الصين في بحر العرب: اليمن على خريطة «الحزام والطريق»
سلّطت المناورات البحرية المشتركة التي جرت في الأسبوع الأخير من العام 2019، بين كلّ من روسيا والصين وإيران في بحر العرب والمحيط الهندي، الضوء على تعاظم الدور الصيني في المنطقة. وتأتي مشاركة بكين، للمرة الأولى، في مناورات مع العاصمتين الأخريين، في سياق تطور متسارع في بنيتها العسكرية، ابتداءً بالترسانة الصاروخية التي كَشَفت عنها أخيراً، مروراً بإدخالها في الـ18 من الشهر الماضي أول حاملة طائرات صينية الصنع إلى الخدمة الفعلية، وليس انتهاءً بتجربة صاروخ «لونغ مارش 5» الذي يفتح الآفاق المستقبلية أمام برنامجها الفضائي. كما تأتي هذه المشاركة تحت وطأة الحرب التجارية التي تفرضها الإدارة الأميركية الحالية على الصين. وانطلاقاً من هذا السياق، تُقرَأ في المناورات رسالة استعراض للقوة مُوجّهة إلى الخصم الأميركي.
أما في الاعتبار المكاني، فقد تكون الرسالة الأهم من المناورات شمولها ثلاثة مضائق عالمية تُسمّى «المثلث الذهبي»، وهي باب المندب ومضيق هرمز ومضيق ملقا. وإن كان مضيق هرمز يمثل أهمية كبيرة لدوره في تدفق النفط إلى دول العالم، فإن باب المندب، الذي لطالما كان من أبرز أسباب الصراع الذي عاشه اليمن عبر التاريخ، يمثل اليوم أيضاً واحداً من أهمّ عوامل النزاع، لا سيما بالنظر إلى حجم القوات الدولية التي تم الدفع بها إلى المنطقة بحجة حماية خط الملاحة الدولي في هذا الممرّ، ومنطقة البحر الأحمر وخليج عدن. ويُصنّف اليمن على أنه دولة بحرية، إذ إن لديه شريطاً ساحلياً بطول 2200 كيلومتر يحيط به من الغرب والجنوب، وعلى امتداده موانئ مهمة وعشرات المدن الساحلية والجزر الحيوية في بحرَي العرب والأحمر. موقعٌ متميّز أضفى عليه بعداً إضافياً الحضور المتجدّد للصين بعد غياب طويل عن المنطقة، حيث تسعى بكين في إيجاد موطئ قدم لحماية مصالحها، وتأمين تجاراتها من خلال حماية الممرات المائية.
وافتتحت الصين، في صيف عام 2017، أول قاعدة عسكرية لها خارج حدودها في جيبوتي (مقابل باب المندب من الجهة الأفريقية)، لاستخدامها في إمداد سفن القوات البحرية التي تشارك في مهام حفظ السلام والإغاثة قبالة سواحل الصومال واليمن. ووفقاً لتقارير غربية صدرت في خلال الأسبوع الماضي، فإن الصين تسعى إلى توسيع نفوذها في الشرق الأوسط، وتثبيت نفسها كقوة عظمى في منطقة البحر الأحمر وخليج عمان، إضافة إلى المحيط الهندي. ومن هنا، يبدو لافتاً انخراطها المتزايد في الملف اليمني في الأشهر الفائتة، والذي يتركّز بشكل أساسي على خلق منطقة نفوذ لأسباب تجارية في الغالب، خصوصاً على الشواطئ اليمنية. ولعلّ هذا هو ما يفسّر النشاط المكثف للسفير الصيني في اليمن، كانغ يونغ، المقيم في العاصمة السعودية الرياض، وعقده لقاءات متواصلة مع المسؤولين اليمنيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية والفكرية، وطرحه عليهم استعداد بلاده لإعادة إنعاش الاقتصاد اليمني والمشاركة في إعمار ما دمّرته الحرب.
وأدى الصراع بين ما يسمى «الشرعية» ودولة الإمارات إلى تلويح الأولى بشكل دائم باللجوء إلى الصين، ومنحها امتياز تشغيل وإدارة ميناء عدن جنوب البلاد، والذي يجذب اهتمام بكين ويُعدّ محورياً ضمن خطة «طريق الحرير» الصينية. وكان هادي أنهى، عام 2013، عقد «شركة موانئ دبي العالمية» في ما يتعلق بالميناء المذكور، بعدما جرى إضعاف نشاطه بصورة متعمدة من قِبَل الشركة. كما وقّع اليمن، في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، على اتفاقية توسعة وتعميق محطة الحاويات في ميناء عدن بين «مؤسسة موانئ خليج عدن» و«الشركة الصينية لهندسة الموانئ المحدودة»، وذلك في إطار زيارة هادي للصين. وشملت الاتفاقية المذكورة إدارة ميناء شنغهاي للمنطقة الحرة في عدن، وإنشاء شركة نقل بحري خفيف ومتوسط بين البلدين، فضلاً عن بناء رصيف إضافي بطول ألف متر وعمق 18 متراً، وتعميق وتوسعة القناة الملاحية الخارجية بطول 7400 متر وعرض 250 متراً وعمق 18 متراً، إضافة إلى القناة الملاحية الداخلية بطول 3800 متر وعرض 230 متراً وعمق 18 متراً. وكان من المفترض، وفق الاتفاقية، أن يبدأ تنفيذ المشروع عام 2015، إلا أن الجانب الصيني أوقفه بسبب اندلاع الحرب. ويُعدّ اليمن جزءاً من «مشروع الحزام والطريق» الذي أطلقته الصين عام 2013، وسمّته «المشروع الكوني»، وهو عبارة عن خطة صينية لإحياء طريق الحرير القديم، بتكلفة تريليون دولار.
وتعترف الصين بـ«شرعية» الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، إلا أنها تقيم علاقات متوازية مع مختلف الجهات والأحزاب السياسية اليمنية الفاعلة في الشمال والجنوب، بمن فيها «أنصار الله». وفي هذا الإطار، عزّزت بكين، خلال العام 2019، علاقاتها مع الحركة، التي يجتمع السفير الصيني بشكل منتظم مع ممثليها في سلطنة عمان. وقد كانت لافتة الرسالة التي بعث بها السفير إلى عضو «المجلس السياسي الأعلى» في صنعاء، محمد علي الحوثي، نهاية الأسبوع الماضي، وتطرق فيها إلى قضية شينجيانغ، حيث قال إن حكومة بلاده ترعى الحرية الدينية لقومية الأويغور، واصفاً ما يشاع في وسائل الإعلام حول هذا الموضوع بأنه «كثير من الأكاذيب والأخبار المزيفة». واتهم الولايات المتحدة والدول الغربية بالوقوف وراء هذه الهجمة الإعلامية على بلاده، بهدف «زرع الخلافات والإضرار بعلاقات الصداقة بين الصين واليمن والدول العربية والإسلامية». وختم بأن بلاده لن تسمح لأيّ دولة بالتدخل في الشؤون الداخلية الصينية، مثلما لن تسمح بزعزعة علاقات الصداقة تلك.
لقمان عبدالله - الأخبار
إضافة تعليق جديد