تحالف التناقضات لاسقاط سورية
لو قيّض لنا مع بداية الأزمة التي عصفت بسورية، توجيه سؤال الى المحللين والمفكرين والباحثين عن خارطة التحالفات التي من الممكن ان تنسج من اجل اسقاط السلطات الشرعية السورية، فبالتأكيد أن أحداً من أولئك لن يتمكن من رسم لوحة التحالفات السريالية التي نشاهدها اليوم، مهما عظم فكره الروائي، ومهما أسهب في الشرح والتحليل، والغوص في بواطن الأمور، وخصوصا أن الشياطين دائماً تكمن في التفاصيل.
من حق سورية اليوم الإفتخار بتوحد جميع مكونات التناقضات ضدها، من تنظيم القاعدة وأجنحته السلفية، إلى الإخوان المسلمين، والجامعة العربية وتركيا، مروراً بالإتحاد الأوروبي، وانتهاء بالولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني.
يظهر تنظيم القاعدة وأخواته من الحركات السلفية، بمظهر "مشاة الناتو"، التنظيم وضع عداءه "للصليبيين" جانباً، وبدأ يعد العدة لإسقاط سورية إلى جانب إخوانه في الغرب، والعرعور أفتى بقطع لسان كل معارض يرفض التدخل العسكري الخارجي، وعبد الحكيم بلحاج يدغدغ حلمه بأن يكون"غيفارا" القرن الواحد والعشرين، واصبح بعد "تحريره ليبيا" يتطلع الى مساعدة الشعوب الأخرى على التحرر، وبلحاج كان متوجهاً إلى تركيا لبدء قيادة العمليات ضد سورية، ولكن ثوار الزنتان وعن غير قصد أفشلوا محاولته السرية بالمغادرة الى هذا البلد عبر هوية مزورة، فأوقفوه ولكن مصطفى عبد الجليل الذي ابهر العالم حين اعلن أن الثورة الليبية كان من أبرز أهدافها الحق ب"تعدد الزيجات" تدخل شخصياً لدى ثوار الزنتان لإطلاق سراح بلحاج.
يتلخص مطلب الإخوان المسلمون بالمطالبة بتدخل عسكري تركيٍ، ولا يزالون يطالبون بفتح تحقيق يبدأ من حماه 1982، وكأغلب العرب يريدون معالجة النتائج ويتجاهلون الأسباب، فحماه 82 كانت محصلة لحوادث قتل امتدت لأربع سنوات، وحاكتها ايادي الإخوان البيضاء، ولم تنج منها حتى حاويات النفايات في سورية.
وفي ظل اللعبة الدولية، حاولت الجامعة العربية الخروج من حالة التوحد وعدم اكتراث أحد بها، بفرض عقوبات على سورية، ولكن اذا دققنا قليلاً في ما هو مستور من العلاقات بين دول الجامعة العربية سيظهر جلياً الخلاف السعودي - القطري، فالمملكة والإمارة لا تقتصر انقسامات وجهات النظر بينهما على المسألة اليمنية، بل يتعداه ليشمل هوية من يقود الجامعة في هذه الآونة، وفي ظل الأزمة السعودية الداخلية تحاول قطر ايجاد موطئ قدم لها داخل البلاط الملكي ومحاولة اللعب على التناقضات بين أركانه، وبالحديث عن الجامعة لا بد وأن نأخذ في الإعتبار مواقف جيبوتي وموريتانيا وجزر القمر والصومال (التي لم تعرف يوماً آمناً منذ نيلها الإستقلال)، التي تطالب السلطات السورية بوقف العنف وإلا تدويل الازمة.وفي ظل الزمن القطري، بات لمواقف هذه الدول الصغيرة والمنهكة بمشاكلها وزناً على حساب الدور المتراجع للدول الكبيرة كمصر والسعودية ؟!.
وعلى الضفة الغربية يبدو أن تركيا قررت تجاهل الإهانات الأوروبية لها، والمتمثلة بعدم اعطائها حق الترشح وليس الإنضمام الى الإتحاد الأوروبي، واعطت لنفسها زخماً جديداً يتمثل في مراكمة انجازاتها علّها تصل الى اليوم الموعود، وتستطيع الدخول في جنة اليورو المتهاوي.
تركيا دائماً تصل المواعيد الكبرى متأخرة، فالصراع الحاد بين الإتحاد الأوروبي واميركا على تزعم الإقتصاد العالمي في السنوات الماضية، يبدو انه حسم لأبناء العم سام الذين نجحوا من خلال الأزمة المالية العالمية التي اصطنعوها في دق اول مسمار في نعش الإتحاد الأوروبي وعملته الموحدة.
وبعيد الهزائم المتتالية في افغانستان والعراق، يحاول اللوبي الصهيوني جر اميركا والأوروبيين الى حرب مع سورية، لأن الكيان الصهيوني لا يروق له بقاء نظام قوي يرابط على "حدوده"، لا يقدم تنازلات كمحمود عباس، ولا يوقع معاهدات شبيهة بكامب ديفيد ووادي عربة، كما ان سورية لا تعترف بالكيان الصهيوني ككيان موجود بل ككيان مصطنع يتوجب ازالته.
هو تحالف التناقضات، تحالف لا يشبه تحالف السلاجقة والفاطميين ضد الحملات الصليبية، وهذا التحالف لا يعترف بمهل ومبادرات وحرية وديمقراطية واصلاحات، ومعه لا يكون خاسراً سوى الأوطان، والمطالب تسقط عند تقديم التنازلات، وموغابي والبشير أمثلة يحتذى بها، فالغرب كان يطالب بمحاكمتهما، ولكن عندما سارا في ركب التنازلات، غض الطرف عنهما، ولم يعد أحد يسمع بضرورة تقديمهما الى العدالة.
جواد الصايغ
المصدر: عربي برس
إضافة تعليق جديد