الاغتصاب وزواج السترة
في موروثنا الشعبي , شاع ما يسمى بزواج السترة, لفتاة تعرضت بالاكراه لاغتصاب , وقد عالجت الدراما السورية هذا الموضوع
في مسلسل أيام شامية , عندما قرر زعيم الحارة خطبة ابنة بائع( البيضة برغيف) لبكره سترة لها بعدما شكا والدها له تعرضها لاغتصاب من اثنين من جنود الاحتلال الفرنسي . وبالفعل هو اتفق مع ابنه على أن يتزوج منها, فلا تلوكها الألسن, وينقطع نصيبها, ومن ثم بعد فترة يطلقها بحجة أنها خرجت عن طوعه حتى لايلزمه بخياره الذي فرضه عليه في هذا الظرف الاستثنائي لشريكة حياته.
غير أن الابن أخل بهذا الشرط, وتمسك بها ولم يطلقها أبداً .وانكب على يد والده يقبلها , وهو يطلب منه أن يبارك زواجهما إلى الأبد, لانه أحب ابنة بائع ( البيضة برغيف) فهي لم تخرج عن طوعه أبداً , بل على العكس كانت مثال الأدب والاخلاق والحشمة...
أما في الأعراف والتقاليد قلما تجد في أيامنا المعاصرة من يرضى الاقتران بفتاة قد تعرضت لاغتصاب, واذا ما صادفت شاباً يرضى بذلك, فأنت لاتجد بين أهله- من يقبل بخطبة هذه الفتاة له ( فلا تصادف المغلوبة على أمرها بعد ذلك من يقترن بها, باستثناء (مغتصبها) الذي يبرز أمام هيئة المحكمة عقد قرانه عليها, ليعفى من الملاحقة والعقاب بجناية الاغتصاب , ويؤكد المحامي ماهر ياسين أنه لوحظ أن هذا الزواج قدلايستمر , ما جعل المشرّع يشترط على من يعقد قرانه على من اغتصبها ألا يطلقها قبل مضي خمس سنوات على زواجهما , إلا إذا أرادت هي التفريق, وإلا سيلاحق قضائياً مجدداً بجناية الاغتصاب , وتحل به أقصى العقوبات لاسيما إذا كانت المغتصبة قاصراً .
السيدة رغداء الأحمدنائبة رئيسة الاتحاد النسائي ذهبت إلى أن هذا الالزام القانوني لايخدم الفتاة المغتصبة , بقدر ما يؤزمها, فهل من المعقول أن يكافأ المغتصب بتقديم ضحيته إليه ثانية , ليغتصبها مرات ومرات بعقد زواج؟!!!.
أما الباحثة الاجتماعية نسرين دواي , فترى حسب دراسات (سيكولوجية )المرأة المغتصبة , أن مرارة هذه التجربة ,لابد وأن تترك وطأتها الوحشية في لاوعيها, مايجعلها تنفر من الزواج من مغتصبها, وإذا ما ألزمت أو رضخت لهذا الزواج بضغط من أهلها طلبا للسترة, فإن حياتها العاطفية والجنسية ستتحول إلى جحيم وتضيف الباحثة نسرين ,بأن معظم الزيجات التي تتم تحت ضغط هذا القانون أو العرف , لن يحكمها الاستمرار وستبوء بالفشل...
هذا فقط لمن وقع عليهاالاغتصاب من غريب فماذا عن موقف الشرع والقانون والمجتمع ممن وقع الاغتصاب عليها من قريب, وهو ما يسمى باغتصاب الأصول للفروع, المبطن عادة بالسريّة والكتمان...
الملفت للنظر في مثل هذه القضايا , أنه لايتم اكتشافها أو الابلاغ عنها, إلا بحكم المصادفة , وتحديداً في ليلة زفاف المعتدى عليها, التي تضطر لمصارحة عريسها بما وقع عليها من عدوان من ذوي القربى, وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من القتل , الأمر الذي يضطر العريس, إلى ردها في صبيحة اليوم التالي لأهلها, وهم عادة لايكترثون لأمرها, وبعضهم يرحب بعودتهاإليهم من مبدأ( هذه بضاعتنا قد ردت إلينا).
في حالة أخرى , وجدنا نخوة وشهامة العريس, تدفعه للاحتفاظ بعروسه على عيبها , إما حبا ,أو عطفاً أو شفقة عليها من الفضيحة فهي في النهاية (ضحية) لاذنب لها أو إرادة فيما حدث.
فكتم سرها, وأعلن سترتها, طمعاً بأجر وثواب عند الله, والله يستر على الذي يستر . غيرأن معاناة المرأة المعنفة سابقاً جنسياً , لاتنتهي عند هذا الحد, بل في الواقع هي تبدأ منذ الآن , وتلخص السيدة منال الشيخ /ماجستير في الارشاد النفسي/ الآثار الناجمة عن الاستغلال الجنسي الواقع من الأصول على الفروع , بقولها: هناك القلق المزمن, وفقدان الثقة بالآخرين , فالنساء اللواتي تعرضن إجمالاً في حياتهن لعنف جنسي , تظهر عليهن اضطرابات صحية ونفسية متعددة, كالاكتئاب العميق, والاضطرابات الطمثية والآلام الحوضية , وآلام الجهاز التناسلي وتعتورهن الأفكار الانتحارية
أما الدكتورة رجاء مريم الاختصاصية في علم الاجتماع من جامعة دمشق , فترى أن ( المغتصب) مريض سيكوباتي) لأنه قد اخترق كافة القيم والقوانين الاجتماعية والمعايير النفسية .
