توثيق ميداني لمعركة الجنوب والدور الأردني القذر ضد السوريين
من دمشق إلى درعا
صباح الخميس كانت الوجهة إلى الجنوب. الوصول لم يكن بالأمر الصعب جداً، كان الجيش السوري قد أمّن طريقاً سريعاً للوصول إلى النقطة الأولى. عند العاشرة صباحاً اجتمعت وسائل الإعلام المحلية، وغيرها من القنوات والوسائل الإعلامية المختلفة، التي تعمل ضمن الأراضي السورية. المهمّة هي توثيق إنجازات الجيش في ريف درعا الشمالي. الانطلاق من دمشق عبر أوتوسترادها الذي يصلها بدرعا، والتي وصلنا إليها بعد ما يقارب ساعتين من الوقت. نحو مئة كيلومتر المسافة التي تفصل دمشق عن دير العدس، أولى المناطق التي دخلنا إليها.
المفاجآت سجلت منذ أن بدأنا المسير على الأوتوستراد. فالحركة طبيعية جداً، وهو الطريق الذي تهدده الفصائل المسلحة، خصوصاً بعد أيام على إطلاقها لمعركة سمّتها «كسر المخالب» بهدف الوصول إليه. المشهد يوحي بأن المارة لا يخشون هذا الطريق، حافلات نقل وعربات ترانزيت وسيارات في الذهاب والإياب. يبدأ الطريق من منطقتي نهر عيشة والقدم، الواقعتين على أطراف دمشق. آثار الاشتباكات التي شهدتها المنطقتان سابقاً تزول تدريجياً.
أكملنا المسير حتى دخلنا إحدى القطع العسكرية التابعة للجيش، والمحاذية للأوتوستراد. الطريق منها مختصر للوصول إلى دير العدس. عناصر الجيش على البوابة يحيّون كل طاقم إعلامي وكأنهم يرون رفاقاً لهم. ثم بدأنا المسير. على أطراف الطريق وحدات عسكرية متنوعة يؤكد منظرها أنّ تنظيماً كبيراً فرض على انتشارها. هناك يعمل الجنود، منذ سنوات، بعيداً عن مدينة دمشق الصاخبة، وعن الأهل في المحافظات الأخرى.
مضى وقت قليل بعد الخروج من ذلك الجبل العسكري، وكان الوصول إلى «دير العدس»، البلدة التي يعتبرها القادة الميدانيون بوابة الشمال باتجاه الريف الغربي والجنوبي لدرعا. هناك يكمل المقاتلون مهماتهم بالتثبيت في المنطقة ومحيطها. مساحات شاسعة من أراض ممتلئة بالصبار وحجار الصوان، هي طبيعة درعا الجغرافية، لها ميزتها الخاصة، سهول وتلال صغيرة في الجزء الشمالي منها، ما سهّل مهمّة التقدم البري كثيراً، رغم غياب سلاح الجو عن المعركة بسبب عوامل الطقس؛ فالبلاد تحت تأثير عاصفة جوية عاتية، واقتصار عمل مرابض «آلهة الحرب»، كما تسميها الجيوش، على المدفعية المباشرة، بمعنى استخدام السلاح المدفعي الذي يتعامل بشكل مباشر مع الأهداف، حسب توصيف أحد القادة الميدانيين الذين التقيناهم في دير العدس. قيادي تحدث عن عملية مباغتة شنّتها قوات المشاة بشكل مفاجئ على مواقع المسلحين في البلدة التي خلت من أهلها. «النيران التي انصبّت على المسلحين من محاور مختلفة كبّدتهم خسائر بشرية كبيرة، وتقدم القوات أجبرهم على التراجع والانسحاب من البلدة». المشهد في البلدة يوحي بسرعة المعركة، فدمار بعض الأبنية التي تحصّن فيها المسلحون ليس بالكبير. جرافات الجيش كانت تعمل على إقامة التحصينات، والجنود يعملون على تثبيت نقاطهم في محيطها.
وقت قصير مضى في دير العدس، ثم حان موعد انتقالنا إلى دير ماكر، ثالثة البلدات التي أعلن الجيش سيطرته عليها قبل أيام، بعد دخول وحداته إلى بلدة الدناجي المحاذية لها. دير ماكر، الأقرب إلى القنيطرة وريف دمشق، كانت لها أهمية توازي أهمية دير العدس من ناحية اكتمال أهداف أولى المهمات الأساسية للمعركة التي أطلقها الجيش باتجاه جنوبي البلاد. مصدر ميداني، في دير ماكر، أكد أن تأمين البلدة بالتوازي مع إعادة تموضع قوات الجيش على عدة تلال استراتيجية في محيطها، كتل مرعي وتل الصياد وتل العروس، «يقطع عدة طرق إمداد من ريف درعا باتجاه خان الشيح وجبل الشيخ، ويوسع نطاق العمل العسكري باتجاه ريف القنيطرة الشرقي».
في دير ماكر جلنا كثيراً، بحثاً عن حياة مدنية تنبض في منازلها، لكن لم نجد غير منازل خالية، فالسكان هجروا بلدتهم منذ دخلتها المجموعات المسلحة قبل نحو عامين. إلا أن التفاؤل يكمن في أنهم قد يعودون قريباً إلى منازلهم التي لا تزال مكتملة البناء كما تركوها، الاختلاف فقط في بعض الجدران التي اخترقتها رصاصات الاشتباكات.
من دير ماكر تبدو الدناجي قريبة، يحاذيها تل مرعي، فكانت ثالث مقاصدنا. طريقها في سهل يجاوره نهر. الدناجي كانت مختلفة عن دير ماكر ودير العدس. البلدة كانت تشكل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة إلى المسلحين. نسبة الدمار فيها مشابهة لنسبة الدمار في دير العدس، أما بعض منازلها فكانت قد حولت إلى مستودعات لتخزين الغذاء والسلاح. دخلنا إلى أحدها، صناديق ذخائر في كل مكان إلى جانب مستوعبات لقذائف الهاون والصواريخ المتوسطة. المفاجئ في ما شاهدناه كان الكميات الكبيرة من المواد الغذائية التي تحتويها المستودعات، والتي دمغ على مغلفاتها علم الإمارات العربية المتحدة واسمها. وهي المواد التي كان ينشر مسلحو الجنوب فيديوات تظهر توزيعها لسكان ريف درعا. التساؤل كان الآتي: هذه البلدة هي الأخرى خالية من السكان، فلماذا توجد فيها هذه الكميات الكبيرة من المواد الغذائية؟ ولماذا يوضع علم الإمارات العربية على عبوة غذائية إلى جانب قذائف الهاون التي يقتل بها السوريون كل يوم؟ المفاجئ أكثر من ذلك كان المستودع المجاور الذي وضع في داخله علم الولايات المتحدة الأميركية إلى جانب علم الانتداب، غير الشرعي، على أوراق كتب عليها من أجل الشعب السوري. ما رآه عدة زملاء صحافيين وثّقوه على أنه دلالة ميدانية تكشف التورط الأميركي والعربي في دعم المسلحين.
أثناء وجودنا هناك أصرّ أحد عناصر الجيش على توثيقنا لمشهد آخر. عدد من الصواريخ الكبيرة الحجم كانت قد خبّئت في أرض خلفية لأحد المنازل تمّ الكشف عنها بعد معلومات وصلت إلى غرفة عمليات المعركة. بعد ذلك كانت نهاية الجولة. من الدناجي إلى دير ماكر سرنا وحدنا في طريق قصير، وخرجنا منه باتجاه أوتوستراد السلام دمشق ـ القنيطرة، الذي بات في حالة أمنية أفضل بعد تأمين دير ماكر، بحسب مصادر ميدانية.
حيدر مصطفى
معركة الجنوب: الجيش يوسع ضرباته على تحصينات المسلّحين
بالرغم من الأحوال الجوية السيئة، لم تهدأ حدّة المواجهات في الريف الشمالي الغربي لمحافظة درعا. الجيش زاد من حجم ونوعية رماياته المتعددة على تحصينات المسلّحين، في كلّ من كفر شمس وتل العلاقية وتل عنتر وكفر ناسج وسملين، والتلال الشمالية لبلدة زمرين. مصدر عسكري قال: إن الجيش «بعد أن أتمّ عمليات الانتشار الجديدة في تلك المنطقة، بدأ مبكراً بضرب التحصينات التي يعمل المسلحون على بنائها بنحو سريع». وفي هذا الصدد، نفذ سلاح الجو والمدفعية ضربات واسعة على تجمعات المسلّحين ونقاط توزعهم في المناطق المذكورة، ملحقاً خسائر فادحة في صفوفهم.
وبالتوازي، اتسعت رقعة المواجهات في المناطق الأخرى من ريف درعا، حيث قصف الجيش مواقع للمسلحين في الشيخ مسكين، ومحيط مبنى الكوابل، ومنطقة شمال غربي خزان المياه في الحيّ الغربي من بلدة عتمان، وأدى ذلك إلى سقوط العديد من القتلى في صفوفهم. فيما شهدت منطقتا الجيزة وبصرى الشام مواجهات متنوعة، تدرّجت بين الاشتباكات، وتبادل القصف بالقذائف. يقول المصدر، معلقاً على مجمل تلك التطورات: «هذا الأمر كان متوقعاً، ذلك أن تقدم الجيش في الريف الشمالي الغربي للمحافظة، بهدف فصلها عن ريفي القنيطرة ودمشق، يدفع المسلّحين في كل ريف درعا إلى توتير الجبهات كلها»، وذلك لسببين: «الأول، هو تخفيف الضغط عن المسلّحين المتراجعين هناك، والثاني هو محاولتهم إحراز تقدم لتعويض الجبهات التي خسروها». وبالتالي، كان الجيش «قد استعد مسبقاً لوضعية تفجير كل الجبهات في ذلك الريف، وبادر على هذا الأساس بالضربات الجوية والمدفعية لمواقع أساسية للمسلّحين في ريف المحافظة».
وفي ريف دمشق، انفجرت سيارة مفخخة في بلدة حرنة الغربية، الملاصقة لمدينة التل في الريف الشمالي لدمشق. الانفجار الذي استهدف مصلين أثناء خروجهم من جامع فاطمة، أودى بحياة 10 مدنيين وجرح نحو 100 آخرين، وفيما أرسل الجيش سيارات إسعاف خاصة به لإسعاف الجرحى والمصابين، ضرب طوقاً أمنياً حول مكان الانفجار لمنع أية عملية تفجير أخرى قد تستهدف المسعفين. إلى ذلك، لم تهدأ حدة الاشتباكات في مناطق مختلفة من ريف دمشق، ففي الغوطة الشرقية، واصل الجيش قصف مواقع لـ«جيش الإسلام» بالمدفعية وقذائف الهاون في دوما وعربين. بينما ذكر مصدر ميداني أن الجيش تمكن من أسر أحد مسلّحي التنظيم المذكور وقتل آخرين منه أثناء اشتباكات دارت في غربي مدينة دوما. بينما دارت اشتباكات متفرقة في حي جوبر الشرقي، لتتراجع وتيرتها بسبب الأحوال الجوية. إلى ذلك، استهدف الجيش مواقع للمسلّحين في خربة السلطانة وشمالي بلدة سعسع في الريف الغربي لدمشق، موقعاً العديد من القتلى في صفوفهم. فيما دارت اشتباكات أخرى شمالي مدينة داريا (غربي العاصمة) وأدت إلى تحطيم آليات للمسلّحين هناك.
ليث الخطيب
إسرائيل قلقة من تمركز حزب الله قبالة الجولان
لم تستطع «إسرائيل الرسمية» المحافظة على الصمت التام لمدة طويلة إزاء التطورات الميدانية التي يشهدها جنوب سوريا، في ضوء تقدم قوات الجيش السوري ضمن المنطقة المتاخمة للجولان المحتل، فبعدما تركت القيادة الإسرائيلية مقاربة الأحداث ومتابعتها لمعلقيها السياسيين والأمنيين، ضمن ضوابط الرقابة العسكرية، حذر رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من انتشار آلاف المقاتلين من حزب الله في الأراضي السورية، وما يمكن أن يترتب على ذلك من تحديات تطاول الأمن الإسرائيلي.
نتنياهو، الذي كان حاضرا في لقاء وداعي مع رئيس أركان الجيش بني غانتس، حذر في السياق من أن عناصر حزب الله يدخلون إلى جنوب سوريا «مقابل حدودنا بتوجيه من إيران»، مشيرا إلى أن هذا الانتشار «جزء من خطة إيرانية تستهدف تطويق إسرائيل لخنقها من عدة اتجاهات»، لكنه قال: «إننا حذرون في مواجهة هذه التحديات».
وتأسيسا على الخروج من الصمت، فإن الكلام الرسمي الإسرائيلي المباشر اتجاه التطورات الميدانية في المنطقة المتاخمة للجولان، عبّر عنه ممثل إسرائيل في الأمم المتحدة، وخاصة بعدما وجدت حكومة نتنياهو نفسها مضطرة، في أعقاب الضربة التي تلقاها الحزام الأمني الذي كان يفصل بين القوات السورية والجولان المحتل، إلى إرسال تعليمات لسفيرها في الأمم المتحدة، رون بروس اور، بالمطالبة بإعادة قوات الفصل الدولية إلى الجولان، وهو ما لم تجد الحكومة الإسرائيلية حاجة إليه عندما كانت الجماعات المسلحة المسيطرة في تلك المنطقة!
وضمن الإطار نفسه، رأى غانتس، خلال جولاته الوداعية وتعليقا على اقتراب قوات الجيش السوري ومعها حزب الله إلى الجولان، أن إسرائيل تواجه تحديات من وقت إلى آخر، وأن «حزب الله يرى نقاط قوتنا كما يرى نقاط ضعفنا بدرجة ليست أقل».
على المستوى الإعلامي، فإن صحيفة «يديعوت احرونوت» نقلت عن المؤسسة الأمنية وصفها حزب الله بأنه «خصم إشكالي جدا» للجيش الإسرائيلي على الحدود السورية، عازية ذلك إلى التجربة التي راكمها والأسلحة الجديدة لديه. وأضافت المصادر الأمنية أن الحزب محرر من ضغوط اللبنانيين وغير مقيد لجهة خياراته الهجومية ضد إسرائيل، لذلك رأت الصحيفة أن على الجيش أن يبلور سياسات تحدد قواعد جديدة في الساحة الشمالية «بعدما ارتفعت الخشية من مواجهة محتملة مع حزب الله».
كذلك خلص موقع «واللا» العبري إلى أن غانتس ينقل إلى غادي ايزنكوت، الذي سيتسلّم رئاسة الأركان بدلا منه بعد يوم غد (الإثنين)، ساحة مركبة ومليئة بالتهديدات المتغيرة ديناميكيا في كل يوم. ولفت الموقع إلى أنه حتى الآن «ليس واضحا، بالنسبة إلى إسرائيل، هل ستتمركز قوات حزب الله بمساعدة إيرانية، على حدود الجولان، أم ربما يتحقق السيناريو الأقل إقلاقا والمتمثل بسيطرة تنظيمات إسلامية تابعة للقاعدة؟»، لكن القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي ذكرت أنهم، في إسرائيل، ينظرون بقلق إلى المعارك في الجولان، في ضوء تقدم قوات الجيش السوري.
ولفتت القناة إلى أنه بالرغم من أن إبعاد مسلحي تنظيم القاعدة (جبهة النصرة) عن الحدود يعدّ أمرا مباركا، لكنها أضافت أن هناك من يرى أنّ «سيطرة حزب الله وإيران، بدلا منهم، مشكلة أكبر بكثير».
في هذا الصدد، أشارت القناة العاشرة إلى أن الخوف الكبير في تل أبيب هو من أن «يتحصن حزب الله في مواقع قريبة من الجولان، وتحديدا من المستوطنات الإسرائيلية».
على صعيد آخر، كشفت القناة نفسها، عن أنه خلال عملية اغتيال جهاد مغنية والجنرال الإيراني ورفاقهما، كان بني غانتس يقوم بجولة في المنطقة، في إشارة غير مباشرة، بفعل الرقابة العسكرية، إلى أن غانتس أشرف مباشرة على عملية الاغتيال.
من جهة أخرى، نقلت صحيفة «معاريف» عن وكالة «رويترز» قولها إن المتمردين السوريين طلبوا من إسرائيل مساعدتهم في الحرب ضد الجيش السوري وحزب الله، في جنوب سوريا، ومنعهما من السيطرة على الجولان عند الحدود الإسرائيلية. وأوردت الصحيفة، استنادا إلى «رويترز» أيضا، أن هذا ما ذكره «دروز إسرائيليون على علاقة وثيقة بالمعارضة السورية»، مضيفة أن «قائد المتمردين في تلك المنطقة أقسم على خوض حرب ضد حزب الله والحكومة السورية اللذين سيطرا على أجزاء واسعة من المناطق التي كان يسيطر عليها المتمردون».
علي حيدر
عبد الله الأول... والثاني
لا تقاس قدرات «الدولة الوظيفية» بالإمكانات الفعلية المتوافرة بين يديها، بل تقاس بالإمكانات التي تتوافر لها من أجل «أداء الوظيفة». هكذا يمكن فهم «تنطع» النظام الأردني لأداء أدوار تبدو أكبر من قدراته الفعلية بكثير.
منذ عملية القتل البشع للطيار الأردني، معاذ الكساسبة، على يد مسلحي تنظيم «داعش»، يتصرف النظام في عمان على أنه في حرب انتقامية مفتوحة ضد التنظيم الإرهابي، تتجاوز الدور الذي كان محددا له في التحالف الدولي القائم.
جرى حديث عن عشرات الضربات الجوية، ونشرت صور للملك، عبد الله الثاني، باللباس العسكري للطيارين، وقيل إنه شارك في واحدة من الغارات على مواقع «داعش»، فيما أطلق مسؤولون عسكريون ومدنيون تصريحات نارية تنذر قتلة الطيار برد مزلزل، ثم تطورت ردود الفعل ليبدأ الكلام عن «تدخل بري» لإنهاء وجود التنظيم في العراق وسوريا.
تزامنت التطورات المشار إليها مع طلب الرئيس الأميركي تفويضا من الكونغرس لمقاتلة «داعش»، مصحوبا بإشارات إلى أن التدخل البري لم يعد مستبعدا، وإن كان بالاستناد إلى قوى محلية أساساً. نشر الأردن «اللواء المدرع الأربعين» (الشهير) على الحدود الأردنية ـ العراقية، ثم نفذ رئيس الأركان الأردني زيارة إلى العراق، التقى خلالها مدنيين وعسكريين عراقيين، أبلغهم أن الملك يضع إمكانات الجيش الأردني بتصرف العراق، كما تحدث عن جمع إمكانات الجيشين الأردني والعراقي لـ«قتال «داعش داخل العراق وداخل سوريا».
اللافت أن الجنرال الأردني لم يأت على ذكر الجيش العربي السوري، الذي يواجه «داعش» كما يواجه تنظيمات إرهابية أخرى تتلقى دعماً أردنياً مباشراً.، لذا، إن كانت واشنطن تتجه نحو بناء نسخة جديدة من التحالف الدولي بقصد التدخل البري، يكون النظام الأردني في مرحلة تقديم أوراق الاعتماد لأداء دور رئيسي، وربما قائد لهذا التحالف «البري». وهو ما اقتضى التحشيد باستثمار دم الكساسبة محليا، والحديث المتكرر عن الغارات والضربات الجوية، والزيارة إلى العراق، وعروض التعاون المفتوحة مع جيشه، وأيضا مع قوات البيشمركة الكردية، في ظل استمرار الاندراج في سياق التصورات الأميركية اتجاه سوريا. فالنظام الأردني لا يزال يواصل، بوضوح، عمليات التدريب لمن يوصفون بالمعارضة المعتدلة، ويقيم علاقة وثيقة مع مسلحي «جبهة النصرة» و«الجيش الحر» في درعا... ثم يزعم رئيس وزرائه أن «الأردن لا يتدخل في شؤون سوريا الداخلية»!
يتردد أن النظام الأردني كان يخطط لتورط أكبر في الجنوب السوري، بالتنسيق مع المسلحين وكيان الاحتلال. وأن اكتشاف ما كان يجري تدبيره هو الذي سرع «عملية شهداء القنيطرة» التي ينفذها محور المقاومة في أرياف دمشق ودرعا والقنيطرة، لكن عمّان تواصل العمل على دورها المطلوب في المرحلة الجديدة من الحرب الأميركية، وبكل عناصرها. وهو الدور الوظيفي المعتاد، وبامتياز!
أما التطلع إلى الدور القيادي في سياق الوظيفة، فليس جديداً. لقد أصر «عبد الله الأول» على قيادة تحالف الجيوش العربية، التي قررت جامعة الدول العربية الدفع بها إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم (1947). وكان له ما أراد، رغم رفض ملك مصر وغيره من الحكام العرب آنذاك. في الوقائع، أسند عبد الله القيادة الممنوحة له إلى كلوب باشا الإنكليزي، قائد جيشه. وفي الوقائع أيضا أن الجيوش، التي كان عديدها مجتمعة أقل من عدد قوات «الهاغاناة»، خاضت كل معاركها في حدود مقتضيات إنفاذ قرار التقسيم نفسه، وسط الصراخ برفضه.
وفي الوقائع، أيضا وأيضا، أن جهود وتضحيات ضباط وجنود ووحدات مقاتلة ضاعت سدى، ببساطة، لأن ما قاموا به لم يكن مطلوبا. وفي المحصلة كانت النكبة، وكان ترسيخ اعتقاد عاش طويلا بأن العرب جميعا بجيوشهم مجتمعة لا قِبَل لهم بمواجهة إسرائيل.
عبد الله الثاني، يريد دورا قياديا في الحرب على «داعش». من يتذكر دوره في التأسيس لكثير مما نشهده اليوم: هل تتذكرون «الهلال الشيعي»؟
نافذ أبو حسنة
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد