الخليج مغلق أمام اللبنانيين
يروي أحد المصرفيّين البيروتيّين أن قريباً له حاول الحصول على تأشيرة زيارة من سفارة دولة قطر في لبنان. اطلع على المستندات اللازمة لتقديم «فيزا» زيارة لقطر عبر الموقع الإلكتروني للسفارة في لبنان، وجهّز أوراقه، ومن ضمن الأوراق المطلوبة حجز لمدّة الإقامة في أحد الفنادق في الدوحة. المفاجأة كانت عندما اتصل الرجل بأحد الفنادق، ليتبلّغ من موظّف الحجز بأنه لا يمكن إعطاء أي لبناني حجزاً في الفندق بناءً على توصية الجهات الرسمية المختصة في قطر.
ووفق رواية أخرى وردت على لسان مسؤول في إدارة رسمية (بيروتي أيضاً)، فإن معلومات مؤكّدة توافرت لديه عن أن السعودية تمتنع عن إعطاء تأشيرات زيارة للبنانيين، باستثناء «فيز» الحج التي جرى التضييق عليها أيضاً إلى درجة كبيرة، وأُخضعت للتدقيق الأمني.
ومن الروايات التي وردت على لسان مدير في أحد المصارف، أن صديقاً له كان في إمارة أبو ظبي وخرج منها على أساس أن يعود لاحقاً بعد إنهاء أعماله في لبنان، ليستكمل أعماله في تلك الإمارة، إلا أن السفارة ترفض منحه الـ«فيزا» منذ أشهر.
كل هذه الروايات تصبّ في اتجاه واحد هو المقاطعة غير المعلنة، رغم أن المسؤولين الرسميين يتجنّبون الحديث عن هذا الأمر علناً، إلا أن عدداً من رؤساء جمعيات أصحاب العمل يتهامسون عن «قرار» خليجي بمقاطعة لبنان؛ ينقل أحدهم عن إدارة رسمية في لبنان أن السفارة السعودية رفضت، أخيراً، 29 طلباً لـ«فيز زيارة» إلى المملكة العربية السعودية، من أصل 30 طلباً مقدّمة في الفترة نفسها.
هذه المقاطعة غير المُعلنة تأتي على مستويات:
ــ المستوى الأول تعميم سفارات دول الخليج على رعاياها بعدم زيارة لبنان، ولا سيما في مطلع الصيف المقبل عندما احتدمت الأحداث الأمنية في شمال لبنان، علماً بأنه في ظروف مشابهة لم تصدر هذه الدول قرارات علنية من هذا النوع أبداً.
ــ المستوى الثاني متصل بعدم إعطاء سمات زيارة للبنانيين.
ــ المستوى الثالث هو عبارة عن ترحيل مقنّع تمارسه هذه الدول تجاه اللبنانيين العاملين على أراضيها.
ــ المستوى الرابع يتعلق بعدم تجديد الإقامات الممنوحة للبنانيين في تلك الدول، وخصوصاً صغار رجال الأعمال والتجّار.
إذاً، هناك أربعة مستويات من المقاطعة الخليجية غير المعلنة تجاه لبنان، لكن أحد الوزراء المتابعين لا يستغرب هذه الظاهرة التي تأتي «على خلفية الأوضاع السورية. فما يحصل لم يبدأ عام 2012، إلا أنه أصبح أكثر وضوحاً مطلع هذا الصيف مع ارتفاع وتيرة الأحداث في سوريا ولبنان».
لهذا السبب، يعتقد رؤساء الهيئات الاقتصادية أن هذه المقاطعة هي عبارة عن تحوّل مقلق في العلاقات اللبنانية ــــ الخليجية، نظراً إلى كونه أول قرار من نوعه تجاه لبنان مبني على خلفية الأزمة السورية المتذبذبة والمتواصلة «على ما يبدو».
واللافت أن كل المحاولات السياسية لتفادي هذا التوتّر في العلاقات فشلت، إن على صعيد الزيارات التي قام بها رئيس الجمهورية ميشال سليمان لخمس دول خليجية، أو زيارة وزير الخارجية عدنان منصور لقطر، وقبلهما الزيارة التي قام بها رئيس مجلس النواب نبيه برّي للإمارات العربية المتحدة بهدف إعادة المُرَحَّلين قسراً ووُعِد خيراً. في كل الزيارات، سمع الرؤساء الثلاثة كلاماً معسولاً من أمراء الخليج، لكنه لم يرقَ إلى الترجمة العملية.
وككل «الظواهر» في لبنان، استقطبت هذه المقاطعة آراء منقسمة في لبنان حتى بين رؤساء هيئات أصحاب العمل أنفسهم؛ فمنهم من يعتقد أن «على اللبنانيين ردّ الجميل لدول الخليج» فيما يؤكد آخرون أن «هذه الدول تحديداً قامت على أكتاف اللبنانيين». الرأي الأخير يصف موضوع «ردّ الجميل» بأنه عمل «استزلامي»، لكن أصحاب الرأي الأول يرون أن بوادر المقاطعة ظهرت إلى العلن إثر أحداث الشمال مطلع الصيف الماضي وأحداث الخطف التي بدأت قبل أسابيع. بين هذين الحدثين، أصدرت سفارات كل من الإمارات العربية المتحدة وقطر والسعودية والبحرين والكويت، بيانات تطلب من رعاياها مغادرة لبنان وعدم التوجّه إليه، حتى إن قطر هدّدت بطرد كل اللبنانيين الذين يعملون على أراضيها في حال تعرّض أحد رعاياها للخطف.
صحيح أن قلق رؤساء جمعيات أصحاب العمل في جزء منه مرتبط بالخوف من تقلّص المساعدات و«المكرمات» المهينة للبنان، لكن لدى هذه الهيئات مؤشرات اقتصادية سلبية ناجمة عن هذا القرار. فمن جهة، يعتمد الموسم السياحي بالدرجة الأولى على السياح الخليجيين، وخصوصاً على الأمراء والأثرياء منهم الذين توقفوا عن زيارة لبنان منذ نحو سنتين. ومن جهة ثانية، فإن تحويلات المغتربين في دول الخليج تمثّل مورداً أساسيّاً تعتمد عليه كثير من الأسر اللبنانية، ويعتمد عليه الاقتصاد في لبنان. فمن أصل نحو 6.7 مليارات دولار تحوّل إلى لبنان (وفقاً لإحصاءات صندوق النقد الدولي)، هناك 70% منها مصدرها مغتربو دول الخليج، ما قد تكون له تداعيات واضحة على الاقتصاد الوطني.
هكذا يكون لبنان قد خسر الإنفاق الخليجي، ومهدّد بأن يخسر جزءاً من تحويلات المغتربين في دول الخليج. فحتى الآن، يسجّل أن إمارة أبو ظبي لا تعطي أي لبناني فيزا عمل أو زيارة، وهذا ينطبق على قطر والسعودية اللتين توصفان، في أوساط وزارة الخارجية، بالرأس المدبّر لكل هذه الحركة.
رغم ذلك، تروي هذه الأوساط أن اللبنانيين يمثّلون العمود الفقري للأعمال في دول الخليج، علماً بأن نظام الكفيل للأعمال لا يزال قائماً في بعض هذه الدول، وبالتالي، فإن الترحيل يتعلق بمصالح الكفيل أيضاً. وحدها دبي تعدّ مستثناة من كل هذا الأمر، ففيما تحاول هذه الإمارة ترحيل التونسيين والمصريين حالياً، لا يزال للبناني مكان هناك في وحشة الغربة.
الأخبار
التعليقات
المشكلة في الاستزلام
إضافة تعليق جديد