من جهتها ترى المحامية دعد موسى ثغرة كبيرة في القانون السوري , حيث اعتبر الاغتصاب الواقع من غريب جناية والسفاح بين الأقارب جنحة , ما يثير الاستغراب والتساؤل عن سبب هذا التخفيف , رغم ما يسببه من شرخ في الأسرة والمجتمع , أضف إلى ذلك , عدم كفاية القوانين التي تحكم سفاح القربى, وإسقاط الحق الشخصي الذي يتم بشكل أدبي بين الأصول والفروع والتعامل مع هذه القضايا, بشكل سلبي , والتكتم عليها درءاً للفضيحة.
وبالمناسبة لابد أن نذكر في ضوء ما أوردته المحامية دعد , أن ثمة نوعاً آخر من الاغتصاب لايرد ذكره في المجتمعات الشرقية اطلاقاً وهو متداول كثيراً في المجتمعات الغربية وأعني اغتصاب الأزواج للزوجات , وإكراههن على ممارسة الجنس خلافاً للطبيعة أو بطريقة سادية يتلذذ البعض بها.
وفي الوقت الذي يعتبر فيه هذا الفعل - اغتصاباً - يستوجب المساءلة والعقاب والتعويض قانونياً في مجتمعات الغرب , نجد السكوت عند المجتمعات الشرقية , واجباً , إماخجلاً , أو أدباً , أو خوفاً , أو احتراماً في كثير من الحالات لأسرار فراش الزوجية ...
في إحدى الحالات , وجدنا الخطيب يعف عن خطيبته , وينفر منها بعد أن نال مأرباً منها حتى لو تم ذلك بعد - كتب الكتاب- ما أدى إلى طلاقهما قبيل حفل الزفاف, الأمر الذي جعل هذه الفتاة المغلوب على أمرها , مطمعاً لأم شاب معوّق, فتقدمت في اليوم التالي لخطبتها لابنها, وسرعان ما تعلن الفتاة المغرر بها ممن يفترض أن يكون أقرب الناس إليها, أعلنت موافقتها على هذا الزواج غير المتكافىء كردة فعل بلا روية أو تفكير لأنها وجدت فيه , كما وجد أهلها, سترة لها.
اضطرت معلمة , في حالة ثانية إلى التفريط بكافة حقوقها الزوجية , من معجل ومؤخر الصداق, وإعفاء خطيبها الذي غرر بها قبل حفل الزفاف بعد ثماني سنوات ردت فيها إلى بيت أهلها اضطرت في ( مخالعة رضائية) تمت عند المحامي , من إعفاء خطيبها من دفع هذه الحقوق التي بلغت ثلاثة ملايين ليرة سورية. وفي هذه الحالة , نجد الاغتصاب المادي , قد تلا الاغتصاب المعنوي لهذه ( الضحية) التي ألفت نفسها الخاسر الأوحد على كافة الصعد...
ومن حسن حظها أن تقدم لخطبتها شاب واع مثقف , قدر معاناتها وأنه لاذنب لها في كل ماحدث, وتزوجا ولولا ذلك لعلها كانت ستعاني كما عانت مثيلاتها من ايجاد فرصة أخرى للزواج...
هي حالات اخترنا تفاصيلها من ملفات الحياة تارة , ومن ملفات القصر العدلي تارة أخرى , لتعبر في خصوصيتها , عن مدى الغبن الذي يلحق بالفتاة المغتصبة , سواء من الأعراف, والتقاليد والمجتمع, أم من ناحية الشرع والقانون ما يطرح علينا ختاماً ضرورة مراجعة التشريعات المتعلقة بمجمل الاساءات الواقعة على الفتاة المغتصبة, واستغلالها, وإهمالها, وتقويم وتحليل هذه الظاهرة المتفشية في المجتمع وهي في تصاعد , سواء في حالات الحرب , أو السلم , وتلك مسألة قدرية ولايعلم أحد متى وأين تحل على الفتاة , ولاسيما وأن وسائل الاعلام بما في ذلك- الفضائيات - تبث برامج تؤجج الغرائز الجنسية في مجتمع شرقي يعاني من الكبت الذي يصل أحياناً إلى حد القمع أمام ضحالة فرص زواج الشباب .
والذي لابد أن يتجه ليجد له متنفساً في -اللذة الحرام- من هنا نرى أن ذات وسائل الاعلام - وهي سلاح ذو حدين - تقع عليها مسؤولية إثارة الوعي المجتمعي بقضايا الاغتصاب وعقابيله سواء بوسائله المقروءة أو المسموعة أو المرئية , والكل معني ومسؤول....
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد