ترشيحات جائزة بوكر العربية تثير استياء الأدباء السعوديين
صدمت ترشيحات «جائزة بوكر العربية» غالبية الروائيين السعوديين، وأثارت استياءهم من قرارات لجنة التحكيم، إذ خيبت القائمة الصغيرة للمرشحين، التي أعلنت أخيراً، آمال هؤلاء، لكنها جددت النقاش حول جماليات الرواية السعودية، وطرحت قضية الأعمال التي تصدر تباعاً لكتاب شباب، من دون خبرة ولا أدوات فنية ناضجة، عن دور نشر عربية كبرى.
وكانت الصحافة الثقافية نشرت عناوين عدد من الروايات السعودية، تقدمت بها دور نشر عربية لنيل الجائزة، منها: «ريح الجنة» لتركي الحمد و «الفسوق» لعبده خال.
وتوقع معظم الروائيين السعوديين أن تتضمن قائمة الفائزين، على الأقل اسماً سعودياً واحداً، نظراً إلى ما تشهده الرواية في السعودية من ازدهار، إذ راح يكتبها أدباء وأطباء ومهندسون وصحافيون وطلاب وناشطون في مجال الحقوق والحريات، وإلى الإقبال اللافت على قراءتها من الفضوليين والمولعين بالتلصص على خفايا المجتمعات المحافظة، خصوصاً عندما راح كتاب من هذا المجتمع يكشفون المستور، في جرأة تشبه الانتقام. وحقق عدد من هذه الروايات، ولا يزال، أرقاماً عالية في المبيعات، لم يحظ بها كبار الكتاب في العالم العربي، وترجم بعضها إلى لغات أجنبية، ولفتت المهتمين بالرواية في الداخل والخارج، ما دفع البعض الى الحديث عن مزاحمة الروائي السعودي الروائي العربي، بل التقدم عليه أحياناً.
خلو قائمة «البوكر» العربية من أسماء روائيين سعوديين، أثار الجدال في الصحافة الثقافية السعودية، وأعاد الحديث من جديد حول الموقف من أدب الخليج وثنائية «المركز والهامش». وعبّر كتاب عن عدم ثقتهم بكثير من الجوائز العربية، «لأن الشللية تتحكم فيها، وتغلب عليها المجاملات والعلاقات الشخصية... وإلا لماذا نجدهم يرشحون أعمالاً لروائي غير معروف، ولا يستحق حتى أن يمنح جائزة؟».
ولم يستبعد هؤلاء أن يكون عدم فوز الرواية السعودية بالبوكر، سببه المواقف المسبقة من الأدب الخليجي والسعودي «حتى قبل أن يقرأ، يقال عنه إنه من بلد نفطي بدوي لا يمكن أن ينتج إبداعاً، وتظل هذه النظرة وليدة علاقة المركز بالأطراف التي حكم عليها الذهن العربي إلى الأبد».
وأسف عدد من الكتاب لما سموه «واقع القبلية العربية والانحياز حتى في الثقافة»، متسائلين: «كيف يمكن أن نعالج هذه المشكلة ونتخلص منها؟»، وطالبوا بأن تتمتع الجوائز «بمقدار كبير من الصدقية والاهتمام بالشأن الثقافي، وعلينا أن نهتم كثيراً بمعضلة المركزية والأطراف التي يعاني منها المشهد الثقافي العربي».
وفضّل نقاد، مثل سعد البازعي، عدم إعطاء نتائج جائزة البوكر «قيمة أكبر مما تحتمل»، وقال بوجوب الثقة «بأذواقنا قبل كل شيء، وأن يكون لنا رأينا الخاص في ما يقدم كتابنا»، في تأكيد أن «روايات نشرت أخيراً، تستحق أن تكون الأفضل». فيما اعتبر الشاعر أحمد الواصل، الذي اقتحم بدوره مجال الكتابة الروائية وأصدر رواية: «سورة الرياض» قبل سنة، أن الأمر «لا يعد قصوراً في الرواية السعودية»، مشيراً إلى أن الترشح للجائزة «يخضع لمعايير معينة».
ولمح البعض، كالكاتب الساخر عبدالله بن بخيت، إلى أنه على رغم غياب الروائيين السعوديين والخليجيين، فإن مال الجائزة يدفع «من جيوب عرب النفط، وسيحصل كل كاتب مرشح من هؤلاء على مبلغ ستة آلاف دولار، وسيكون نصيب الفائز الأول مبلغ خمسين ألف دولار... وكما هي العادة لا يوجد بين لجنة التحكيم خليجي واحد».
وعلى صعيد آخر، طاول السجال أيضاً مواضيع تمسّ البنية الفنية للرواية السعودية، وتحدث نقاد عن سطحية غالبية الروايات السعودية، وتطرقوا إلى فنياتها المتواضعة، واعتماد كتابها الإثارة والفضائحية، حتى أضحت هذه الأعمال، في رأي البعض، أشبه بمنشورات وأبحاث اجتماعية مباشرة. ووجد نقاد آخرون في لائحة «البوكر» ما يعزز آراءهم ويرسخها حول الرواية التي يكتبها سعوديون. فناقد مثل محمد العباس، الذي «تخصص» في الرواية السعودية، وانقطع لقراءتها الواحدة تلو الأخرى، وملاحقتها نقدياً، وهي ما تزال مخطوطة، لم يفاجأ بغياب السعوديين عن لائحة «البوكر»، فهو طالما وصف ما يكتبونه بأنه «مجرد فقاعة إعلامية»، معتبراً أن الرواية السعودية لم تشكل ظاهرة إبداعية لتكون جديرة بالجوائز، وبالتالي فعدم الفوز، بالنسبة إليه، «أمر متوقع ومفروغ منه».
وتتفق معه الناقدة شمس المؤيد في عدم دهشتها من بقاء السعودية «بعيداً من المنافسة على الجوائز». مبررة أن «مفهوم العمل الروائي مازال قاصراً أو غير واضح لدى الكتاب... فروائيونا وروائياتنا يكتبون للتنفيس والتخفيف من توتر الذات، أو للتعبير عن التمرد على بعض القوانين الضاغطة».
دور النشر العربية، لم تسلم بدورها من الانتقاد، فهي في رأي البعض، انها تهتم فقط «بجيب القارئ المخدوع بالهوجة الإعلامية، وتضليل الروائي نفسه»، داعين إلى محاسبة هذه الدور، وتحميلها «مسؤولية نشر الرداءة الروائية». وتساءل تركي الحمد، عن السبب الذي جعل «جائزة بوكر العربية» تتبنى «نهجاً مخالفاً عن بقية الجوائز العربية في ترك الترشيح لدور النشر». ففي رأيه، دور النشر لن ترشح سوى كاتبها المفضل، «لأن فوزه يعززها ويعلن عنها، فهدفها من فوزه، لو تم، لا يعدو الهدف التجاري، وليس الإبداعي». أخيراً لا يبدو أن السجال حول الرواية السعودية، سينتهي بإعلان القائمة الصغيرة لجائزة البوكر، إنما سيستمر في الصحافة الثقافية، كما هو شأنه منذ سنوات، فلا شاغل اليوم للمهتمين بالسرد سوى ما يكتب السعوديون عن مجتمعهم، وأحقية هذه الكتابات في نيل الجوائز والترجمة إلى لغات أجنبية، وحضور المؤتمرات التي تعقد حول الرواية.
أحمد زين
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد