التعددية الدينية في العالم الإسلامي اليوم

19-08-2009

التعددية الدينية في العالم الإسلامي اليوم

باشر الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه إلى العالم الإسلامي يوم 4 حزيران/يونيو في القاهرة حواره حول الحرية الدينية من خلال الإشارة إلى أن "الإسلام يضم تقاليد أبيّة في التسامح". انتقل الرئيس أوباما بعد ذلك إلى الحاضر مستشهداً بتاريخ الإسلام الطويل في حماية الأقليات الدينية، إضافة إلى تجربته الخاصة عندما نشأ في إندونيسيا المسلمة بشكل كامل تقريباً، حيث يمارس المسيحيون عبادتهم بحريّة، فحوّل انتباهه إلى هؤلاء المسلمين الذين تعلوا أصواتهم، والذين "تتواجد بينهم توجهات مقلقة نحو قياس عقيدتهم من خلال رفض عقيدة الآخرين". وقد حثّ أوباما الحضور المسلمين على الاستمرار بروح التسامح التي يعكسها تاريخهم الطويل.

ولا يشكّل المسلمون الرافضون الذين أشار أوباما إليهم سوى جزء يسير من العالم الإسلامي الواسع. وتشير استطلاعات أجريت في 44 دولة كجزء من مشروع مركز "بيو" للبحوث العالمية أن الناس في الدول الإسلامية يضعون قيمة كبيرة على حرية التعبير وحرية الصحافة والأنظمة المتعددة الأحزاب والحماية المتساوية تحت القانون. إلا أنه رغم كون العديد من المسلمين يرغبون بنوع من التعددية التي تأتي مع الديمقراطية ذات الطابع الغربي، يمكن لهؤلاء في العالم الإسلامي الذين يضغطون باتجاه هذه الأفكار أن يواجهوا ضغوطاً عكسيّة، وفي بعض الأحيان تهديدات بالاضطهاد، من قبل كل من الحكومات والمجموعات المتناحرة التي لا ترى مكاناً للحرية الدينية في الإسلام.

ويملك الطرح حول التعددية الدينية وتداعياتها السياسية جذوراً في التاريخ الفكري والسياسي الإسلامي، وتستمر ترجمته وإعادة تقييمه اليوم. ويكمن جوهر هذا الطرح بالنسبة للبعض في تعريف "أهل الكتاب"، وهو تعبير قرآني يشير إلى هؤلاء الذين يتوجب على المسلمين إظهار تسامح ديني كامل تجاههم.

يفترض الكثير من المسلمين أن تعبير "أهل الكتاب" يضم المسيحيين واليهود فقط، حيث أن هؤلاء كانوا أهل الكتاب أثناء فترة النبي محمد (ص) في الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي. إلا أن عالِماً مسلماً من جنوب إفريقيا هو فريد اسحق يشير في مقال له عنوانه "المسلمون يشاركون الآخرين والإنسانية" إلى أنه لم يتم تعريف هذا التعبير، عبر التاريخ الإسلامي، من حيث أولئك الذين يُعتبرون من أهل الكتاب، بل من حيث كيف عاملت المجموعات الدينية من كانوا بحاجة للمساعدة.

اعتبر اسحق أن العنصر الرئيسي الذي يفرّق "الوثنيين" عن أهل الكتاب في الحقبة الأولى في المدينة المنورة هو الأسلوب الذي استخدم فيه من يسمون بالوثنيين الدين المؤسسي لاستغلال الأقل حظاً من الناس. لذا اعتبر العلماء، في أوقات مختلفة من التاريخ، بناء على الزمان والمكان الذي عاشوا فيهما، اعتبروا مجموعات متنوعة مثل الهندوس والبوذيين والمجوس والزرادشتيين والصابئة، ضمن الفئة الأوسع لأهل الكتاب.

وهناك بين المسلمين مجال واسع من وجهات النظر حول التعددية الدينية. يرى قلة من المسلمين أتباع الديانات الأخرى على أنهم الأعداء. ويرى آخرون غير المسلمين على أنهم أناس يجب إيصال رسالة الإسلام إليهم. وترى مجموعة ثالثة من المسلمين أتباع الديانات الأخرى على أنهم يستحقون التسامح والاحترام المتبادل، بينما تذهب مجموعة أخرى إلى ما وراء مجرد التسامح، وتؤمن أن الأديان الأخرى متساوية من حيث العقيدة الدينية مع الإسلام.

من بين كل هذه المجموعات، تشكّل المجموعة التي تؤمن بالتسامح والاحترام المتبادل هي تكل التي تعرّف معظم المسلمين. وقد توصل استطلاع عالمي للقيم أجري عام 2003، وقام بمقارنة إحدى عشرة دولة ذات غالبية مسلمة مع أخرى غربية إلى أنه في جميع الدول المستطلعة، باستثناء واحدة، كان الدعم الشعبي للديمقراطية، بما فيها مفاهيم التعددية الدينية التي تضمها، أكثر من أو مساوٍ لهذا الدعم في الدول الغربية. وقد وجد استطلاع أحدث أجراه مركز غالوب للدراسات الإسلامية، ويمثّل 1,3 مليار مسلم، رغبة مماثلة في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية. من الواضح أن هناك دعم لكل من التعددية الدينية والأنظمة السياسية التي تساندها.

إلا أن هناك عدم ترابط بين ما يعتقده معظم المسلمين وسياسات العديد من الحكومات التي يعيشون تحت حكمها. ففي الوقت الذي يريد فيه العديد من المسلمين الحرية الدينية كسياسة محلية متبعة، تدعم الدول الأعضاء في منظمة الدول إجراءات مثل قرار التشهير بالأديان غير الملزِم، الذي يحث الدول على منع التشهير بالأديان قانونياً ودستورياً. يبدو ذلك في معظمه مثيراً للإعجاب، ولكن الكثيرين ينظرون إليه كذلك على أنه إجراء لتحديد حرية التعبير، حيث أن العديد من هذه الدول نفسها تعزز قوانين التجديف القاسية محلياً ضد الأقليات الدينية والخارجين على الدين الإسلامي.

ليس السؤال الحقيقي إذن ما إذا كان هناك دعماً للتعددية الدينية، ولكن ما إذا كان الإصلاحيون المسلمون قادرين على إقناع حكوماتهم بالحفاظ على هذا الدعم.

 أسماء الدين

 أسماء الدين محامية ورئيسة تحرير Altmuslimah (www.altmuslimah.com). ظهر هذا المقال أولاً في الواشنطن بوست/نيوزويك OnFaith وكُتِب لخدمةCommon Ground الإخبارية كجزء من سلسلة حول التعددية في الدول ذات الغالبية الإسلامية.

مصدر المقال: خدمة Common Ground الإخبارية، 31 تموز/يوليو 2009

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...