تطورات خطيرة جدا في سوريا
في منبج السورية في ريف حلب الشمالي الشرقي تم بناء اتفاق بين واشنطن وأنقرة، قد يبدو للوهلة الاولى أنه موضعي يبدد مزاعم الهواجس التركية من المسلحين الكرد المتهمين من قبل انقرة بأنهم يشكلون امتدادا طبيعيا لحزب العمال الكردستاني و انسحبت على إثر الاتفاق “وحدات حماية الشعب” الكردية من مدينة منبج شمال سوريا، بعد توصل واشنطن وأنقرة إلى خطة لتطبيقها في المدينة، تقضي بإدارة أميركية-تركية مشتركة لها، وإخراج المقاتلين الأكراد منها.
وجاء انسحاب القوات الكردية بشكل سريع، وبعد نفي من قبل مجلس منبج العسكري، التابع للوحدات، علمهم ببنود الاتفاق التركي-الأميركي، حيث نقلت قناة “روسيا اليوم” عن المتحدث باسم المجلس شرفان درويش قوله، إنه لم يتم إعلامهم بأي بنود من الاتفاقية، التي أعلن عنها وزير الخارجية التركية مولود جاويشأوغلو، الثلاثاء، مضيفا أنه لا يمكنه التعليق، في انتظار التأكد من هذه الاتفاقية وبنودها.لكن إشارة مجلس منبج العسكري إلى عدم علمه بالاتفاق لا يعني شيئا مع بدء تنفيذ الاتفاق فعليا على الأرض وبدء انسحاب المقاتلين، ما نعلمه بهذه الصحيفة ومن مصادر متواجدة هناك ، أن الانسحاب شكلي ، إذ أنزلت رايات الوحدات وازيلت الشعارات ، ولكن عددا كبيرا من المقاتلين سيبقون داخل المدينة ، ولا نعلم أن كان هذا ضمن التفاهمات التركية الأمريكية أم أنه تكتيك منفرد من الوحدات بعلم الطرف الأمريكي .
وأعلنت “الوحدات” انسحابها بشكل رسمي في بيان، قالت فيه: “قررت القيادة العامة لوحدات حماية الشعب سحب مستشاريها العسكريين من منبج”.
وأضافت أنه بعد طرد تنظيم “الدولة الإسلامية” من مدينة منبج، جرى “تسليم زمام الأمور في منبج الى مجلسها العسكري ، وقامت قواتنا بالانسحاب من المدينة”، لكنها أبقت بطلب من المجلس المنضوي أيضاً في “قوات سوريا الديموقراطية”، التي تشكل “الوحدات الكردية” عمودها الفقري “مجموعة من المدربين العسكريين بصفة مستشارين عسكريين لتقديم العون للمجلس العسكري في مجال التدريب، وذلك بالتنسيق والتشاور مع التحالف الدولي”.
ويأتي البيان غداة لقاء بين وزيري الخارجية الأميركي مايك بومبيو والتركي مولود جاويشأوغلو في واشنطن، أكدا خلاله “دعمهما لخريطة طريق” حول تعاونهما بشأن المدينة الواقعة في ريف حلب الشمالي الشرقي وتبعد نحو 30 كيلومتراً عن الحدود التركية.
وإذ يبدو الاتفاق موضعيا كما يوصف من متابعين ، إلا أنه قد يكون أبعد من ذلك باتجاه تحويله إلى نقطة التقاء استراتيجية تثبت معادلة عسكرية في الشمال السوري ، يمكن الاستناد اليها في مواجهة روسيا وإيران ودمشق ، خاصة لجهة شكل الحل المستقبلي للدولة السورية .
وأكد المسؤول الأميركي انه سيتم “تشكيل دوريات مشتركة” لكنه نفى وجود جدول زمني محدد. وأوضح “لن يكون الامر سهلاً. التطبيق سيكون معقداً. (ولكن) الجميع سيستفيدون منه لأنه سيؤمن استقرار منبج على المدى الطويل”. واكتفى بالقول “سننتقل الى المرحلة المقبلة حين تنتهي الاولى”
أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاويشأوغلو، أن خطة العمل، التي تم الاتفاق عليها مع الجانب الأمريكي تقضي بسحب الأسلحة من المقاتلين الأكراد في مدينة منبج.
وقال جاويشأوغلو إن خطة العمل التركية – الأمريكية بشأن منبج في سوريا سيبدأ تنفيذها خلال 10 أيام وسيكون ذلك على امتداد 6 أشهر، مضيفا أن هذا النموذج يتعين أن يطبق في المستقبل على الرقة وكوباني ومناطق سورية أخرى تسيطر عليها “وحدات حماية الشعب”.
وأوضح أنه سيتم نزع السلاح من قوات “سوريا الديمقراطية” أثناء انسحاب التنظيم من منبج، وستنتهي العملية بالتزامن مع انتهاء انسحاب عناصره، مؤكدا أنه لن يكون هناك دور لأي دولة ثالثة في منبج بما في ذلك فرنسا وبريطانيا وبلجيكا.
وأضاف وزير الخارجية التركية أن أنقرة لم تتلق وعدا من واشنطن بتصنيف وحدات حماية الشعب الكردي منظمة إرهابية.وتابع: “إن خطوتنا التي سنتخذها (في منبج) مهمة من أجل مستقبل سوريا وفرصة لإعادة علاقاتنا المتدهورة مع الولايات المتحدة إلى مسارها، لذا يجب تنفيذ الخارطة”، موضحا أن تعاون تركيا في منبج مع الولايات المتحدة ليس بديلا عن العمل مع روسيا في الشأن السوري.
وطالما هددت تركيا بشن عملية عسكرية ضد الأكراد في منبج بعد سيطرة قواتها بالتعاون مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية العام الحالي.
وأثارت تهديدات تركيا توتراً بينها وبين حليفتها واشنطن. وتندد أنقرة دائماً بالدعم الأميركي للوحدات الكردية، وهي تعتبرها امتداداً لحزب «العمال الكردستاني» الذي يقود تمرداً ضدها منذ عقود.وتنتشر في مدينة منبج قوات أميركية وفرنسية من التحالف الدولي.
سيناريو مقابل
بالمقابل تبدو الاولوية بالنسبة لروسيا ودمشق ومعهم طهران هو الجنوب السوري ، وهي مرحلة يعد لنهايتها بدقة ، وبرأي دمشق أن الأمور محسومة لجهة عودة الجيش السوري إلى الحدود الجنوبية ، ما طرحته طهران ومعها دمشق على موسكو بناءا على تقديرات عسكرية دقيقة ، هو إمكانية الحسم العسكري في الجنوب بشكل منفرد بدون أي اتفاق مع واشنطن أو إسرائيل أو الأردن . ولكن الطرف الروسي حتى اللحظة يفضل الانخراط في تفاهمات على الخيار الآخر . وربما هذه نقطة الخلاف التي تم تضخيمها إعلاميا على أنها بداية خلاف روسي ايراني في سوريا .
ولا تعني هذه الأولوية أن هذا الحلف لا يتابع تطورات الشمال ويعد العدة ليكون جزءا من السناريو الثنائي الأمريكي التركي .
قد يكون مؤتمر العشائر السورية الذي أطلق المقاومة الشعبية ضد الوجود الأمريكي مؤشرا على نوايا التحضيرات لأرباك الترتيبات الاستراتيجية الأمريكية والتركية لمناطق الشمال والشمال الشرقي بعد خط الفرات . خاصة مع تأييد مركز حميميم الروسي لمبادرة العشائر واعتبارها حق شرعي . وفي العمق يجري بناء علاقة ثقةبإشراف” روسي ايراني سوري” مع بعض الجهات العربية والكردية على حد سواء داخل مناطق نفوذ الولايات المتحدة في سوريا ، وهي القوى التي يمكن الاعتماد عليها في تحقيق هدف أولي وهو عدم تأمين استقرار للقوات الامريكية في تلك المنطقة ، والعين على المنشآت والمحميات التي تحرص واشنطن على استقرار الوضع فيها حول حقول نفط وغاز الشمال السوريوتحتاج واشنطن لانقرة لتأمين المجال الجغرافي للاستفادة من هذه الثروة التي يتكتم الأمريكيون على حجمها بعد إجراء مسح مختص أمريكي لأول مرة منذ تأميم النفط والغاز في سوريا .
تفعيل الدور الروسي السوري الإيراني في مناطق نفوذ الولايات المتحدة و تركيا مرهون بإغلاق ملف الجنوب ، بعدها سيكون حديث آخر .
كمال خلف: رأي اليوم
إضافة تعليق جديد