"برهان العسل"رواية إيروتيكية تسمي كل عضو باسمه
تكاثرت النصوص التي تتناول الجنس على رفوف المكتبة العربيّة... لكن «برهان العسل» رواية إيروتيكية بامتياز، تُدخل الأدب المعاصر في مرحلة جديدة، حاسمة. جسد المرأة هنا «يجاهر» بطقوسه الإباحيّة، وسلوى النعيمي تسمّي الأشياء بأسمائها... مستعيدةً الصلة بجزء أساسي من تراثنا القديم
لا تتأخر سلوى النعيمي في إدخال القارئ إلى عالم روايتها «برهان العسل» (رياض الريس). بطلة الرواية التي تكاد تكون المؤلفة نفسها ــ من دون أن يعني ذلك أننا أمام سيرة ذاتية للشاعرة السورية المقيمة في باريس ــ واضحة منذ البداية: قررت أن ترفع الموانع عن تجاربها الجنسية وتتحدث علانية عن كل التفاصيل الحميمة التي يفضّل المجتمع أن تظل طي الكتمان.
“هناك من يستحضر الأرواح، أنا أستحضر الأجساد. لا أعرف روحي ولا أرواح الآخرين. أعرف جسدي وجسدهم» ما يأتي بعد هذا التمهيد هو رواية إيروتيكية تسمي كل عضو باسمه، وتفضح الأسرار التي تحدث في السرير.
من دون مقدمات، تبدأ الرواية قصفها السردي العنيف الذي تفصح فيه البطلة عن رغباتها السرية، وعن الذين عاشرتهم. تقول إنهم ليسوا عشاقاً بل مجرد أدوات جنسية. فكرة الرواية بسيطة. تثير البطلة أسئلة هي في متناولنا جميعاً، لكنّ الفرق أنّها تضعها في التداول العلني بينما المجتمع يفضّل ابقاءها محجوبة. سلوى النعيمي تطالب، من خلال روايتها، بالكفّ عن كتابة الجنس والحديث عنه بالمواربة، مستندةً بذلك إلى كتب التراث الجنسي العربي التي تذكر مباشرةً أسماء الأعضاء وأوضاع الجماع وأكثرها لذة وفائدة للجسد.
تبدأ الرواية من لقاء البطلة بـ«المفكر» خلال قراءة كتب التراث الجنسي (النفزاوي والتيفاشي والطوسي والتيجاني والسيوطي والقزويني...)، وتروح تطبّق ما كتبه شيوخها عن فوائد الجماع. تسأل نفسها: «لماذا أُعلن عن ولعي بجورج باتاي وهنري ميلر والماركي دو ساد وكازانوفا والكاماسوترا وأتناسى السيوطي والنفزاوي».
التطبيق العملي لنصائح شيوخها، يدفعها إلى رواية حكايتها مع «المفكر» الذي التقته في أحد المؤتمرات، والذي يحتل المساحة الأوسع في حياتها وجسدها: «كنت أصل إليه مبلّلة، وأول ما يفعله هو أن يمد إصبعه بين ساقي، يتفقد العسل كما كان يسميه، يذوقه ويقبّلني ويوغل عميقاً في فمي». أما هي فتقول له: «من الواضح أنك تطبّق وصايا الرسول: «لا يقع أحد منكم على أهله كما تقع البهيمة، وليكن بينكما رسول: القبلة والحديث». وعن عائشة: إن رسول الله كان إذا قبّل الواحدة منا مصَّ لسانها». الواقع أنّ صاحبة «شاركتُ في الخديعة» تلجأ غالباً إلى هذا الأسلوب في تدعيم وجهة نظر بطلتها، أو بالأحرى وجهة رغباتها. وهي تفعل ذلك لتؤكد، لنفسها وللقارئ ثانياً، أنّ البطلة لا تخترع شيئاً، بل هي ابنة هذا التراث، ولا ينبغي لأحد لومها إن كانت وفية له. لا تكتفي البطلة بذلك، بل تقدم من الأمثلة التراثية ومن تجاربها الخاصة ما يُعتبر معجماً إيروتيكياً تتكئ إليه في الرواية، كما أنّ التراث الجنسي يجعلها أكثر حرية في إشباع رغباتها لأنّه يعتبر أنّ الكبت يورث الكآبة والجنون..
هكذا تروح البطلة تتسلّى بإحالة ما تعيشه مع «المفكر» على مقاطع من تلك الكتب، أو بتعبيرها: «تداخلت التجربة العملية مع القاعدة النظرية». لكنها تأخذ الرغبة إلى حدودها القصوى، فتتجنّب الحب. وحين يسألها المفكر إن كان ما بينهما جنساً فقط، تخبره بأنها لا تحب إلا جسدها. «المفكر» ليس الرجل الوحيد في حياة البطلة. هناك «الجوّاب» و»السريع» و»البعيد». إنها تفضّل أن تطلق عليهم ألقاباً. لكن هناك زوجها أيضاً؟. صحيح أنّها لا تذكره، إلا أن الرواية تتضمن مؤشرات واضحة إلى وجوده. البطلة التي تعمل في مكتبة الجامعة، والقارئة النهمة لكتب الجنس التراثية تصبح «خبيرةً في كتب الباه». ثم تكتمل الحكاية حين يعرض عليها مدير المكتبة المشاركة في معرض عن تلك الكتب في نيويورك، ترافقه ندوة عن الأدب الإيروتيكي. يصبح البحث الذي عليها انجازه ذريعة الرواية والرواية تتحول ذريعةً للبحث. فحين تتحدث بطلاقة عن رغباتها ومغامراتها الجنسية تستقوي بكتب التراث التي تحتاج إليها لإنجاز بحثها، ثم تستخدم مغامراتها وبحثها التراثي في تحدّي الزيف الاجتماعي الذي يدفعنا إلى إخفاء رغباتنا. ولا تكف البطلة عن السخرية من «مجتمع التقية» العربي الذي يظهر غير ما يخفي.
لا تكتفي البطلة بسرد حكايتها. هناك سليمى اللبنانية وزوجها المغربي. وهناك المدلّكة التونسية التي سُجن زوجها بجرم الزنا. حادثة الزنا تُستخدم كذريعة جنسية تناسب عالم الرواية. تسخر البطلة من الشروط المطلوبة لإثبات واقعة الزنا، وتروي فتوى الإمام الخميني بأن «التقبيل والمضاجعة والمعانقة وغيرها من الاستمتاعات دون الفرج ليست بزنا». ثم تستعيد حادثة السيجار بين الرئيس بيل كلينتون ومونيكا لوينسكي. وتذكّر القارئ بـ»السؤال الذي يكرره أحد الصحافيين الفرنسيين على ضيوف برنامجه التلفزيوني: هل يعتبر المصّ خيانة».
الطريف في كل هذا أنّ النعيمي لا تدّعي جرأةً ما في الاقتراب من عوالم ممنوعة، ولا تصطاد في مياه الجنس العكرة. لكن هل يمكن أن نكتب الجنس بمسمياته الحقيقية من دون أن يشكّل فضيحةً ما؟ وهل تكفي دعوة بطلة «برهان العسل» إلى نداءات الجسد، حتى يهرع القارئ، ومعه المجتمع، إلى الجهر باستيهاماته الجنسية؟
طموح صاحبة «أجدادي القتلة» يكمن هنا. تؤكد في قلب روايتها أنّ «مجتمع التقية» العربي لم يكتشف بعد «أنّه لم يبق من الثالوث المحرم إلا اثنان: الدين والسياسة.. سقط الجنس من منخل الرقابة، أو إنّها وسّعت فتحاته». وهي أيضاً تسخر من فكرة أن تصبح مشهورة بسبب منع روايتها، فحين تعرف زميلتها بأنها تكتب دراسة عن الجنس عند العرب، تقول لها إنّ الرقابة قد تمنع نشرها. فتجيب أنها ستصبح مشهورة إذا كانت الرقابة على هذا المستوى من الغباء. لكن استهزاء النعيمي لن يحول دون اصطدام روايتها بمشكلات مع أجهزة الرقابة، وبالتالي الحصول على «الشهرة» وإن لم تكن ترغب في ذلك.
يمكن وصف عمل النعيمي بأنّه رواية وبحث سوسيولوجي وجنسي معاً. والسبب أنّها تقطع غالباً حبل السرد لتتفرغ لانتقاد المجتمع أو الرقابة مثلاً. «برهان العسل» هي هذا المزيج السردي والاجتماعي الذي يخاطب القارئ بلا حياء مزيف أو خجل كاذب.
“برهان العسل” (رواية) ــ شركة رياض نجيب الريّس للطباعة والنشر ــ بيروت 2007
حسين بن حمزة
نص سردي على حافة الرواية
بعد خمس مجموعات شعرية ومجموعة قصصية وكتاب آخر ضم مقابلات أدبية، تصدر سلوى النعيمي روايتها الأولى. قد لا تُعتبر “برهان العسل” روايةً متكاملةً، فهي نص سردي يتحرك على حافة الرواية واليوميات والثرثرات الاجتماعية. لكن المهم ليس استيفاء العمل لشروط هذا النوع الأدبي، بقدر ما هي الجرأة التي كُتب بها. وعلى رغم أن الرواية لا تترك ستراً على الحياء الاجتماعي إلا وتزيله، يصعب القول إن النعيمي تهدف بذلك الى شهرة سريعة لأنها تعرف مسبقاً أن ما كتبته ينتمي إلى “البضاعة” التي تصل رائحتها إلى أنف الرقيب العربي فوراً.
لا شك في أنّ “برهان العسل” ستحدث ضجة كبيرة، لكن علينا أن ننتبه إلى أن صاحبة هذه الضجة ليست مبتدئة سواء في الحياة أو في الكتابة. إن السبب الذي يجعل رواية النعيمي مثيرة للضجة مختلف عن السبب الذي يجعل روايات ما زالت تحبو في عالم الرواية، تحظى برواج تجاري وقراءات كثيرة. والمقصود هنا هو بعض الروايات السعودية التي تستخدم الجنس لتثير حشرية القارئ وتدفعه للتلصص على مجتمع مغلق كالمجتمع السعودي.
اللافت في رواية النعيمي أنها لا تخفي تبنّيها لكل التجارب التي تعيشها بطلة روايتها، بل إنّ هذه البطلة توحي بأنها نسخة عن المؤلفة. وهذا يدفع القارئ إلى السؤال عن مدى جرأة المؤلفة في تطبيق ما تدعو القارئ إليه على نفسها. فهي تبدو جريئة أكثر حين يتعلق الأمر بالاقتباسات التي تستشهد بها من الكتب، أما في ما يتعلق بما يحدث لها فغالباً ما تلجأ إلى التورية الجنسية غير المباشرة. ومع أن هذه التورية تبدو أكثر إثارة من الكلام الصريح أحياناً، إلا أن البطلة تبدو كأنها تستقوي بالألفاظ الجنسية الواردة في التراث القديم، لكن لا تجرؤ على ذكرها حين يتعلق الأمر بحياتها الخاصة.
المصدر: الأخبار
إقرأ أيضاً:
الآيروتوكية في رواية «برهان العسل» للسورية سلوى النعيمي
سلوى النعيمي: تم حذف الجنس من الثلاثي المحرم
الجنس الصادم في رواية «برهان العسل» لسلوى النعيمي
سعاد جروس : برهان العسل وجثة مخبوءة في مكان ما
"برهان العسل" للسورية سلوى النعيمي بكل لغات العالم
إضافة تعليق جديد