الشــعر ينافــس الأنوثــة
جوبه »ملتقى شاعرات عربيات، ٤٨ ساعة شعر«، الذي أقيم في دمشق أخيراً بتدبير من الشاعرة السورية هالا محمد ومديرة دار الفنون رحاب ناصر، باعتراضات هامسة شتى، أبرزها نظرَ إلى الملتقى كنوع من (حَرَمْلِك) شعري، وقد زاد من حدة هذه النظرة أن كثيراً من الأصوات المشاركة كانت تفتقر إلى نضج في التجربة الشعرية، وتراوحت بين بلاغة منبرية، كما لدى السعودية أشجان الهندي، وبلاغة حسيّة ألهبت مخيلة المتفرجين (بالمعنى الحرفي لكلمة المتفرجين)، كما لدى اللبنانية لوركا سبيتي، وقد بدا ال CV المرافق لقصائدها فاتناً هو الآخر (والذي يقول إنها تنقلت بين التربية البدنية والرقص والفلسفة، والشعر طبعاً). الانتقاد الآخر، وهو يرافق كل نوع من هذه الفعاليات بشكل دائم، يتعلق بالتمثيل؛ من يمثل هذا القطر أو ذاك شعرياً، كما لو كان الملتقى الشعري نوعاً من جامعة دول عربية. لكن الملتقى نجا بجلده بنزع أل التعريف من اسمه، فظلت الشاعرات »شاعرات عربيات« وحسب، من دون أي ادعاء آخر.
من الواضح أن الملتقى لم يراسل وزارات الثقافة العربية، ولذلك جاءت الشاعرات غير رسميات، وهذه هي ميزة الملتقيات الخاصة المستقلة التي تبحث في ما وراء الرسمي والمكرس، الاختيار جاء نتيجة جهود خاصة وذائقة شخصية (أو أكثر) اختارت لينا الطيبي (سورية)، نجوم الغانم (الإمارات)، داليا رياض (العراق)، بانة بيضون (لبنان)، نوال العلي (الأردن)، أشجان الهندي (السعودية)، وفاء العمراني (المغرب)، فاطمة قنديل (مصر)، سمر عبد الجابر (فلسطين)، لوركا سبيتي (لبنان)، بروين حبيب (البحرين)، وهالا محمد (سورية). تقول هالا محمد: »كانت الرغبة في أن نأتي بشاعرات وأسماء جديدة غير مكرسة. كان واحداً من هموم الملتقى أن يعطي فرصة القراءة لأصوات لم تطل على الجمهور من قبل، هكذا اختيرت سمر عبد الجابر، التي تقف لأول مرة في حياتها على المنبر، وبانة بيضون التي تأتي إلى سورية للمرة الأولى. كنا نطمح أيضاً إلى وقوف أجيال بعضها إلى جانب البعض الآخر، كما وقفت نجوم الغانم إلى جانب سمر عبد الجابر«.
اللافت، بل المدهش في الملتقى جاء بالضبط من الأصوات الجديدة. نعرف أن كثيراً من الكتابة ليس للمنبر، والمنبر قد يضفي حُسناً لا نجده في الكتابة، أو يخرّب ما هو حَسن. الأصوات الأبعد، الهامشية كانت الأكثر حظوة بالإعجاب: داليا رياض، بانة بيضون، سمر عبد الجابر، ونوال العلي. وسوى الأخيرة، التي أطلت بثقة وخبرة واضحة مع المنبر، وقارب أداؤها شكلاً مسرحياً أكثر من كونه مجرد إلقاء، فإن الثلاثة الأخريات كان لهن إطلالة مرتبكة، خجولة، إطلالة أنثوية بحق، ولكنها إطلالة شعر قبل كل شيء، والعودة إلى الديوان الذي أصدرته »دار الأوس«، راعية الفعالية، وجمع بعضاً من قصائد الشاعرات، تؤكد ولا تنقص من مواهبهن. ذلك لا ينتقص طبعاً من تجارب معروفة كتجربة المصرية فاطمة قنديل والسورية هالا محمد، لكنّا نحسب أن الشابات الثلاث هن إنجاز الملتقى واكتشافه.
من يزعل إذاً حين يفتح شباك، نطلّ منه (لا نتلصص) على أشعار (لا أسرار) النساء؟ في ملتقى يضيف لمسة إلى المشهد الثقافي في سورية، وربما في الوطن العربي مستقبلاً؟ إن التفاف الجمهور حول الملتقى، وقد كان جمهوراً نوعياً بالفعل، يؤكد هذه اللمسة التي يحتاج إليها المشهد. مع إعداد متقن للفعالية التي حظيت ببيت شاميّ قديم جميل يحتضنها، وبعازفة هارب (رهف شيخاني) زاد حضوره (الهارب) وحضورها من حلاوة الأمسيات، إلى إخراج وطقس إضاءة لطيف (صممها المخرج عبد المنعم عمايري).
يبقى أن عنوان الـ»٤٨ ساعة شعر« ظل ناقصاً، بالنسبة إلى الجمهور على الأقل، الذي كان من المفيد أن يستفيد على هامش الأمسيات، من ندوات ونقاشات حول الشعر والقصائد المشاركة وغيرها. ومفيد أيضا إلقاء نظرة على المشهد الشعري في سورية، وقد رحنا نتذكر بالفعل أصواتاً شعرية عديدة في سورية كان يمكن أن يكون لها حصة موازية في مشهد الشعر. سوى أن إذاعة »شام MF « النشطة ساهمت في الحدث على طريقتها، وملأت فراغاً في الـ »٤٨ ساعة« حين سجلت وبثت لكل شاعرة قصيدة.
راشد عيسى
المصدر: السفير
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد