الكشف عن قضية أخفتها إسرائيل : انتحار أو اغتيال عميل أوسترالي للموساد في السـجن
بعدما عصفت شبكة الانترنت بالأنباء حول قضية أمنية أفلحت أجهزة الأمن الإسرائيلية في إخفائها طوال أكثر من عامين خرجت الصحف الإسرائيلية أمس بعناوين رئيسة عنها. وصار «مسموحاً نشر» أن عميلاً أوسترالياً يعمل لجهاز الموساد، يدعى بن زايغر، كان معتقلاً تحت اسم آخر في السجن الإسرائيلي وُجد مشنوقاً في زنزانته الأمر الذي أثار شكوكاً حول اغتياله. وليس مستبعداً أن تكون للمنتحر الأوسترالي صلة بفضيحة اغتيال الناشط في حماس الشهيد محمود المبحوح في دبي، والتي حصلت في وقت قريب من موعد اعتقال زايغر.
لكن نشر القضية، والجدالات التي أثيرت حولها في إسرائيل والعالم، خلقت انطباعاً بأن الرقابة العسكرية الإسرائيلية لا تزال تعيش في القرن الماضي، وأنها تجد في موقع «غوغل»، وموقعي التواصل الاجتماعي «فايسبوك» و«تويتر» ومواقع انترنت أخرى، عدواً لها. لكن الفضيحة الأكبر تمثلت في تعاون القضاء الإسرائيلي مع جهاز الأمن في التغطية حتى على انتهاكات قانونية وإنسانية.
ويعود الفضل في إجبار الرقابة الإسرائيلية على السماح بنشر تقارير عن مقتل أو انتحار العميل الأوسترالي إلى أعضاء كنيست يساريين وعرب استغلوا حصانتهم البرلمانية لكشف المسألة في الكنيست عبر توجيه استجواب لوزير العدل يعقوب نئمان. وأفشل كل من أعضاء الكنيست زهافا غالئون من حركة «ميرتس»، ودوف حنين من «الجبهة الديموقراطية للسلام»، وأحمد الطيبي من «القائمة العربية» مساعي ديوان رئاسة الحكومة لإبقاء القضية طي الكتمان. وكانت رئاسة الحكومة الإسرائيلية قد استدعت رؤساء تحرير الصحف، وطلبت منهم الالتزام بأمر حظر نشر أي معلومات عن «القضية الأمنية المحظور نشرها».
وسأل أعضاء الكنيست هؤلاء عن «القضية المستورة»، مستغلين بذلك الحصانة البرلمانية الجوهرية التي تسمح لهم عملياً بانتهاك القانون إذا كان ذلك يخدم حيوياً أداءهم لمهماتهم. ويسمح قانون الحصانة الإسرائيلي لأعضاء الكنيست بإثارة قضايا في الكنيست محظور نشر أي شيء عنها في وسائل الإعلام، كما يسمح لوسائل الإعلام بعدها باقتباس كلامهم ونشره.
وسأل الطيبي وحنين وغالئون عما إذا كان «معتقلا انتحر في السجن من دون أن يعلم أحد بوجوده؟»، و«هل الأوسترالي صاحب الهوية المختلقة انتحر في السجن؟»، و«هل هناك في إسرائيل معتقلون يعتبر اعتقالهم سراً؟». ورداً على تلك الأسئلة، أجاب وزير العدل بأنه «إذا كان ما نشر صحيحاً فإن الأمر يستحق التحقيق»، مضيفاً ان كل مسألة السجون لا تقع تحت سلطة وزارة العدل. وتابع «أنا لا أعرف كيف أرد على أسئلتكم. بل يجب توجيهها إلى وزير الأمن الداخلي، وهو المسؤول عن السجون».
وبالرغم من أن الصحف الإسرائيلية كانت قد نشرت في تشرين الأول العام 2010 خبر انتحار معتقل في أحد السجون الإسرائيلية، وألمحت إلى دور للموساد في ذلك، إلا انها اضطرت إلى إزالة هذه الأخبار عن مواقعها بأمر قضائي. وذهب مدون أميركي مشهور متخصص في الشؤون الإسرائيلية إلى الإعلان عن أن القتيل لم يكن سوى الضابط الإيراني المختفي علي أصغري، لكنه سرعان ما أعلن عن خطئه، وبرره بأن جهات معنية بتشويش مسألة الانتحار دست له الخبر.
وقبل أيام عادت الصحف الأوسترالية إلى إثارة أمر الانتحار كاشفة النقاب عن أن الضحية لم يكن إلا مواطنا أوستراليا عمل في صفوف الموساد، وكان في السجن تحت اسم «السجين إكس». ولكن تحقيقاً لقناة «اي بي سي» التلفزيونية الأوسترالية أظهر أن المعتقل ليس سوى أوسترالي والد لطفلين، وكان يعمل جاسوساً لإسرائيل، وأن قصة الانتحار تمتلك كل مقومات القصص البوليسية، والغموض يحيط بالدافع: انتحار أم قتل.
وبحسب التحقيق الأوسترالي فإن المعتقل المنتحر في العام 2010، والذي أرسلت جثته للدفن في ملبورن في أوستراليا، كان بن زايغر، وقد حمل أيضاً اسماً عبرياً بعد هجرته إلى إسرائيل، وهو بن ألون، لكنه يحمل في جوازه الأوسترالي اسم بن ألان.
وقد انضم زايغر إلى صفوف الموساد، وعمل فيها إلى حين اعتقاله في إسرائيل بتهم أمنية. وبالرغم من أن تحقيق الشبكة الأوسترالية أذيع قبل أيام، إلا أن وزارة الخارجية الأوسترالية أكدت أنها لا تعلم شيئاً عن الأمر وأنها سوف تطلب توضيحات من إسرائيل. وسرعان ما تبين أن مسؤولاً في السفارة الأوسترالية في تل أبيب كان قد اطلع على أمر الاعتقال، إلا انه لم يبلغ حكومته بذلك، الأمر الذي يتطلب من أوستراليا نفسها البدء في تحقيق أمني شامل في القضية.
وتجدر الإشارة إلى أن الموساد الإسرائيلي سبق واستخدم جوازات سفر أوسترالية في عمليات أمنية كان آخرها اغتيال الناشط في حماس محمود المبحوح قبل أشهر قليلة من انتحار أو اغتيال زايغر.
واتهم التحقيق التلفزيوني الأوسترالي إسرائيل ليس فقط بإخفاء المعلومات حول وفاة زايغر، وإنما أيضاً بتشويشها. وهكذا فإنه حتى بعد السماح بنشر تفاصيل المسألة قرر وزير الأمن الداخلي اسحق أهرونوفيتش عدم المثول أمام الكنيست حتى لا يُسأل عن القضية.
عموماً، وفقاً لما نشر في أوستراليا، فإن زايغر كان عند وفاته في الـ34 من عمره وهو متزوج من إسرائيلية وأب لطفلين. وقد تم العثور عليه مشنوقاً في زنزانة هي بين الأشد حراسة ومراقبة في إسرائيل، وتم دفنه في ملبورن بعد أسبوع من وفاته. وأشار التحقيق إلى أن قضية زايغر هي واحدة من «أشد الأسرار حساسية في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي».
وتجدر الإشارة إلى أن اغتيال المبحوح والفضيحة الدولية لإسرائيل وقعت في كانون ثاني العام 2010. وتم اعتقال زايغر منذ مطلع العام 2010، ووضع في زنزانة، أعدت أصلاً لقاتل إسحق رابين، في عزلة تامة. وحظر حتى على سجانيه معرفة اسمه كما حظر نشر أي تفاصيل عنه. وزاد مقتل زايغر الغموض حول عمله في الموساد، خصوصاً أن عائلته أيضاً رفضت التعاون مع التحقيق التلفزيوني.
وترى أجهزة الأمن الأوسترالية أن يهود أوستراليا بين أبرز المرشحين للعمل في أجهزة الأمن الإسرائيلية. وغالباً تطلب الأجهزة الإسرائيلية من اليهود الأوستراليين المرشحين للعمل معها تغيير أو تعديل أسمائهم لإزالة أي شبهة بأنهم يهود، وبعدها يتم إرسالهم إلى الدول العربية وإلى إيران بجوازات سفر جديدة ومعدلة في مهمات خاصة.
وبحسب مسؤول أمني أوسترالي فإن أوستراليا ونيوزلندا دول مثالية كغطاء استخباري، لأنها «دول بريئة، نظيفة، وطيبة. وهذا يساعد في العمل الإستخباري». ويؤكد هذا المسؤول أن سبب اعتقال زايغر في إسرائيل «يتعلق بالضرورة بالتجسس، الخيانة، معلومات بالغة الحساسية ربما تشكل خطرا أمنياً على إسرائيل إذا كُشفت».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد