دوريس ليسينغ تصدر أعمالها الروائية والقصصية تباعاً بالعربية

12-02-2009

دوريس ليسينغ تصدر أعمالها الروائية والقصصية تباعاً بالعربية

تصدر الأعمال الروائية والقصصية للكاتبة البريطانية دوريس ليسنغ الحائزة جائزة نوبل مترجمة الى العربية عن الدار العربية للعلوم - ناشرون التي حصلت على حقوق النشر من الكاتبة بموجب اتفاق تمّ بينهما. وقد صدر من أعمال ليسنغ حتى الآن: «الأنثى»، «الحلم الجميل»، «الجدتان»، «مذكرات مَن نجا»... ويصدر في السلسلة «الفرد وإميلي»، «قصص قصيرة» وسواهما.

واللافت أن الدار شاءت أن يتولى ترجمة هذه الأعمال مترجم واحد هو الأكاديمي العراقي محمد درويش. هنا بورتريه للكاتبة.

< شكت دوريس ليسينغ أخيراً من جائزة نوبل التي نالتها في 2007، وقالت انها كانت «مصيبة لعينة» منعتها من الكتابة. على أن سيدة الأدب الإنكليزي الكبيرة استهلت عقدها التاسع في آخر 2008، واعترفت أنها فقدت الكثير من طاقتها على الكتابة. أغزر الكتاب البريطانيين منذ نشرت «العشب يغني» في منتصف القرن الماضي، وفي العقد الأول من إقامتها في لندن كتبت تسعة كتب. بعد أكثر من خمسين كتاباً في ستين سنة لا تزال تغضب بسرعة إذا لم تكتب طويلاً كعادتها كل يوم، لكن العمر ووجع القلب والظهر يوفران عذراً شرعياً وإن كرهت استعماله.

ولدت في إيران لأبوين بريطانيين، وانتقلت في الخامسة الى زيمبابوي التي كانت روديسيا يومها. فضّل والدها الذي فقد ساقه بعد إصابته في الحرب لو كان قتل مع رفاقه على العيش بساق خشب. والدتها الممرضة حلمت بالزواج من مصرفي والعيش في ريتشموند، قرب لندن، وساعدت زوجها على نشر التعاسة في البيت. تركت دوريس المدرسة في الثالثة عشرة، وقرأت بنهم الكتب التي طلبتها من إنكلترا. عملت على مقسم الهاتف، واعتنقت الكاثوليكية الى أن اختارت الإلحاد عندما قرأت عن محاكم التفتيش. حاولت الخضوع لتقاليد الطبقة البيضاء في أفريقيا عندما تزوجت فرانك وزدوم في التاسعة عشرة وأنجبت جون وجين. لم تلائمها التقاليد فتركت أسرتها الصغيرة لتتزوج غوتفريد ليسينغ الشيوعي وتنقذه من معسكر الاعتقال. أنجبت منه بيتر الذي حملته الى إنكلترا في 1949 مع مخطوطة «العشب يغني». استقبلها مقال ينعى الرواية كشكل أدبي، لكن روايتها منحتها نجاحاً فورياً.

انضمت الى الحزب الشيوعي في أوائل عشريناتها، وقالت في ما بعد انه كان قراراً عصابياً. كم كنا حمقى. كانت الشيوعية في الغرب مرضاً نفسياً جماعياً». لم تكتب لأحد تطلب الإحسان عندما كانت معوزة، لكن شخصين شيوعيين عرفا بأمرها وأعطياها مبلغاً قالا ان عليها أن ترده لشخص يحتاج اليه عندما تستطيع «وهذا ما أفعله منذ ذلك الحين». تركت الحزب في 1956 عندما قمع السوفيات الانتفاضة في هنغاريا، وكشف خروتشوف جرائم ستالين في المؤتمر العشرين للحزب. قالت ان زوجها الثاني شفاها من الشيوعية لاعتقاده أن لا شيء مهماً في الحياة سوى الثورة ومصلحة الدولة. اعتمدته شخصية في «أعذب الأحلام» التي تناولت وهم اليوتوبيا وغطت مساحة زمنية ومكانية واسعة. بطلها جوني لينوكس عضو بارز في الحزب الشيوعي البريطاني يحبط بخياره السياسي والدته الألمانية التي عانت بلادها من السوفيات في الحربين العالميتين. يهجر زوجته وابنيه ويمتنع عن إعالتهم لإيمانه بأولوية الدولة السوفياتية على الأفراد. تفتح والدته بيتها لأسرته ولرفاق ولديه المراهقين الذين يواجهون مشاكل مع عائلاتهم والمخدرات والكحول والجنوح. يحاول جوني تجنيدهم في حزبه، ويشجعهم على سرقة المتاجر للانتقام من النظام الرأسمالي.

