السنيورة ومشرف: نموذج غير مشِّرف
ما الذي يجمع بين الرئيس الباكستاني برويز مشرّف والرئيس فؤاد السنيورة؟ الجواب بسيط: تلقّى الأوّل تهديداً أميركياً غداة أحداث 11 أيلول، بإعادة بلاده «إلى العصر الحجري» ما لم يتعاون مع الغزو الأميركي لأفغانستان. وتلقّى الثاني غداة خطف الجنديين الإسرائيليين تهديداً بإعادة لبنان «عشر سنوات إلى الوراء». أبدى الأوّل استعداده للتعاون، وأعلن الثاني أنّ حكومته «لا تتبنّى» الخطف.
يعترف مشرّف أنّ التهديدات الأميركية التي نقلها ريتشارد أرميتاج إلى مدير الاستخبارات الباكستانية كانت «فظّة». وعلى الأرجح، لم تكن لهجة كوندوليزا رايس في بيروت أقلّ فظاظة. يبرّر مشرّف سلوكه في تصريح لشبكة «سي بي اس» التلفزيونية قائلاً: «على المرء أن يفكّر ويتّخذ الخطوات التي تصبّ في مصلحة الوطن، وهذا ما فعلته». يمكننا القول إذاً إنّ برويز مشرّف تصرّف كـ«رجل دولة». وهذا قاسم مشترك آخر مع الرئيس السنيورة الذي فكّر في مصلحة الوطن، ولم يتبنَّ «المغامرة»!
ينبغي الاعتراف أنّ مهمّة الرئيس الباكستاني كانت أكثر سهولة. فما طُرح عليه في نهاية الأمر هو المشاركة في اعتداء على دولة مجاورة، لا «تغطية» اعتداء على شعبه. لكنّ المسألة لم تتوقّف هنا. فما لبثت القوات الأميركية أن استباحت منطقة القبائل الباكستانية على الحدود مع أفغانستان. يومها، لم يتورّع الجنرال مشرّف عن الإعلان في إحدى مقابلاته الصحافية: «كلا، لا أعتبر هذا خرقاً للسيادة الباكستانية». انزلق الرئيس الباكستاني سريعاً إلى درجة أكبر من التورّط في صداقته للولايات المتحدة الأميركية، فاندفع إلى «تغطية» الاعتداء على جزء من أرضه وشعبه. اليوم، وبعد الكشف عن تهديدات أرميتاج، ازدادت علامات الاستفهام في باكستان حول معاني تلك الصداقة.
ومن الآن حتّى الكشف عن محاضر الاجتماعات الأميركية اللبنانية، يمكننا الملاحظة أنّ الأميركيين قد روّجوا، خلال العدوان الأخير على لبنان، لمعادلة إنزال أقسى أنواع الضربات بحزب الله، ودعم الحكومة اللبنانية في الآن نفسه. وحين كانت الأسلحة الأميركية تقتل المدنيين في الجنوب، كان فؤاد السنيورة يعانق السيّدة كوندوليزا رايس. بكلام آخر، وبصرف النظر عن التصريحات، ارتضى السنيورة التأويل الأميركي للهجوم الإسرائيلي. فما من اعتداء على لبنان، الاعتداء على حزب الله. وبإمكانهم بالتالي أن يؤيّدوا قصف جزء من البلاد، وقتل جزء من الشعب، وأن يكونوا حلفاء للحكومة اللبنانية. سبق لبرويز مشرّف أن ارتضى الأمر نفسه بالنسبة إلى منطقة القبائل الباكستانية حين كانت تُدكّ في حرب رأى مشرّف أنّه يستطيع استغلالها من أجل توسيع سلطة الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها، وخصوصاً منطقة القبائل التي ما زالت تأبى تسليم أمنها للجيش الباكستاني (الذي يملك، بالمناسبة، سلاحاً نووياً).
هذه القواسم المشتركة الثلاثة ليست مدعاة فخر للحكومة اللبنانية ورئيسها. فمشرَّف ليس نموذجاً مشرِّفاً، ناهيك عن أنه نموذج غير قابل للتعميم. ومن الصعب إيجاد أمثلة أخرى عن دولة لا ترى الاعتداء على جزء منها مسّاً بسيادتها، مهما بلغت المشاكل السياسية بينها وبين قاطني ذاك الجزء.
لكن، أيّاً يكن الأمر، ها هو الجنرال مشرّف، وبعد كلّ ما جرى، يجلس الآن مع الرئيس الأميركي جورج بوش ليقول له: «SORRY». فالرئيس الباكستاني قرّر سحب جيشه من منطقة القبائل، وترك لها مهمّة السهر على أمنها. فعل مشرّف ذلك على الأرجح لأنّ هذا هو النموذج الوحيد الذي يجعل تلك المنطقة جزءاً من باكستان، لا جزءاً غريباً عنها. إنّ هذا بالضبط هو السيناريو الذي لا يرغب السنيورة في رؤيته. وهذا هو السيناريو الذي لا يرغب كثيرون في فهمه.
خالد صاغيّة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد