المصالح الأميركية والإسرائيلية في التفجيرات الروسية
الجمل: تحدثت الأخبار المتداولة بأن العاصمة الروسية موسكو قد شهدت صبيحة اليوم 29 آذار (مارس) 2010م حدوث انفجارين أٍسفرا عن مقتل 39 شخصا إضافة إلى إصابة العشرات بالجراح بما يمكن أن يترتب عليه ارتفاع عدد القتلى خلال الساعات القادمة: فما هي دلالات وأبعاد هذه الانفجارات؟
ماذا تقول المعلومات الميدانية؟
تطرقت التقارير الأخبارية الصادرة من موسكو إلى حدوث انفجارين, صباح اليوم, وتحديدا في الأماكن الآتية:
• الانفجار الأول: حدث في محطة مترو لوبيانكا الواقعة في وسط موسكو, والقريبة من مبنى رئاسة جهاز الأمن الفيدرالي الروسي, (نفس مبنى جهاز المخابرات السوفييتية السابق-كي جي بي), وقد قتل في الانفجار 25 شخصيا, منهم 14 كانوا موجودين داخل المقطورة, و11 كانوا موجودين في صالة المحطة.
• الانفجار الثاني: حدث في محطة مترو بارك كالتوري, وأسفر عن مقتل 14 شخصا.
أكدت المعلومات الروسية الأولية, بأن الانفجار الأول حدث في الثامنة صباحا بتوقيت موسكو, وبعد مرور 40 دقيقة حدث الانفجار الثاني, وأضافت المعلومات بأن الانفجار الأول قد استهدف المقطورة الثانية, والانفجار الثاني استهدف المقطورة الثانية أيضا, مع ملاحظة أن توقيت الانفجارين في الوقت الذي تكتظ فيه محطات المترو, وأشارت المعلومات إلى أن المؤشرات الأولية تفيد لجهة أن الانفجار الأول نفذته انتحارية, والثاني نفذته أيضا انتحارية, الأمر الذي يشير إلى التطابق الشديد بين الانفجارين, يدل بشكل واضح إلى أن جهة واحدة قامت بالتخطيط وعملية التنفيذ.
إلى من تشير أصابع الاتهام؟
سارعت التقارير الغربية, وتحديدا الصادرة في الولايات المتحدة الأميركية, إلى توجيه أصابع الشكوك والاتهام إلى الحركات الإسلامية المسلحة الناشطة في منطقة القوقاز الشمالي (الشيشان-أنغوشيا-كاباردينوبلغاريا-أوسيتيا الشمالية-داغستان-شركيسيا) باعتبارها المسئولة عن هذه الانفجارات, وإضافة لذلك سعت هذه التقارير إلى الربط بين هذه الانفجارات, والانفجارات التي حدثت خلال السنوات الماضية, وتحديدا انفجار عام 2004م الذي استهدف محطة المترو في موسكو, وأسفر عن مقتل 39 شخصا, وجرح 100 آخرين.
لم تقم السلطات الروسية بتوجيه أي اتهام ضد جهة أو طرف محدد, واكتفت التصريحات الروسية الرسمية بإدانة الانفجارات ووصفها بأنها تمثل عملا إرهابيا, إضافة إلى التأكيد بأن التحقيقات ما تزال جارية لمعرفة الحقائق وتحديد المسئولية, هذا وبرغم الموقف الروسي الرسمي, فقد ظهرت بعض التصريحات بواسطة الخبراء الأمنيين والاستراتيجيين الروس, والتي سعت إلى التأكيد بوجود المزيد من الأطراف المحلية والدولية والإقليمية في هذه التفجيرات.
الدور الأميركي-الإسرائيلي: لعبة الأيادي الخفية في موسكو
بعد تفكك الاتحاد السوفييتي السابق, شهدت مناطق الأطراف الروسية المزيد من عمليات التعبئة السلبية الفاعلة, بما أدى إلى صعود ظاهرة الحروب والنزاعات المسلحة, وعلى وجه الخصوص في المناطق الآتية:
• منطقة القوقاز الشمالي, والتي بقيت ضمن قوام الدولة الفيدرالية الروسية, وبسبب انتماء سكانها المحليين إلى الدين الإسلامي, فقد سعت الرموز الدينية إلى تعبئة المجتمعات ودفعها باتجاه الانفصال وتكوين دول وجمهوريات مستقلة عن روسيا.
• منطقة القوقاز الجنوبي, وشهدت صراعات مسلحة داخلية بين جورجيا ومليشيات إقليم أوسيتيا الجنوبية, وإقليم أبخازيا, إضافة إلى تصاعد أزمة ملف إقليم ناغورنوكرباخ الأرمني, بما أدى إلى اندلاع الحرب الأرمنية-الأذربيجانية.
• منطقة آسيا الوسطى, وشهدت صراعات ونزاعات مسلحة, وتحديدا في كل من طاجاكستان, أوزبكستان, كيرغيزستان, أما تركمانستان وكازاخستان, فقد شهدتا المزيد من التوترات السياسية, والتي لم تصل احتقاناتها إلى مرحلة الحرب والنزاع المسلح.
خلال فترة إدارة بوتين الجمهورية الأولى والثانية, سعت جماعة المحافظين الجدد إلى توظيف جدول أعمال سياسة خارجية أميركية لجهة استهداف استقرار الأمن القومي الروسي, عن طريق تفعيل الأدوات الاقتصادية, والعسكرية, والأمنية, وفي هذا الخصوص أشارت المعلومات والتقارير إلى الآتي:
• قيام الإدارة الأميركية باستخدام صراعات القوقاز الشمالي لجهة بناء حملة ذرائع دولية وإقليمية ضد روسيا, واتهامها بانتهاك حقوق المسلمين الروس.
• قيام الإدارة الأميركية بحث حلفائها الغربيين, وتحديدا بلدان الاتحاد الأوروبي لجهة الضغط على موسكو تحت تهمة انتهاك الدولة الروسية لحقوق المسلمين.
• قيام الإدارة الأميركية بحث حلفاءها في المنطقة العربية, وتحديدا السعودية وبلدان الخليج لجهة القيام بتقديم الدعم السياسي والمالي للحركات المسلحة القوقازية.
وتأسيسا على ذلك, سعت دول الاتحاد الأوروبي باتجاه تقديم الدعم السياسي للحركات المسلحة الناشطة في القوقاز الشمالي, أما السعودية ودول الخليج العربي, فقد كانت الأكثر إسهاما في تقديم الدعم, وذلك عن طريق الآتي:
• فتح المكاتب والمقرات الدبلوماسية للحركات القوقازية المسلحة في السعودية وبلدان الخليج, باعتبارها حركات إسلامية جهادية تعمل من أجل تحرير المسلمين القوقازيين.
• إرسال المنظمات الخيرية الوهابية واستخدامها كوسيلة لتقديم الدعم المادي واللوجستي لهذه الحركات.
هذا, وتجدر الإشارة إلى أن الصراعات المسلحة القوقازية, قد انخفضت ضمن حدودها الدنيا, وذلك بعد نجاح موسكو في تطبيق نظام فدرالي أعطى صلاحيات واسعة لسكان في مناطق القوقاز الشمالي.
انفجارات صبيحة الاثنين الدامي: ماذا تقول الإشارات؟
عندما تحدث الانفجارات يظهر نوعان من القراءات, الأولى خبرية وتسعى إلى رصد المعلومات وبثها وصفيا ضمن الأخبار والقصص الخبرية. أما الثانية, فهي تحليلية, وتسعى إلى تحليل الحدث الجاري وفقا لمعطيات البيئة الداخلية-المحلية, والبيئة الخارجية الإقليمية-الدولية, وفي هذا الخصوص نشير إلى الجوانب الآتية:
• معطيات البيئة الداخلية-المحلية: خفت هذه التوترات بقدر كبير بين جمهوريات القوقاز الشمالي, والسلطات الروسية الفدرالية, وبرغم ذلك فقد ظلت بعض العناصر الإسلامية القوقازية الشمالية, أكثر اهتماما بمواصلة العمل المسلح ضد روسيا, وتقول المعلومات, بأن الأطراف القوقازية الشمالية الإسلامية المنتشرة ظلت تحصل على المزيد من المال السعودي-الخليجي, وعلى خلفية صراعات القوقاز-موسكو, فقد حدثت عملية استقطاب واسعة بين طرف قوقازي شمالي علماني موالي لموسكو, وطرف ديني ثيولوجي قوقازي موالي للسعودية وبلدان الخليج إضافة لأميركا.
• معطيات البيئة الخارجية: شهدت الأسابيع الماضية المزيد من التوترات والخلافات الروسية-الأميركية, وفي هذا الخصوص فقد سعت واشنطن لجهة إقناع روسيا بضرورة: التخلي عن بيع الأسلحة العسكرية الروسية المتطورة إلى بلدان الشرق الأوسط وتحديدا سوريا وإيران إضافة إلى الموافقة على دعم جهود واشنطن الساعية لفرض جولة العقوبات الدولية المتعددة الأطراف الرابعة ضد إيران.
تشير التوقعات, بما في ذلك توقعات بعض الخبراء الروس الرفيعي المستوى, بأن جماعة المحافظين الجدد قد ظلت تسعى بالتنسيق مع جهاز الموساد الإسرائيلي لجهة تقويض الاستقرار السياسي الروسي, بما يمكن أن يؤدي إلى إلحاق المزيد من الأضرار بالاقتصاد الروسي, وإتلاف النسيج الاجتماعي الروسي, إضافة إلى إفقاد الحكومة الروسية الحالية المزيد من مصداقيتها إزاء الحفاظ على أمن روسيا وذلك بما يمهد المسرح لجهة تزايد قناعة الرأي العام الروسي بمدى جدوى توجهات الرئيس ميدفيديف الرامية إلى التعاون مع أميركا وإسرائيل, ويضعف من القناعة السائدة حاليا في أوساط هذا الرأي العام لجهة دعم رئيس الوزراء الروسي بوتين.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد