الانسحاب التركي المفاجئ: من أعلنه ولماذا؟
استأثر قرار أنقرة بالانسحاب الفوري من شمال العراق من دون مقدمات باهتمام سياسي وإعلامي واسع، بحثا عن الأسباب الحقيقية وراء هذا التدبير، الذي ترك ظلالاً كبيرة على العلاقات التركية الأميركية، وعلى صورة أنقرة التي بدت لا تستطيع التحرك خارج الإرادة والإملاءات الأميركية.
ولم يستطع بيان رئاسة الأركان إزالة الغموض والالتباس الذي أحاط بمن أعطى أمر الانسحاب، وما هي العوامل التي دفعت إليه، وهو ما دفع بمعظم التعليقات لوصف قرار الانسحاب المفاجئ بـ«القنبلة».
ودفع ذلك إلى استحضار مقابلة مع رئيس الأركان الجنرال ياشار بويك انيت، أجرتها صحيفة «ميللييت»، وأكد فيها أن «أمر الانسحاب، كما أمر البدء بالعملية العسكرية، يعود إليه، وليس لأي سلطة سياسية أو مرجعية أجنبية» أي اميركية، وهذا يؤكد الشائعات التي قالت إن رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان لم يكن في جو قرار الانسحاب.
وقال انيت إن قرار الانسحاب اتخذ قبل وصول وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس إلى أنقرة بوقت طويل، بل كانت بعض الوحدات العسكرية قد عادت إلى وطنها الأربعاء الماضي، أي قبل الإعلان عن قرار الانسحاب بيومين، وان عدم الإعلان عن الانسحاب كان لعدم إعطاء المسلّحين الأكراد الفرصة لإقامة كمائن للقوات المنسحبة، بعدما تم تكبيدهم خسائر كبيرة جداً.
وأوضح انيت أن اردوغان كان على علم عام بتفاصيل العملية وبقرار الانسحاب لكن ليس متى سيحصل الانسحاب بالضبط، و«نحن لا نطلع الحكومة على كل شاردة وواردة»، وان عزم اردوغان على أن يقول في خطابه، الذي ألغى نصّه الأول، بأن العملية مستمرة كان ضرورة أمنية لعملية الانسحاب.
وأشار انيت إلى أن إعلان الانسحاب بعد ساعات على وصول غيتس إلى أنقرة لم يكن سوى مصادفة، ونحن نتحرك وفقا لاعتباراتنا العسكرية وليس وفقاً لمجيء غيتس أو عدم مجيئه.
وأعلن اردوغان، من جهته، أن الحكومة تعطي التفويض للجيش، الذي وحده يحدد بدء وانتهاء العمليات العسكرية!.
وأعلن الرئيس التركي عبد الله غول، قبل مغادرته الى رومانيا في زيارة رسمية، ان عملية الانسحاب «تمت كما كان مقرراً»، مضيفاً «كانت فقط مسألة تكتيك عسكري». وتابع «اود ان اقول لكم بكل صدق ان الاميركيين لم يكن لهم اي تأثير». وأكد انه كان على علم شخصيا بموعد انتهاء العملية، في حين لم يتم ابلاغ الرأي العام لحماية الجنود.
وفي معلومات لـ»ميللييت» أن الرئيس الأميركي جورج بوش تدخل مباشرة لدى أنقرة، بعدما علم أن المسؤولين الأتراك لم يقدموا إجابات قاطعة حول أسئلة اميركية حول أهداف العملية النهائية، والحوار مع أكراد شمال العراق، والموقف من أفغانستان والدرع الصاروخية. وأوضحت أن غيتس لوح، في مباحثاته مع الأتراك، بوقف التعاون الاستخباراتي، اذا لم تتجاوب أنقرة حول هذه المطالب.
وكتب سميح ايديز، في الصحيفة، إن الولايات المتحدة تخوفت من حصول صدام بين الدبابات التركية الموجودة منذ التسعينيات في معسكر باميرني في شمال العراق وبين البشمركة، خصوصا بعد تصريحات عدائية من الطرفين التركي والكردي أثناء العملية البرية، وواشنطن خشيت أكثر من التصريحات التركية المعادية لـ«رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني، ومن أن تكون للعملية العسكرية أهداف خارج ضرب حزب العمال الكردستاني.
ويرى فكرت بيلا، المقرب من المؤسسة العسكرية، أن من أهم نتائج العملية البرية أنها تحققت فيما كانت الولايات المتحدة تعارضها في وقت سابق، موضحا أن نتيجة أخرى مهمة للعملية تحققت، وهي إظهار أنقرة لحزب العمال أن شمال العراق ليست منطقة آمنة له، كما أن القوات التركية جاهزة للرد حتى في أسوأ الظروف المناخية.
ويرى مليح عاشق، في «ميللييت»، انه إذا كان سبب الانسحاب الضغوط الاميركية فهذا يعني أننا وقعنا في فخ اميركي، أما إذا كان الانسحاب من جانبنا فهذا يعني أننا وقعنا في الفخ الذي نصبناه نحن لأنفسنا!
ويرى جونايت اولسفير أن انسحاب 29 شباط 2008 سيفتح في العلاقات التركية ـ الأميركية جرحاً لا يقل كبره عن الجرح الذي فتحه قرار البرلمان التركي، في الأول من آذار ,2003 برفض المشاركة في احتلال العراق. ويقول إن حقيقتين مُرّتين اظهرهما 29 شباط، وهو أن واشنطن توقف جريان المياه حينما تريد، وأن عدم التنسيق بين الحكومة والجيش قائم.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء قرار أنقرة المفاجئ بوقف عملياتها العسكرية في العراق
إضافة تعليق جديد