السلطة في الإسلام
شغلت نظرية الدولة المؤرخين وعلماء السياسة في أبحاثهم واجتهاداتهم حول أفضل أشكال الحكومات، تلك التي من واجبها القيام برعاية حسن ادارة شؤون ومصالح مواطنيها وأفراد مجتمعها، المتمثلة أساساً في تحقيق رفاهية العيش تحت نظام مركزي قوي يحظى برضا المنتسبين والمنتمين الى اقليم جغرافي معين، يتمتع بالاستقلالية، وتوافر الاقامة الدائمة للجماعة البشرية داخل حدود نطاقه.
نظريات نشأة الدولة هي الباب الأول من الأبواب الستة في معرفة أهمية الدولة كجزء بارز في تنظيم الحياة المكانية والزمانية لعالمنا. افتتح الفصل الأول بتقديم تعريفات متعددة للدولة، اذ اختير منها أربعة، استخلص منها انه كي يتعين وجود الدولة في رأي محمد نصر مهنا مؤلف كتاب «تطور النظريات والمذاهب السياسية» (دار الفجر للنشر والتوزيع، القاهرة) ان يكون المجتمع السياسي قد وصل في تطوره الى الحد الذي يسمح بتحقيق أمرين أساسيين، أولهما: الاستقرار الذي يعمق الشعور بالتضامن بين أفراد المجموعة البشرية. ثانيهما: تطور التنظيم السياسي والاجتماعي يقترب قدر الامكان من الحد الذي يسمح بوجود نظام شبه دائم ومستمر لظاهرة السلطة السياسية.
وبعد تناول عناصر الشعب والاقليم والهيئة الحاكمة عني بتعدد محاولات تفسير أصل الدولة ونشوئها باتجاهات مختلفة وطبقاً لنظريات مرتبطة بهذا الشأن، أهمها نظرية التطور العائلي، والنظريات الدينية أو الثيوقراطية، أعقبتهما نظريات العقد الاجتماعي الشهيرة، وكشف عن السيادة في ذكر بعض الفقهاء السياسيين بأنها القوة القادرة على تحقيق الوحدة السياسية للدولة الدائمة غير الموقتة، التي لا تقبل التجزئة ولا التفويض، والتي لا مجال للمسؤولية عنها أمام سلطة أخرى، علماً ان هناك وجهين للسيادة: السيادة الداخلية التي ينبغي ان تكون لشخص او لجماعة القوة والسلطة القانونية لاصدار الاوامر وفرض الطاعة لسلطتها، فيما السيادة الخارجية تعني ان الدولة لا تخضع لأية سلطة اخرى، وبالتالي فهي مستقلة عن أية ضغوط قاهرة او تدخل من جانب الدول الاخرى. في الفصل الثاني تحت عنوان وظيفة الدولة، انه بدافع بما تستأثر به من سلطة وما تمتلكه من موارد وإمكانات فهي الأقدر على تحقيق الاهداف الاجتماعية والتصدي للمشكلات التي تعجز الجهود الفردية عن مجابهتها بصورة فاعلة.
الباب الثاني في تنظير السياسة في الاسلام والنظم النيابية المعاصرة المجزأ في ثلاثة فصول، عني بأن السيادة في الدولة الاسلامية هي لأحكام الله وحده وسنّة رسوله عليه الصلاة والسلام التي تفصل وتفسر لنا تلك الاحكام القرآنية، ومن هذا النبع الصافي وحده تكون سلطات الدولة اذ لا تعلو على أحكام الله سلطات اخرى، ولا مصدر لتلك السلطات غير القرآن الكريم، بخلاف ان السلطات العامة عموماً كما سبقت الاشارة هي نتاج ما يعرف بالسيادة، فالسيادة هي مصدر السلطات، اذ انه من دون السيادة لا تكون السلطة، فصاحب السيادة هو مصدر السلطات في الدولة.
واذا كان الدستور وتشريعاته أعلى تشريع في الدول الحديثة الصادر عن الهيئات التشريعية مثل البرلمان على اختلاف اشكالها وتسمياتها، فإن القرآن الكريم والسنّة هما المصدران الاساسيان الدائمان لكل تشريع في الاسلام، وينبغي على كل التشريعات والنظم والاوامر ان تتفق معهما. ويفهم كل ما صدر عن اجهزة او مجالس تشريعية في الدولة الاسلامية ليصدر منها الرأي، أو القانون العادي الذي يتفق مع الكتاب والسنّة من اجتهادات فهي لمصلحة الامة الاسلامية وسعادتها. اما شكل مجالس التشريع وكيفية تكوينها وأداء عملها، فهي ترجع الى ما يراه المسلمون في كل عصر ومكان وبما يحقق المصلحة العامة، وليس هناك نص شرعي صريح لكيفية تكوين تلك المجالس التي تشرع للمسلمين وتكون مصدر تشريعاتهم العادية، وإنما ترك ذلك وفق الصالح العام.
ان السلطة التنفيذية هي التي تقوم بتنفيذ القوانين التي صدرت من المجالس التشريعية وذات اختصاصات ادارية وديبلوماسية دولية. وفي نظام الاسلام لا نجد في المصادر الاساسية للشريعة الاسلامية نصاً صريحاً يحدد ويرسم كيفية انتقال السلطة التنفيذية وإنما ترك ذلك لاجتهاد فقهاء وعلماء المسلمين بما يتواءم والمصلحة العامة وسعادة المسلمين. وقد نقلت السلطة التنفيذية في التاريخ الاسلامي بأشكال مختلفة، بداية من تعيين الخلافة الاولى والثانية لكل من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – غبر البيعة الاختيارية، بعكس الخلافتين الثالثة والرابعة اللتين تمتا من طريق الترشيح الاختياري، مما يؤكد ان السلطة التنفيذية ضرورية في ممارستها في حياة المسلمين، وأن الغاء رئاسة الامارة والولاية لم يرد في اجتهاد وأقوال الفقهاء والمفسرين، دلالة على أهمية تأثيرها وحيويتها في توجيه شؤون الرعية، وللإحاطة ان من واجبات رئيس الدولة ان يتولى بنفسه الامور، ولا يعتمد في ذلك اعتماداً كلياً على أمنائه بل يجب مراقبتهم ومتابعتهم، ذلك من طبيعة مسؤوليته أمام الامة وأجهزة الدولة. وقد قسم الإمام المواردي الحكومة الاسلامية على شكل رئيس يعاونه وزراء ويمثله ولاة، والوزارة في رأيه نوعان: وزارة تفويض وأخرى تنفيذ. فوزارة التفويض ان الإمام او رئيس الدولة يفوض وزيراً يقوم بأعمال الدولة، وتقع مسؤولياته تحت محاسبة الرئيس، الذي يقوم بتصحيح وإلغاء ما جانبه الصواب منها. النوع الثاني هي وزارة التنفيذ على رأي الماوردي يؤمر من جانب الإمام مباشرة بالقيام بعمل معين او اداء مهمة معروفة، وبانتهاء هذا العمل او تلك المهمة تنتهي وزارة التنفيذ. وفي ما يخص الإمارة العامة فهي التي يولّي فيها الخليفة او رئيس الدولة اميراً على منطقة معينة، يقوم على مسؤوليتها، وهو في ذلك يتبع وزير التفويض او وزير التفويض او رئيس الوزراء، ولا يجوز عزله الا من الخليفة. بالنسبة الى السلطة القضائية كان الرسول عليه الصلاة والسلام، يتولى القضاء بنفسه، أو يوليه احداً من الصحابة. ولما اتسعت الدولة الاسلامية، أخذ الخلفاء يسيرون على الطريقة نفسها التي اتبعها الرسول (صلى الله عليه وسلّم)، أو يعهدون بمهمة القضاء الى غيرهم ممن يختارون لذلك. فالسلطة القضائية تابعة للسلطة التنفيذية وغير منفصلة عنها، كون الحاكم هو الذي يعين القضاة وله صلاحيات عزلهم، والجديد في السلطات في نظام التشريع الاسلامي أنها غير قابلة لاستقلاليتها وفصلها لأن مصدر التشريع كله من عند الله تعالى، ولا يشرع الا بما يوافق القرآن الكريم والسنّة النبوية.
الفصل الثاني حول النظم النيابية المعاصرة المرتكزة على السلطة التشريعية ووظائفها المتعددة، في صدارتها الوظيفة التشريعية من خلال مهمة هيئة برلمانية او مجلس منتخب او معين يقوم بتقنين رغبات اجتماعية على شكل تشريعات ملزمة للصالح العام، على اساس كاف من التشاور مع السلطة التنفيذية. كما تمارس السلطة التشريعية الوظيفة الرقابية على عمل الجهاز الحكومي التنفيذي، الى جانب الوظيفة القضائية. وثمة حقوق يلتزم بها النظام التشريعي بما يتعلق بحق الاستفتاء الشعبي، وحق الاقتراح وحق الاعتراض. يختتم الفصل الثالث بفلسفة الاحزاب السياسية بمزايا تعددها ومساوئها.
الباب الثالث انطوى على نظريات السيادة وجهود جان جاك روسو. أما الباب الرابع فعولجت فيه مسألة الديموقراطية للنظام السياسي بصورة موسعة، بدءاً من تعريفها وتطورها التاريخي وكذلك الانتقادات ضدها. ثم انتقل بنا الى التنظير في الرأي العام المعاصر في الباب الرابع رأي جماهير الشعب بكل فئاته وطبقاته باعتباره عنصراً اساسياً من عناصر تكوين الدولة، ويكمن هذا الرأي في صوغ سياسة الحكومات والتأثير في اتجاهها. في الباب الخامس جمع فيه بين النزعة العلمية للدراسات السياسية بالتركيز على مقدرة اليسار الجديد في المشاركة وبين وجهة نظره في الرأسمالية، ثم مرحلة القلق الايديولوجي في الغرب بحصرها في موضوع التغيير والاستمرار الى جانب النظرية السياسية كنشاط فكري. التحديث السياسي خاتمة لكل الأبواب، أورد فيه ان السلطة السياسية لها الحق المشروع والمقبول في استخدام الإكراه، الذي تبنى وتؤسس عليه علاقة الامر والطاعة، موضحاً ان النظام السياسي يتضمن المؤسسات الحكومية والتجمعات والهيئات الحزبية والتنظيمات الحركية الشعبية.
كمال حميدة
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد