دبلوماسية الدولار في الشرق الأوسط- آلياتها وتأثيراتها
الجمل: تطور نسيج العلاقات الدولية آخذاً شكل شبكة شديدة التعقيد والتداخل بين مختلف الوسائل المؤسسية والبينية، ولم يعد الصراع الدولي والإقليمي يقتصر على الوسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية لجهة تأثيراتها الكمية، بل أصبح يعتمد التأثيرات النوعية، وفي هذا الصدد تأتي دبلوماسية الدولار كأسلوب وظيفي يتم استخدامه في حالتي الدبلوماسية العلاجية، والدبلوماسية الوقائية.
• دبلوماسية الدولار:
السياسيون والخبراء المعارضون لسياسة الرئيس الأمريكي السابق وليام هاوارد تافت، هم أول من ابتدع مصطلح (دبلوماسية الدولار) وذلك في معرض الإشارة إلى جهود الولايات المتحدة الأمريكية الهادفة آنذاك في أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا، بشكل رئيسي إلى استخدام القوة الاقتصادية عن طريق توفير الضمانات للبلدان الأجنبية في عملية الحصول على القروض والتسهيلات القصيرة والوسيطة والطويلة الأجل.
• دبلوماسية الدولار في الشرق الأوسط:
حدة الصراع وتدهور الأوضاع بتأثير أزمة الصراع العربي- الإسرائيلي أفسحت المجال لخبراء الإدارة الأمريكية من أجل التركيز على كيفية اللجوء لاستخدام المعونة الأمريكية كوسيلة لإدارة الصراع، ترغيباً وترهيباً، بشكل يتوازى مع الوسائل العسكرية والسياسية المستخدمة بواسطة إسرائيل والأطراف العربية.
أدرك الأمريكيون والإسرائيليون أهمية دبلوماسية الدولار ودورها الكبير بعد توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد، فقد استطاعت الولايات المتحدة عن طريق استخدام دبلوماسية الدولار:
- ترويض الحكومة المصرية على النحو الذي جعلها أكثر (تدجيناً واستئناساً) ضمن حظيرة سياسات محور تل أبيب- واشنطن في المنطقة.
- استدراج الاقتصاد المصري إلى حالة التبعية الكاملة للاقتصاد الأمريكي، والقضاء على كل قدرات الاكتفاء الذاتي المصرية.
- نقل عدوى (الحالة المصرية) إلى الدول والكيانات السياسية الأخرى، مثل نظام نميري في السودان، ولاحقاً منظمة التحرير الفلسطينية.
- تجميع بعض دول المنطقة، وبعض القوى السياسية ضمن معسكر يندمج سياسياً مع التوجهات الإسرائيلية، ويعتمد في البقاء والاستمرار على ما يحصل عليه من وكالات المعونة الأمريكية.
• دبلوماسية الدولار وخبرة عملية أوسلو:
تمثل عملية أوسلو (المختبر) الأكبر في التاريخ لدبلوماسية الدولار، وتشير معطيات خبرة عملية أوسلو إلى أن الاتفاق تضمن أن يقوم المانحون الدوليون بتقديم المعونات المساعدات من أجل بناء الاقتصاد الفلسطيني، وتم تخصيص مبالغ هائلة لذلك، الأمر الذي أقنع الزعيم المسموم الراحل ياسر عرفات باستعجال التوقيع على الاتفاقية، ولكن فيما بعد تم الانقلاب على برامج هذه المعونات بواسطة إسرائيل وأمريكا، بحيث قامت إسرائيل بإغلاق المعابر والممرات على النحو الذي أعاق وعرقل حركة المعاملات الاقتصادية الفلسطينية، والذي أدى بدوره إلى حالة الركود والتضخم وكساد الأسواق في الضفة الغربية والقطاع، إضافة إلى سيطرة إسرائيل على الضرائب والجمارك والاستيراد والتصدير، وغير ذلك من الأنشطة ذات الطابع السيادي.. وعلى هذه الخلفية، قامت أمريكا بتوجيه برامج الدعم والمعونة المتفق عليها بحيث تم تحويلها نوعياً من (السلع الرأسمالية) إلى (السلع الاستهلاكية).. وبالتالي بدلاً من أن يحصل الفلسطينيون على الآليات والماكينات والمعدات أصبحوا يحصلون على الأغذية، والوقود، والأدوية، والسكر، والقهوة، ومربى البندورة... وبكلمات أخرى: ركزت (دبلوماسية الدولار) الأمريكية على منح الفلسطينيين إشباع حاجاتهم الاستهلاكية، ومنعتهم من بناء القاعدة المادية الإنتاجية.
• نطاق دبلوماسية الدولار في منطقة الشرق الأوسط:
تقع الكثير من بلدان الشرق الأوسط الحالية، وأيضاً الكثير من القوى السياسية ضمن نطاق مظلة دبلوماسية الدولار، ويمكن رصد ذلك على النحو الآتي:
- الدول الواقعة تحت مظلة دبلوماسية الدولار:
مصر، الأردن، لبنان، المغرب، تونس، موريتانيا، جيبوتي، السعودية، الكويت، سلطنة عمان، البحرين، قطر، الإمارات العربية المتحدة، العراق، إضافة إلى تركيا.
- الحركات والقوى الواقعة تحت مظلة دبلوماسية الدولار:
حركة فتح، قوى 14 آذار اللبنانية، جبهة الخلاص الوطني السورية، حركات التمرد في دارفور، حركات المعارضة الليبية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، الحزب الديمقراطي الكردستاني، الاتحاد الوطني الكردستاني، حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني.
• آليات دبلوماسية الدولار:
تستخدم دبلوماسية الدولار العديد من الآليات والتي يمكن حصرها ضمن نوعين:
- آليات مؤسسية: وتتمثل في برامج وكالات المعونة الأمريكية، وبرامج معونة الاتحاد الأوروبي، وبرنامج التكييف الهيكلي الذي يطبقه البنك الدولي، وبرنامج التثبيت الاقتصادي الذي يطبقه صندوق النقد الدولي، وبرنامج تحرير التجارة الذي تشرف عليه منظمة التجارة العالمية.. إضافة إلى السيارات التي تضعها الإدارة الأمريكية والمفوضية الأوروبية.
- آليات بينية: وتتمثل في المعاملات بين الأطراف التي تقدم المعونة والمساعدات والأطراف التي تتلقى ذلك، وعادة ما تتضمن المعاملات البينية الكثير من (الشروط) التي يتم وضعها بواسطة الأطراف المانحة، وفي منطقة الشرق الأوسط، توجد قائمة لا حصر لها من الشروط التي تم فرضها على دول المنطقة.
• تأثيرات آليات دبلوماسية الدولار:
وهو الجانب الأكثر أهمية، لأن التأثيرات تجسد الأهداف والمقاصد الرئيسية للأطراف المانحة، والتي تتم برمجتها بواسطة الخبراء قبل الشروع بتقديم المساعدات والمعونات. وتجدر الإشارة إلى أن المعونات والمساعدات لن يتم البدء بتنفيذها أو تقديمها إلا بعد التأكد من أنها سوف تؤثر على الطرف المتلقي بالشكل المطلوب والذي سوف يفضي في نهاية الأمر إلى الغاية المطلوبة، وهي في هذه الحالة تتمثل في القضاء على قدرته في الاعتماد على الذات والنفس، وجعله يعيش في حالة حاجة دائمة إلى الأطراف المانحة، وممارسة ضغوط المتزايدة عليه لابتزازه وجعله يقبل تلبية أقسى الشروط، على النحو الذي يكسر إرادته على المقاومة والرفض بشكل كامل.
وعموماً، مايزال محور تل أبيب- واشنطن، ينتظر الحصول على المزيد من النتائج عن طريق التوسع في استخدام دبلوماسية الدولار، وحالياً يعكف الخبراء على دراسة كل كبيرة وصغيرة في اقتصاديات دول منطقة الشرق الأوسط، وصولاً إلى كيفية التأثير عليها باستخدام دبلوماسية الدولار.
كذلك أصبحت دبلوماسية الدولار تلعب دوراً كبيراً في إدارة الصراع العربي- الإسرائيلي، وعلى وجه الخصوص إدارة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فقد استطاعت الولايات المتحدة الضغط على ياسر عرفات خلال الفترات الماضية من أجل الانخراط في تحالفات سياسية مع مصر، والأردن، وتونس، والمغرب.. وأيضاً استطاعت أن تتدخل في تعيينات المسؤولين في السلطة الفلسطينية.
وحالياً يتم استخدام دبلوماسية الدولار في التأثير على مجريات صراع حماس- فتح داخل وخارج الأراضي الفلسطينية، وتم أيضاً تتبيع الحكومة اللبنانية وقوى 14 آذار على النحو الذي جعل رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة ينفذ كل المطالب الإسرائيلية- الأمريكية دون تردد، وجعل زعماء قوى 14 آذار أكثر اندفاعاً في تبني هذه الأجندة وإطلاق أكثر التصريحات تضارباً ولا معقولية، وعدم انسجام مع وقائع الأحداث ومعطيات الحقيقة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد