الجيش السوري يحرر عشرة بلدات في الغوطةوالقرضاوي يتدخل لتسوية تناحر الفصائل
تهاوت قرى وبلداتُ القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية بريف دمشق كأحجار «الدومينو» أمام العملية العسكرية الواسعة التي شنّها الجيش السوري وحلفاؤه، فجر أمس، وهو ما دفع بجهات عدة، منها التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين»، إلى الانخراط في المساعي الرامية إلى حل الخلافات بين فصائل المنطقة، في محاولة منها لوقف التدهور العسكري.
وحملة الجيش، وهي مستمرة منذ أشهر عدة، لكنها تعرضت للوقف والتأجيل بضع مرات بسبب احتدام المعارك في مناطق أخرى من البلاد، انطلقت أمس من محاور عدة، من الجهتَين الشرقية والغربية. وكان الجيش قد تمكن، خلال الأسابيع الماضية، من تضييق الخناق على الفصائل المسلحة المتمركزة في المنطقة، من خلال تقدمه باتجاه بالا القديمة والسيطرة على مساحات أخرى من الأراضي على محاور مختلفة.
وكان القطاع الجنوبي، بعد عمليات القصف التمهيدي المتواصلة وتضييق الخناق عليه، قد بلغ مرحلة «النضوج» وينتظر القطاف، وهو الأمر الذي تأخر بسبب فرض «نظام التهدئة» قبل أسبوعين، والذي شمل مناطق ريف دمشق بما فيها الغوطة، كما شمل آنذاك ريف اللاذقية.
لذلك، لم يلقَ الجيشُ مقاومةً كبيرة أثناء تقدمه على محاور الهجوم، واقتحامه الخطوط الأمامية لدفاعات المسلحين التي كانت قد أنهكت سابقاً، حيث سيطر بسرعة كبيرة نسبياً على بزينة وحوش الحمصي من الجهة الشرقية، ومزارع زبدين من الناحية الغربية، ليتوالى بعدها تحرير البلدات والقرى، وهي دير العصافير التي تعد من أهم المناطق في ذلك القطاع، وزبدين وحوش الدوير والبياض وغيرها من البلدات التي بلغ عددها ما يقارب العشر، وذلك وسط اضطرار المسلحين، من فصائل «فيلق الرحمن» و «جبهة النصرة»، للانسحاب باتجاه النشابية وغيرها من قرى عمق الغوطة، خشية إطباق الحصار عليهم.
وتعتبر هذه المنطقة، التي تعرف محلياً باسم منطقة «المرج»، ذات أهمية إستراتيجية لأسباب عدة: الأول، قربها من مطار دمشق الدولي، حيث كانت دير العصافير أقرب نقطة للمسلحين من المطار، وبفقدانها خسر المسلحون منصة مهمة لاستهداف محيطه. والثاني، أن المنطقة ذات أراضٍ زراعية خصبة، وكانت تعتبر بمثابة «السلة الغذائية» التي يعتمد عليها المسلحون لملء مستودعاتهم بالمواد الغذائية. وبحسب المعلومات، فإن آلاف الهكتارات من الأراضي المزروعة بمحصول القمح أصبحت تحت سيطرة الجيش السوري. وسيقف الجيش السوري، بعد السيطرة على هذه المناطق، للمرة الأولى على مشارف عمق الغوطة، ووالوصول إلى العديد من القرى والبلدات التي كانت بعيدة عن متناوله في السابق.
وجاء تقدم الجيش وسط استمرار الصراع بين الفصائل المسلحة في الغوطة، وهو ما دفع هذه الفصائل إلى تبادل الاتهامات حول المسؤولية عن فقدان القطاع الجنوبي، وكلّ طرف كان يتهم الآخر بالتخاذل والعمالة للنظام السوري. كما ساد في أوساط النشطاء الإعلاميين اعتقادٌ مفاده أن الخلافات هي السبب الرئيسي لتقدم الجيش. غير أن المتحدث الرسمي باسم «فيلق الرحمن» وائل علوان أكد، في حديث متلفز، أنه لا علاقة بين الأمرَين، وأن الجيش كان سيتقدم حتى لو كانت الفصائل موحدة. وضرب مثالاً على ذلك ما حصل في بلدة المليحة، العام الماضي، حيث سيطر عليها الجيش رغم أن الفصائل كانت تقاتل ضمن غرفة عمليات واحدة.
وقد يكون العكس هو الصحيح، أي أن تقدم الجيش السوري وتساقط البلدات بين يديه، قد يؤثر بشكل أو بآخر في الصراع بين الفصائل والمسارات التي يمكن أن يسير بها، تصعيداً أو احتواءً، من باب أن أي خطر «ثالث» قد يدفع المتصارعين إلى نسيان خلافاتهم والتركيز على الخطر الذي يتهددهم جميعاً. وعلى الرغم من أن الخلافات بين الفصائل في الغوطة تجاوزت نقطة «اللاعودة»، وأصبح من شبه المستحيل حلّها، خصوصاً بعد سيل الدماء الذي جرى بين الطرفين، إلا أن المساعي لتحقيق ذلك ما زالت مستمرة.
وكان لافتاً أن رئيس «الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين» الشيخ يوسف القرضاوي الذي يُنظر إليه على أنه من أبرز قادة التنظيم الدولي لجماعة «الإخوان المسلمين»، وجّه نداء إلى الفصائل المسلحة في الغوطة الشرقية طالبها فيه بتجاوز خلافاتها والاندماج في ما بينها. وقال: «ينبغي أن يكون فيلق الرحمن جزءاً من جيش الإسلام، وأن يكون جيش الإسلام معبّراً عن فيلق الرحمن. ينبغي أن يندمج الفصيلان ليزدادا قوة». ويؤكد هذا النداء الأبعادَ الإقليمية التي يتشعب إليها الصراع بين «فيلق الرحمن» المحسوب على «الإخوان المسلمين» المدعومين بدورهم من قطر وتركيا، وبين «جيش الإسلام» المدعوم من السعودية.
كما أن العاصمة القطرية الدوحة، التي يتواجد فيها منذ أيام عدة ممثلون عن «جيش الإسلام» و «فيلق الرحمن»، تشهد أيضاً مساعي للتوسط بين الطرفين بهدف حل الخلاف بينهما. إلا أن التسريبات حول مجريات الاجتماعات التي حصلت بين ممثلي الفريقَين تفيد بفشل هذه المساعي حتى الآن. ووفق ما تسرب، قبل يومين، فإن «جيش الإسلام» يصر على صيغة للحل أقرب ما تكون للاستسلام، وهو ما يرفضه «الفيلق». لذلك لم تكن مستغرَبة دعوة «جيش الإسلام» الموجهة إلى قادة الفصائل الأخرى للاجتماع وحل الخلاف في أعقاب التقدم الأخير للجيش السوري، لأن «جيش الإسلام» يعتقد أن «فيلق الرحمن»، بعد هزيمته وعجزه عن الدفاع عن القطاع الجنوبي، أصبح في حالة سيكون مضطراً فيها للقبول بـ «الاستسلام».
وفي محاولة للضغط على «جيش الإسلام» أوعز «فيلق الرحمن» إلى المجالس المحلية في الغوطة لإصدار بيان مشترك يدين «جيش الإسلام» ويرفض «عودته إلى جبهاتنا التي انسحب منها وترك أهلها العزل بمواجهة عصابات (الرئيس بشار) الأسد». وقد وَقَّع على البيان 15 مجلساً محلياً، أي ما يشكل غالبية المجالس المحلية في الغوطة، وهو ما يمكن اعتباره أوسع إدانة يتعرض لها «جيش الإسلام» منذ بداية صراعه مع «فيلق الرحمن».
على صعيد آخر، أعلنت مجموعة من الفصائل عن إطلاق معركة «عصف الريح» في منطقة مثلث الموت، التي تقع بين أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة. وقال بيان صادر عن «ألوية الفرقان» المشارِكة في المعركة إن الهدف منها هو «نصرة داريا والقنيطرة وخان الشيح».
إلى ذلك، أُعلن في الشمال السوري عن تشكيل «جيش العسرة» بقيادة الشيخ عبد الرزاق المهدي. وقال بيان التشكيل إن «الجيش» الوليد يتألف من مجموعات صغيرة عدة ومتفرقة هنا وهناك، من دون أن يسميها. إلا أن مصادر متقاطعة أكدت أن العديد من الفصائل ذات الميول «القاعدية» شاركت في تشكيل هذا «الجيش»، وأهمها «شام الرسول» التي يطغى على عناصرها التكوين المغاربي، و «أنصار الدين» التي تضم عدداً من الشيشان والقوقاز بالإضافة إلى فصيل «فجر الشام» بقيادة أبو عبدالله الشامي.
ويعد الشيخ عبد الرزاق المهدي، أحد أبرز أعضاء «المجلس الشرعي» في «حركة أحرار الشام»، كما أنه من قضاة «جيش الفتح»، لذلك كان من الطبيعي أن يُقَدَّم «جيشُ العسرة» على أنه رديف لـ «جيش الفتح»، إلا أن من شأن ذلك أن يعزز الاتهامات الموجهة إلى «أحرار الشام» بوجود علاقات بينها وبين «القاعدة». والأخطر من ذلك أن المهدي كان من المقربين والداعمين لتنظيم «داعش»، وحتى بعد انقلابه عليه واتخاذه مواقف حادة ضده، حاول مؤخراً إجراء مفاوضات مع قادته بهدف التنسيق معهم لفتح طريق البادية – دمشق أمام الفصائل لمهاجمة العاصمة. كما أن المهدي سبق له أن أصدر فتوى قضى فيها «بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما مرتد عن الإسلام».
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد