الخط الأخضر في القدس الشرقية.
وستتم إقامة 307 من هذه الوحدات في مستوطنة راموت في شمال القدس، و73 وحدة أخرى في جبل أبو غنيم في جنوبي شرق المدينة.
وتحاول أوساط اليمين الإسرائيلي الإيحاء بأن توسيع الاستيطان في القدس الشرقية خصوصاً، وفي الضفة الغربية المحتلة عموماً، يأتي للتأكيد بأن إسرائيل لا تردعها التهديدات الدولية والأوروبية بشأن الاستيطان. ومن المنطقي الافتراض أن بلدية القدس اليمينية معنية أيضاً باستغلال المعركة الانتخابية لتوسيع الاستيطان.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد