الذهب يفقد بريق البيع ويكسب مزيداً من الإعجاب!
لم يكن للارتفاع غير المسبوق في أسعار الذهب والتي وصلت إلى عتبة 982 دولاراً للاونصة ( ما يعادل 1185 ليرة سورية ) إلا أن يلقي بظلاله على حركة البيع والشراء في أسواق الذهب سواء في دمشق أو في المحافظات الأخرى. فالأسعار التي وصفها بعض التجار بالجنونية كانت أكبر من أن تستطيع القدرة الشرائية للمواطن السوري مجاراتها، ما أدى بطبيعة الحال إلى حالة من الركود في السوق خاصة في عمليات الشراء التي اقتصرت – حسب التجار – على شريحة المقدمين على الزواج وحتى هؤلاء اكتفوا باليسير وبقطع رمزية من الذهب، ولعل السائل عن حال السوق لن يتجشم عظيم عناء للحصول على مبتغاه عند التجار، فالكل متفرغ للإجابة والكل يرثي لما آلت إليه الحال والكل يلقي باللوم على الأسعار العالمية التي قفزت خلال فترة وجيزة إلى أضعاف ما كانت عليه.
بداية لابد من الإشارة إلى تأكيد ما ذهب إليه تجار السوق لجهة عالمية ارتفاع الأسعار فقد شهدت أسواق المال العالمية موجة جديدة من حمى شراء الذهب بعد أن تسببت المخاوف بشأن التضخم وركود الاقتصاد الأميركي في ارتفاع أسعار المعدن الأصفر النفيس إلى مستوى قياسي في التعاملات وقفزت أسعار الذهب لتسجل 902 دولار للاونصة. وكان الارتفاع الأخير للذهب يقتفي أثر تراجع قيمة الدولار الذي تراجع في أسواق الصرف منذ بداية العام الجديد، وكذلك القفزة التي شهدتها أسعار النفط.
وتشير التقارير العالمية إلى أن أسعار الذهب ارتفعت أكثر من 30% عنها في العام الماضي مع سعي المستثمرين إلى شراء المعدن النفيس باعتباره ملاذاً آمناً خلال فترة تزايد الغموض بشأن الاقتصاد العالمي. وجاء في تقرير صادر عن المكتب الإقليمي لمجلس الذهب العالمي في الشرق الأوسط أن من أسباب ارتفاع الطلب على الذهب هو الطلب القوي على أهم أسواق الذهب عالمياً.
وأشار التقرير والذي صدر الشهر الماضي عن المكتب الإقليمي لمجلس الذهب العالمي في الشرق الأوسط إلى أن إجمالي الطلب على الذهب في العالم وصل إلى 922 طناً، بارتفاع قدره 27 في المئة عن نفس الفترة من العام الماضي وقدرت قيمتها بنحو 19.8 مليار دولار أمريكي.
الارتفاع العالمي على أسعار المعدن الأصفر انعكس بطبيعة الحال على سعره في الأسواق المحلية، فعلى غير العادة لم يشهد سوق الصاغة الشهير بدمشق حركة في البيع أو في الشراء كالتي عهدها خلال سنوات خلت، فالسوق الذي يضم عشرات محال الصاغة والمجوهرات والذي يعتبر مقصداً لكل راغب باقتناء الذهب خلا في الأيام الماضية من زبائنه إلا ممن اضطرته مناسبة ما للشراء أو للبيع ولعل الدهشة مما وصلت إليه الأسعار كانت الحاضر الأكبر على تجار وزبائن السوق لدرجة دفعت منير _ تاجر ذهب _ للقول: إنه تفاجأ بهذه الزيادة الكبيرة فبين يوم وآخر هناك زيادة جديدة على الأسعار وهذا شيء غير مسبوق... ويضيف منير: إن مثل هذه الزيادة الكبيرة والسريعة لم تحدث إلا في العام 1972 وحتى في ذلك الحين لم تصل الأسعار إلى ما وصلت إليه اليوم.
ولأسباب ارتفاع الأسعار قصتها، وحسب منير فقد خلقت حالة عدم الاستقرار العالمي ووجود اضطرابات في عدد من الدول نوعاً من الخوف لدى رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال وهذا بدوره خلق خللاً في البورصات العالمية ولذلك حدث التوجه للملاذ الآمن وهو الذهب.
ويضيف إن الإقبال على الشراء هذه الأيام قل نتيجة الارتفاع الكبير في الأسعار كما أن هناك انخفاضاً في الكمية المباعة.. وقال: إن نسبة المبيعات تراجعت مع ارتفاع الأسعار.
وزيادة في الأسباب أشار حبيب _ تاجر الذهب في السوق _ إلى فرضية أن يكون الارتفاع الكبير في أسعار النفط هو سبب رئيسي لارتفاع أسعار المعدن الأصفر فالذهب والنفط – حسب حبيب - توءمان وعندما يرتفع أحدهما يتبعه الآخر، إضافة إلى أن هناك أسباباً أخرى فأسعار الذهب مقومة بالدولار، وبالتالي أي تغيير في قيمة الدولار يؤدي إلى انعكاسات في ارتفاع أو تقلص الطلب على الذهب، حيث يزداد الطلب عليه عندما تنخفض قيمة الدولار الصرفية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعاره، مضيفاً لاشك أن الانخفاض الذي يشهده الدولار حالياً في أسواق الصرف المحلية أدى إلى جعل الذهب جذاباً أكثر بالنسبة للمستثمرين والمواطنين على حد سواء، ما أدى إلى حدوث زيادات مستمرة في الطلب ساهمت في ارتفاع أسعاره. وهذا ما يعزز من جاذبية الذهب ويجعله ملاذاً آمناً للكثير من شرائح المجتمع السوري وخاصة أن الذهب يبقى في ثقافتنا المحلية الوعاء الأهم .
أما عن حال السوق يشير حبيب إلى أن الأخير يشهد حالة من الركود غير المسبوق وضعفاً في الإقبال على الشراء نتيجة لهذه الزيادات، وأضاف: أيضاً هناك إحجام عن البيع لأن الكل يعتقد أن أسعار الذهب ستوالي ارتفاعها.
كثير من النقاط التي أشار إليها تجار سوق الصاغة بدمشق وخاصة تلك المتعلقة بأسباب ارتفاع الذهب وانعكاسه على القدرة الشرائية للمواطن السوري أكدها السيد جورج صارجي رئيس جمعية الصاغة والمجوهرات بدمشق والذي بدأ حديثه بوصف الحالة التي وصلت إليها السوق هذه الأيام فلا من يبيع ولا من يشتري محملاً ارتفاع الأسعار مسؤولية ما حدث ويقول: هذا الارتفاع الكبير جعل الناس تنتظر حتى تستقر الأسعار ولهذا تأثير سلبي على حركة المبيعات كان الذهب لا يتعدى ارتفاعه ال500 ل.س وعندما ارتفع إلى حدود ال700 ل.س للغرام بدأ الناس يبيعون ما ادخروه من ذهب لوقت الحاجة وعندما وصل إلى 800 ل.س بدأت تقل حركة المبيعات لأن معظم الناس فرطوا بنسبة كبيرة من ذهبهم ولكن بعد أن قطع الرقم عتبة الألف ليرة لم يعد هناك من يبيع أو يشتري إلا إذا كان مضطراً لذلك.
وكمؤشر على انخفاض المبيعات يشير صارجي إلى أن مبيعات دمشق من الذهب انخفضت خلال الشهور الماضية ففي الوقت الذي كان فيه تجار الذهب بدمشق يبيعون 50 كيلو غراماً من الذهب في اليوم انخفض الرقم ليصل هذه الأيام إلى 5 كيلو غرامات فقط. وعن السبب لفت إلى أن عدداً كبيراً من المواطنين أجّلوا شراء المعدن النفيس في انتظار انخفاض أسعاره، كما أن البعض باع مقتنياته من الذهب قبل أربعة أشهر على أمل استبدالها بعد انخفاض الأسعار. إلا أن ما حصل – كما قال صارجي – عودة الأسعار إلى الارتفاع ووصولها إلى معدلات قياسية غير مسبوقة وهذا ما أجبر شريحة المقدمين على الزواج إلى الاكتفاء بقطعة رمزية من الذهب كخاتم أو ساعة أو استبدال الذهب بهدايا أخرى أقل ثمناً بل حتى تأجيل مناسبات الزواج إلى حين أن تعود الأسعار إلى ما كانت عليه .
ولم يذهب صارجي بعيداً في تحديده للأسباب الكامنة وراء ارتفاع أسعار المعدن الأصفر عن تلك التي افترضها تجار السوق فالتوترات السياسية الحاصلة في العالم وهبوط سعر صرف الدولار أمام العملات الأخرى والارتفاعات المتتالية في أسعار النفط وانهيار عدد من الصناديق الاستثمارية في الولايات المتحدة والطلب المتزايد على الذهب من الصين دفع إلى الاتجاه نحو اقتناء الذهب فعادة ما يستخدم المستثمرون الذهب للتحوط من التضخم وكبديل للاستثمار في العملات والسندات. ولعل هذا ما يدعم – حسب صارجي – التأكيد بأن تواصل الأسعار ارتفاعها خلال الفترة القادمة مدعومة بكل ما أسلف من أسباب لدرجة لم يستبعد فيها أن تتجاوز الأسعار عتبة الـ1000 دولار للأونصة أي ما يعادل 1300 ليرة سورية للغرام الواحد .
ورداً على سؤال عن الجهة والكيفية التي تحدد سعر الذهب في السوق المحلية لفت رئيس جمعية الصاغة: نقوم كل يوم بالاطلاع على أسعار الأونصة من خلال الفضائيات العربية والعالمية ومن ثم نقوم بحساب سعر الغرام الواحد حسب سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار بالدول المجاورة وبالمشاورة مع رؤساء الجمعيات بالمحافظات نقوم بتحديد السعر اليومي للذهب والذي يعمم على كل محلات الصاغة في سورية .
حديث صارجي عن حالة السوق وارتفاع الأسعار هذه الأيام لم يمنعه من التطرق إلى جوانب أخرى لها علاقة بمهنة صياغة وتجارة الذهب في سورية ، فسورية مصنفة من أولى الدول في العالم من حيث العراقة بصناعة الذهب إذ يحتوي المتحف الوطني على مشغولة ذهبية يرجع تاريخها إلى 5000 سنة و مجلس الذهب العالمي يضم 70٪ من السوريين. إضافة إلى 15 ألفاً من المهنيين العاملين في مجال المجوهرات ورغم كل ذلك يعتبر صارجي أن للمهنة ولشيوخها معاناتهم التي لطالما تقدموا بها إلى الجهات المعنية ولكن دون فائدة... وهنا آثر صارجي تكرار هذه المطالب وعلى رأيه ( عسى ولعل ).
رئيس جمعية الصاغة يدعو باسم تجار ومصنعي الذهب في سورية إلى السماح باستيراد الذهب الخام دون رسوم جمركية كما هو حاصل في كل دول الجوار وفي كل دول العالم كما طالب بالسماح باستيراد الذهب المصنع عوضاً عن الذهب الخام، وذلك لسوء التعامل مع المادة الخام والسبب يعود إلى ذوبانه بشكل سريع مقارنة بالمصنع الذي لا يحتاج إلى المزيد من المعالجة وذلك بسبب بيعه بشكل مباشر للمستهلك إضافة إلى أن استيراد الذهب المصنع يحدّ من عمليات تهريب الذهب كما يسمح لصناع المجوهرات الاطلاع على أحدث الموديلات العالمية.
ويضيف صارجي: في حالة الإدخال المؤقت يعملون تعهداً للقطع ويدفعون 8000 ل.س على كل كيلو غرام خام ويجب أن يدفعوا هذا المبلغ خلال ستة أشهر أو يستوردوا به مع العلم أن هناك من يحضر للصائغ الكمية التي يريدها بزيادة 500 ل.س عن السعر العالمي بعيداً عن هذه التعقيدات. كما دعا إلى السماح باستيراد الذهب المصنع على أن تؤخذ رسوم جمركية مقابل هذا الاستيراد ومن شأن ذلك أن يتيح الفرصة أمام مصنعي المجوهرات في سورية للاطلاع على آخر الموديلات العالمية ويحفزهم على الإبداع ويسمح أيضا بدخول الرساميل العربية والأجنبية للاستثمار في سوق المجوهرات السورية ويؤدي إلى تشغيل اليد العاملة.
ويطالب صارجي بالسماح لمصنعي المجوهرات السوريين بالمشاركة في معارض الذهب العربية والدولية وإتاحة المجال لهم لإظهار منتجاتهم والترويج لها وأشار صارجي إلى أن الجمعية قامت بتوجيه العديد من الكتب للجنة الاقتصادية تشرح لها وضع هذا القطاع الضامر وتناشدها أن تلغي الرسوم على الإدخال وترجوها أن تقوم (المصارف السورية بشراء الذهب من الحرفيين والبائعين لعدم صهره وتهريبه إلى خارج القطر ما يؤدي إلى الضرر بالاقتصاد الوطني.. فمادة الذهب الخام يمكن تغيير معالمها بسرعة) وتناشدها أن تسمح لها بسك المسكوكات بجميع أنواعها (بعد أن يتم مهرها من الجمعية والتأكد من صحة عيارها ووزنها).
وفي ختام حديثه أشار صارجي إلى الفوائد الممكن تحقيقها في حال حررت سورية قطاع الذهب من حيث الاستيراد والتصدير والرسوم والإيرادات الحكومية ودمغ المشغولات الذهبية المستوردة والمصنعة محلياً، واستند في تعداد هذه الفوائد على كتاب كان مجلس الذهب العالمي قد وجهه بهذا الصدد إلى رئاسة مجلس الوزراء أشار فيه إلى أنه في حال حررت سورية قطاع الذهب فإن ذلك سيزيد من عائدات الدولة عبر الرسوم الجمركية كما يؤدي إلى تدفق الاستثمارات الأجنبية من دول الخليج إلى سورية من حيث المصانع ومراكز التوزيع، ومن شأن هذا الإجراء أن يسمح للعاملين في قطاع الذهب بممارسة مهنتهم بشكل قانوني وشرعي يؤدي إلى تطوير مهنة الصياغة وإلى تطوير الصادرات السورية من المشغولات الذهبية إلى العالم وهذا بدوره ينعكس على زيادة الدخل القومي لسورية.
تفعيل السياحة مرتبط أيضاً ببعض جوانبه بتحرير قطاع الذهب فحسب صارجي استعمال أسواق الذهب في دمشق وحلب يعتبر عامل جذب سياحي، حيث إن أسواق الذهب في الدول المجاورة تعتبر مقاصد سياحية مهمة وهذا ما يؤدي بالتالي إلى زيادة عائدات الدولة من السياحة على اعتبار أن المشغولات الذهبية تشكل جزءاً مهماً من مشتريات السائح أثناء عودته إلى بلاده، ففي دبي مثلاً أكثر من 75 % من السياح يبتاعون الذهب خلال زيارتهم لها.
ويختم صارجي بقوله: إن موقع سورية الجغرافي وتميز التجار والمصنعين السوريين يؤهلهم للاستفادة من الفرص المتاحة في الدول المجاورة لهم والتي تتميز بعشقها للمعدن الأصفر كإيران والعراق.
عن مجلة المال
إضافة تعليق جديد