التباس بين مسلحي سوريا من "التحالف": بانتظار كلمة السر!
تعكس مواقف بعض الفصائل المسلحة في سوريا، حجم التحديات التي ستواجه التحالف الدولي المزمع إنشاؤه لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"- "داعش"، لا سيما أن مواقف هذه الفصائل تعكس بدورها الإرادات الحقيقية للدول الداعمة لها، بما تسعى إليه من خطط وأجندات خفية قد تتعارض في تفاصيلها مع الخطة الأميركية المعلنة.
ويمكن القول إن من شأن المواقف التي عبّرت عنها بعض الفصائل، وهي فصائل كبيرة ومؤثرة، في حال الإصرار عليها، أن تؤدي إلى خلط الأوراق على الساحة السورية، وتترك تداعيات واسعة قد لا تخلو من مفاجآت، مثل مفاجأة الداعية الأردني أبي محمد المقدسي الذي وجد في التحالف مناسبة لإعادة محاولة إصلاح ذات البين بين "جبهة النصرة" و"الدولة الإسلامية"، رغم انتقاده اللاذع للأخيرة.
ومن غير المستبعد أن تكون المواقف المعلنة حتى الآن من قبيل فتح باب المساومة، وتقديم الذرائع إلى الدول التي تدعمها لتعزيز موقفها في المطالبة بحصة أكبر من كعكة الغنائم التي تشرف الولايات المتحدة على توزيعها بين هذه الدول، أو على الأقل تمكين هذه الدول من لعب دور ما، بعدما دخل اللاعبون الكبار بأنفسهم إلى ملعب المنطقة.
وبينما لم يعلن حتى هذا الوقت، أي فصيل استعداده للمشاركة في القتال تحت راية التحالف الدولي، صراحة وعلناً، كان لافتاً أن تسارع فصائل كبيرة إلى إعلان رفضها ذلك.
ولم يصدر بيان رسمي عن "جبهة النصرة" حول موقفها من التحالف، إلا أن البيان الصادر عن "دار القضاء الموحد" والرافض للتحالف واعتبار المشاركة فيه "ردة عن الدين"، يمثل كثيرا الموقف الرسمي لـ"النصرة"، بل إن مصادر مطلعة أكدت، أن غالبية الفصائل المشاركة في تأسيس "دار القضاء"، وعددها 18 فصيلاً، لم توقع على البيان باستثناء "جبهة النصرة" و"لواء الأمة" ذي النشأة الليبية، الأمر الذي يجعل البيان محسوباً على "النصرة" بالدرجة الأولى.
ووُصف البيان بأنه هزيل علمياً وشرعياً، ووجهت بسببه انتقادات لاذعة إلى "جبهة النصرة"، لأنها أولاً تأخرت في رفض التحالف الدولي، وثانياً لأنها اختارت طريقة غير موفقة في التعبير عن رأيها. غير أن العارفين بالتغييرات التي تطرأ على "جبهة النصرة" ودورانها في هذه المرحلة في الفلك القطري، يدركون أن موقفها يعبر عن التخبط القطري، الذي لا يريد فقدان أوراق القوة على الساحة السورية، الممثلة بالعلاقات مع العديد من الفصائل الإسلامية، لكنه في المقابل لا يستطيع معاكسة تيار القوى العظمى التي قررت تشكيل التحالف ودعم "الفصائل المعتدلة".
ومن جهته، جاء موقف قائد "ألوية صقور الشام" أبو عيسى الشيخ، وهو في الوقت ذاته رئيس مجلس شورى "الجبهة الإسلامية"، ملتبساً، فلم يحدد موقفه الصريح من التحالف، واكتفى عوضاً عن ذلك بالتأكيد أن "محاربة داعش سببه العقيدة" وأنه "لن يوقف أو يستمر في قتاله لمصالح دولية".
لكن أكثر ما يثير الاستغراب هو موقف "جيش الإسلام"، الفصيل المحسوب على السعودية نشأةً ودعماً، إذ من المفترض أن يأتي موقفه منسجماً مع ما تظهره الرياض من حماسة بخصوص تشكيل التحالف الدولي ودعمه بالمال والسلاح والمقاتلين. ولكن على العكس جاء موقف "جيش الإسلام" أكثر تشدداً من موقف "جبهة النصرة"، الأمر الذي قد يعتبر مؤشراً مهماً إلى أن لدى الرياض هواجس كبيرة بشأن التحالف الدولي وتداعياته وتأثيره على توازن القوى ومعادلاته الحساسة في المنطقة.
وشدد المتحدث الرسمي باسم "جيش الإسلام" النقيب عبد الرحمن الشامي، في تغريدات له على "تويتر"، على "رفض أي تدخّل أميركي في سوريا بحجة ضرب داعش"، مؤكداً أنهم "قادرون على محاربة داعش بل القضاء عليه من دون الحاجة لتدخل خارجي، من قبل أميركا أو غيرها"، لكنه طالب في حال تشكيل التحالف أن تكون قيادته لـ"جيش الإسلام" لأنه صاحب الخبرة على الأرض في قتال "داعش".
وتجدر الإشارة إلى أن موقف "جيش الإسلام" جاء متزامناً مع نفيه ما أشيع مؤخراً عن عقده اتفاق هدنة مع "الدولة الإسلامية" في جنوب دمشق، حيث أكد النقيب إسلام علوش عدم صحة ذلك مطالباً "المقاتلين" ألا ينقادوا لسياسات "المخادعين الغادرين كداعش" حسب وصفه، "لأن توقف الحرب عليهم ولو لسويعات قليلة يعد بمثابة فترة معالجة لجروحهم".
من جهة أخرى، ورغم أن الكثير من الفصائل لم تعبر عن موقفها تجاه التحالف الدولي، إلا أن إعلان "الائتلاف الوطني" المعارض عن "دعم الخطة الأميركية لضرب تنظيم "الدولة الإسلامية" يعتبر ملزماً للعديد من الفصائل التي لا تزال تعتبر "الائتلاف" مرجعيتها السياسية، وعلى رأسها "جبهة ثوار سوريا" و"حركة حزم"، ولكن ذلك لا يمنع أن العديد من الفصائل التي أعلنت عن رفضها الاشتراك في التحالف قد تسارع إلى تغيير موقفها عندما تصلها كلمة السر من مرجعيتها الإقليمية، أو عندما تشعر بإمكانية الاستفادة من التحالف لكسب مناطق نفوذ جديدة على الأرض في ظل التراجع المتوقع لمقاتلي "داعش" جراء الغارات الجوية.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد