الجولاني لـ”ضبط السلاح”.. حمايةً لنفسه أم للأتراك؟

14-10-2020

الجولاني لـ”ضبط السلاح”.. حمايةً لنفسه أم للأتراك؟

أطلقت ما تسمّى وزارة الداخلية في حكومة الانقاذ التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" مشروع تنظيم حمل السلاح في الشمال السوري، عبر بيان صدر عنها يوم الاثنين الماضي. وقد أثار المشروع فور الإعلان عنه موجة عارمة من اللغط والجدل حول اسبابه وخلفياته وتداعياته المستقبلية.قال البيان الصادر عن “وزارة الداخلية في حكومة الانقاذ” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” إنه “بسبب كثرة حوادث إطلاق النار العشوائية ما يؤدي إلى وقوع إصابات خطيرة بين المدنيين بعيارات نارية طائشة، وحفاظاً منا على أرواح المدنيين، ولضمان حقوق ملكية الأسلحة الفردية من أجل رفع مستوى الأمن وزيادة ضبط مكافحة الجريمة، وإيجاد حل لعملية اقتناء السلاح وتنظيمه وحمله واستخدامه” فإن وزارة الداخلية “ستبدأ بمشروع تنظيم حمل السلاح وذلك بمنح رخص (مجانية) وبطاقات حمل السلاح الفردي عن طريق إدارة الأمن الجنائي والقيادات التابعة لها في جميع قيادات الشُّرط”.
برغم الذرائع والمبررات المثالية التي استند إليها البيان، وسعيه إلى إظهار أن المشروع الذي أطلقه إنّما يتعلّق بمتطلبات الأمن الداخلي فقط، فقد أثار فور صدوره موجة واسعة من الانتقادات والشكوك التي اعتبرت أن مسائل الأمن الداخلي ما هي إلا واجهة للتمويه على حقيقة الأهداف والغايات بعيدة المدى، التي يسعى أبو محمد الجولاني زعيم “هيئة تحرير الشام” إلى تحقيقها من وراء هذه الخطوة، وذلك من ضمن حزمة من الإجراءات المختلفة التي تهدف إلى تلميع صورته ونفض غبار الإرهاب عنها.واعتبر البعض أن هذا المشروع يسير على منوال مشروع مماثل قام به تنظيم “داعش” في مناطقه إبان سيطرته عليها، حيث بدأ الأمر بالدعوة إلى ترخيص السلاح بحجة ضبط الامن ثم تقرر وضع قيود على تراخيص حمل السلاح ثم تمّ تجريم حمل السلاح بدون ترخيص، وبعد ذلك أتت الخطوة الأخيرة المتمثلة بتجميع السلاح غير المرخص، ومن ثم نزع السلاح المرخص بحجة أن صاحب السلاح لا يشارك في القتال فلماذا يحمل السلاح؟ وانتهى هؤلاء إلى أن البدء بمشروع تنظيم حمل السلاح من قبل وزارة داخلية “الإنقاذ” ما هو إلا مقدمة لنزعه وسحبه بغية تفريغ مناطق سيطرة الجولاني من أية قطعة سلاح لا تتبع له أو تأتمر بأوامره.
وذكّر أصحاب هذا الرأي بكلام للمنظر الجهادي المعروف أبي مصعب السوري وضّح فيه أن عملية نزع السلاح تتم على ثلاث مراحل أوّلُها إعلان أن المقتضيات الأمنية تتطلب ترخيص السلاح، وثانيها إنزال عقوبات قاسية بحق من يحمل سلاحاً من دون ترخيص، والثالثة تتمثل في ضرورة نزع السلاح وحصره ضمن أماكن معينة.
وتعقيباً على قرار ترخيص السلاح، قال القيادي السابق في “جبهة النصرة” أسّ الصراع في الشام (أبو صالح الحموي) والذي تم عزله قبل سنوات بسبب خلافات داخلية، أن “حكومة الهلاك (إشارة إلى حكومة الانقاذ) تنفذ الأجندة الدولية بل الروسية بدقة”، موضحاً أنه “منذ سنة تفاخر فلاديمير بوتين بأن 15000 مقاتل تركوا السلاح وهم الذين بغت عليهم النصرة”، وتابع “الآن يريدون سحب السلاح من الناس حتى يتركوهم لقمة سائغة للنظام ويسهل عليهم حكمهم”، مشدداً على أنه “في أي معركة هناك ما يقارب 50% من المقاتلين هم مدنيون يشاركون بسلاحهم الخاص”.وأصبح الحموي بعد إقالته من منصب “أمير حماة” عام 2015 من أشد المناوئين لقيادته السابقة في “هيئة تحرير الشام”، وفي الوقت ذاته من أشدّ المقربين من الاستخبارات التركية حيث يواصل الدفاع عن سياسات أنقرة في المنطقة وتبرير أخطائها الخطرة. وعلى ضوء ذلك يمكن فهم لماذا زجّ على سبيل المثال باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تعقيبه ولم يذكر شيئاً عن الموقف التركي من مسألة تنظيم السلاح.
ومع عدم استبعاد أن تكون خطوة الجولاني تهدف في بعض جوانبها، وعلى المدى البعيد، إلى مغازلة أجهزة استخبارات غربية من أجل تعديل تصنيفه من إرهابي إلى “مجاهد من أجل الحرية”، فإن مشروع تنظيم السلاح لا يمكن فصله عن سياسة التنسيق الأمني التي تجمع بين الجولاني والاستخبارات التركية خصوصاً أن الأخيرة أصبحت تشعر بتهديد حقيقي وجدّي يلاحق القوات التركية المنتشرة في محافظة إدلب وأريافها جراء وجود جماعات مسلحة تقوم بعمليات انتحارية ضدها.
وقد تزامن صدور البيان عن وزارة داخلية الجولاني مع استهداف جديد طال رتلاً عسكرياً تركياً يوم الأحد الماضي، وتبنت المسؤولية عنه “سرية أبي بكر الصديق” التي اعتبرت في بيان صادر عنها أن استهداف الرتل التركي جاء رداً على قيام القوات التركية بقتل إمرأة بالقرب من قاعدة المسطومة قبل أسابيع.
كما تزامن البيان مع تعرض موقع تابع لـ”جيش ابي بكر الصديق” في “هيئة تحرير الشام” إلى عملية انغماسية أسفرت عن مقتل أثنين من أمهر مقاتليه.
وكان الشمال السوري قد شهد الشهر الماضي ولادة فصيل أطلق على نفسه “حركة المجاهدين في بلاد الشام” تتلخّص أهدافه بشكل اساسيّ في “إزالة الجولاني” وقتل جنوده المدافعين عنه.
وقد استند البعض إلى هذه المعطيات والوقائع من أجل الحديث عن تقاطع مصالح قوي للغاية بين الجولاني الساعي إلى حماية نفسه وفرض هيمنته، وبين القوات التركية التي تخشى من الوقوع في “مستنقع استنزاف” في حال تكاثرت العمليات ضدها، لذلك التقى الطرفان على ضرورة إيجاد حل لمسألة فوضى السلاح في إدلب وأريافها لمنع أي خطر يمكن أن يهدد مصالح أحدهما، حسب ما ذكرت مصادر خاصة.
وأضافت المصادر أن “الخطوة المعلنة المتعلقة بتنظيم السلاح ترافقت مع خطوة سرية أكثر خطورة يقوم الجولاني بتنفيذها بتكتّم ومن دون ضوضاء” وتتمثل هذه الخطوة في إصرار الجولاني على تنظيم سجل خاص بالمقاتلين الأجانب (المهاجرين) يتضمن اسماءهم الحقيقية وألقابهم وصورهم والجبهات المختلفة التي قاتلوا فيها سابقاً واسماء زوجاتهم وأبنائهم” إلى جانب بيانات أخرى تجعل التعرف على هؤلاء المقاتلين سهلاً ولا يحتاج إلى تحقيقات واسعة. واعتبرت المصادر أن هذا السجل لأسماء المهاجرين لا يقلّ خطورة عن موضوع تنظيم السلاح، بل كلاهما يكمل الآخر ليصبّا في نهاية المطاف في خدمة التنسيق الأمني بين “هيئة تحرير الشام” والاستخبارات التركية.
وقد سارعت “هيئة تحرير الشام” عبر معرفاتها ومعرفات أنصارها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى نفي ما يشاع حول نية الهيئة سحب السلاح جملة وتفصيلاً، مؤكّدة أن “كل ما يتم الترويج له من قبل بعض الصفحات عن نية وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ سحب السلاح من المدنيين في المناطق المحررة هي أنباء منفية وعارية عن الصحة”.
لكن ذلك لم يمنع من اتهامها بالخيانة من قبل نشطاء مقربين منها وكان لهم دور في الدفاع عن توجهاتها في السابق، لكنهم لم يستطيعوا هضم “المشروع الجديد” بخصوص السلاح وتنظيمه. واعتبر أحد هؤلاء الناشطين ويدعى “الأسيف عبدالرحمن” أن الحل المنطقي لمسألة السلاح هي إنزال أقسى العقوبات بمن يستخدمون سلاحهم “للفشخرة” أما التفكير “بسحب” السلاح “فهو ظلم وكارثة ولا يجدر لعاقل أن يكرر تلك التجربة المريرة”.

 

عبدالله سليمان علي: موقع 180 درجة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...