الجانب غير المعلن من زيارة نتنياهو لواشنطن

20-06-2007

الجانب غير المعلن من زيارة نتنياهو لواشنطن

الجمل:    الصراع بين حزبي كاديما والليكود، لم يعد حصراً في الكنيست، بل أصبح صراعاً عابراً للحدود، له حلبة أخرى غير تل أبيب، وهي العاصمة الأمريكية واشنطن.
حملت الأنباء قبل عدة أيام خبر برنامج عمل زيارة زعيم كاديما الحاكم ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت لأمريكا.. واليوم حملت الأنباء خبر برنامج عمل زيارة زعيم الليكود المعارض بنيامين نتنياهو إلى أمريكا أيضاً.
• محور تل أبيب- واشنطن:
تشير معطيات الخبرة التاريخية للعلاقات الأمريكية- الإسرائيلية، بأن هذه العلاقة لم تكن ذات أهمية لا بالنسبة للإسرائيليين ولا بالنسبة للأمريكيين خلال فترة إقامة دولة الكيان الصهيوني في عام 1948م، فقد كانت العلاقة آنذاك تتمثل في محور تل أبيب- لندن، ولكن بعد قيام البريطانيين بمراجعة حسابات مصالحهم في المنطقة العربية، وجدوا آنذاك أن من الأفضل لهم الاحتفاظ بعلاقاتهم مع الأسرة الهاشمية الحاكمة في الأردن والعراق، وأيضاً شيوخ الخليج وأمراء السعودية، وملك اليمن، وكانوا يخططون لإقامة خط حديدي يمتد من ساحل الأبيض المتوسط، وتركيا مروراً بالعراق وحتى منطقة الخليج العربي، وذلك على أساس اعتبارات أن بريطانيا إذا نجحت في إقامة هذا المشروع وأكملت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية سيطرتها على نفط العراق، فإن بريطانيا سوف تسيطر بلا منازع على الاقتصاد العالمي.. وبسبب كل ذلك وجد البريطانيون أن توريط بريطانيا في محور تل أبيب- واشنطن سوف تترتب عليها (المخاطرة) التي تؤدي إلى إضاعة (فرصة) الثراء والجاه الاقتصادي والمالي.. ومن ثم قام البريطانيون بتشديد القيود على هجرة اليهود إلى فلسطين وقامت قوات البحرية الملكية باعتراض الكثير من سفن الوكالة اليهودية التي كانت تقوم بتهريب اليهود، ووضعت اليهود بالمئات في بعض المعسكرات الخاصة التي كانت قد أقامتها في جزيرتي قبرص ومالطا.
بدأت زعامات المنظمة الصهيونية العالمية تفقد الثقة في بريطانيا، ووجدوا ضالتهم في أمريكا، ومن ثم اندفع اليهود في موجات هجرة مكثفة نحو القارة الأمريكية، وتحديداً الولايات المتحدة.. واستطاع اليهود الأوروبيون الغربيون أن يتغلغلوا داخل المؤسسات الرسمية والأحزاب السياسية الأمريكية، وكان معظم اليهود الذين هاجروا إلى أمريكا إما من اليهود الألمان الذين هربوا إلى أوروبا في فترة الحرب العالمية الثانية، أو من اليهود الذين كانوا في بريطانيا وشمال أوروبا.
وهكذا استطاع اليهود بناء محور تل أبيب- واشنطن، وتقييد أمريكا بالكثير من الحبال الناعمة على النحو الذي جعل من الـ(فيل) الأمريكي يقع في شبكة عنكبوت اللوبي الإسرائيلي.
• الوزن الحقيقي والإدراك المتبادل في محور تل أبيب- واشنطن:
علاقة واشنطن بتل أبيب، أو فلنقل علاقة تل أبيب بواشنطن ليست مجرد علاقة تحالف وارتباط بين حكومتين، بل هي علاقة أعمق من ذلك بسبب وجود ما يُعرف بـ(اللوبي الإسرائيلي)، وعلى أساس معادلة المتغير المستقل بالمتغير التابع، يصعب تفسير هذه العلاقة، وذلك لأن هناك متغيراً ثالثاً وهو متغير اللوبي الإسرائيلي الذي أشرنا له، وهذا اللوبي نفسه ليس كياناً واحداً، بل يتكون من عدة كيانات غير موحدة تدور بينها صراعات ومنازعات لا حدود لها.
الإجابة على علاقة المتغير بالتابع في محور تل أبيب- واشنطن، تتوقف على تحديد من يسيطر على من، وهو السؤال الذي يمكن أن نجيب عليه على النحو الآتي:
- في تل أبيب: يسيطر كاديما (أولمرت) على الحكومة، بينما يقف في المعارضة الليكود (بنيامين نتنياهو)، ويتنافس الاثنان، فكاديما يسعى للحفاظ على السلطة، بينما يسعى الليكود للعودة إلى السلطة عن طريق إضعاف كاديما وإسقاطه.
- في واشنطن: تسيطر جماعة المحافظين الجدد على اللوبي الإسرائيلي وعلى الإدارة الأمريكية.
الجانب الأكثر أهمية في معادلة محور تل أبيب- واشنطن يتمثل في أن جماعة المحافظين الجدد، لا ترتبط بتحالف وثيق مع الليكود فحسب، بل هي الليكود ذاته، أو فلنقل بكل تأكيد هي فرع الليكود في أمريكا.. وهنا تكمن محنة أولمرت، فهو دائماً يواجه الضغط من الإدارة الأمريكية، وهي ضغوط تقوم بصنعها والترتيب لها جماعة المحافظين الجدد بناء على التنسيق المسبق بينها وبين الليكود المعارض لكاديما وأولمرت.
• زيارة بنيامين نتنياهو لواشنطن.. الجانب المعلن:
العلاقة بين زيارة زعيم الليكود المعارض بنيامين نتياهو لواشنطن، وزيارة زعيم كاديما الحاكم ايهود اولمرت إلى واشنطن هي مثل العلاقة بين (قلم الرصاص والممحاة)، وبكلمات أخرى، فإن ما يقوم بكتابته أولمرت في الإدراة الأمريكية نهاراً تقوم بمحوه ليلاً ممحاة بنيامين نتنياهو.. وما يقوم بكتابته بنيامين نتياهو في الإدارة الأمريكية، تقوم هذه الإدارة بمحوه على عجل بمطالبة أولمرت به باعتباره مطلب رأي للإدارة الأمريكية.
كذلك أصبح أولمرت ونتنياهو يتنافسان بشكل محموم، وها هو بنيامين نتنياهو يحاول توجيه الضربة لأولمرت وذلك لأن حلفاءه من عناصر جماعة المحافظين الجدد رتبوا له مقابلة المسؤولين الأمريكيين –أو بالأحرى هم أنفسهم المسؤولون الأمريكيون- على النحو الذي يجعل نتيناهو يتفق معهم على ما هو مطلوب ليكودياً، بحيث لا يكون أمام أولمرت سوى استلام قائمة المطالب والقيام مرغماً (بابتلاع) ما رفض أن (يبتلعه) في تل أبيب.
• ماذا يريد أولمرت، وماذا يريد بنيامين نتنياهو؟
يريد أولمرت إنجاز شيء هام في المرحلة القادمة لإنقاذ سمعة كاديما السياسية وضمان بقائه في السلطة.. وهذا الشيء الهام يمكن أن يكون هو الحرب أو السلام.. ومن ثم فهو يريد دعم واشنطن.. وبالمقابل فإن بنيامين نتنياهو يقف له بالمرصاد فهو لن يسمح لأولمرت بتحقيق أي إنجاز هام، وبكلمات أخرى يريد بنيامين نتنياهو محاصرة أولمرت في ورطته الراهنة.. وعدم السماح له لا بتحقيق السلام ولا بتحقيق النصر العسكري، وهكذا فإن ما نتوقعه في الفترة القادمة هو إما أن نسمع تصريحات أولمرت التي تنقل الإشارات المختلطة المتضاربة.. أو القول الفصل في اتخاذ القرار الحاسم بالإعلان رسمياً الدخول في مفاوضات السلام، وهو أمر لن يتأتى له القيام به إلا في حالة واحدة، وهي أن يكون شجاعاً بالقدر الكافي لكي يتخذ قراره.. وهو أمر لن يستطيع أولمرت القيام به إذا إلا أدرك الحقيقة الواضحة التي تتمثل في أنه إذا اتخذ قراره، فإن واشنطن سوف تضطر للقبول، خوفاً على علاقات عبر الأطلنطي، وذلك لأن موافقة أولمرت سوف تؤدي إلى تأييد ومساندة الاتحاد الأوروبي، وبالتالي لن تقف أمريكا بمعزل، وإنما سوف تحاول الركوب بأي طريقة في قاطرة سلام الشرق الأوسط.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة


 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...