يعكس أدبها حياتها وروح الثقافات التي عاشت فيها . بطلة «العشب يغني» واثقة مستقلة مثلها، تترك حياتها المحدودة في بلدة جنوب أفريقية لتعمل في المدينة. لا تظن الزواج ضرورياً الى أن تسمع، وهي في الثلاثين، أصدقاءها يقولون انها لن توفق بزوج في هذا العمر. تتزوج مزارعاً فقيراً وتكره حياة المزرعة وحياتها الى أن تربطها علاقة بموزس الخادم الأسود تجمع بين الهوى الجارف ونفورها من نفسها. تتحول من امرأة مرحة الى طاغية بغيضة، وتقودها الصراعات الى الجنون والموت قتلاً.

كرستها النسويات بطلة عند صدور «دفتر الملاحظات الذهبي» في 1962، لكنها اعتبرت الكتاب فاشلاً جزئياً لأنه اعتبر عملاً نسوياً من دون أن تقصد ذلك، وتجد اليوم أنه هو من سيبقى من أعمالها لأسباب تاريخية. كان أطول كتبها وأكثرها طموحاً، واعتمدت فيه أسلوباً حداثياً تجريبياً مفككاً، ووصفاً صريحاً للجنس. بطلته آنا وولف كاتبة وشيوعية سابقة تعيش مع طفلتها في لندن بعد الحرب، وتعاني من صعوبة الكتابة بعد نجاح روايتها الأولى عن مجموعة من الشيوعيين في أفريقيا المستعمرة. تحاول تنظيم حياتها فتبدأ الكتابة في أربعة دفاتر: أسود لحياتها في أفريقيا، أحمر للأحداث المعاصرة، أزرق لليوميات، وأصفر لذاتها الروائية. تنجح في توحيد شعورها بهويتها وتقبل سقوط وهمها بالشيوعية وآلام الرفض والخيانة والخيبات في المهنة والأسرة والصداقة.

كرهت ليسينغ تصنيفها نسوية، وراوح موقفها بين القول انها تعجب بالنساء اللواتي جاهدن من أجل الحصول على ملك باسمهن في الزمن الفكتوري، ثم للمساواة في الفرص والراتب وإنشاء حضانات جيدة للأطفال قبل سن المدرسة. تنعى النسوية اليوم لاقتصارها على الكلام، ولا ترى حركة نسوية منظمة بل عداء لا تغفره للذكور. «أكثر النساء غباء وشناعة وأقلهن ثقافة تستطيع أن تحقر ألطف وأذكى الرجال (كأنها تريد منهم) الاعتذار عن مجرد وجودهم».لم تصل النساء الى حريتهن وحدهن، تقول، بل أيضاً بفضل حبة منع الحمل والآلات المنزلية. ولئن احتقرت النسويات بنات جنسهن اللواتي اخترن الزواج والأسرة، قصدن لقاءات المثليات وألحقن ضرراً جسيماً بالأطفال. تتفق مع النسويات على الإعجاب بقدرتها على هجر طفليها :«أنا فخورة جداً بكوني امتلكت الشجاعة على القيام بذلك. لو لم أهرب من السأم الذي لا يطاق لتلك الحلقات الاستعمارية كنت انهرت وأدمنت على الكحول. أنا مسرورة لأنني امتلكت الحس السليم اللعين لأرى ذلك (...) لا أوصي الأخريات بالاقتداء بي، فما فعلته أضر بالجميع ما عداي». تصالحت مع جون الذي امتلك مزرعة للبن وتوفي في 1992، وجين التي تعجب بها لعملها معلمة للأطفال الأفارقة الفقراء، وابنتي الأخيرتين اللتين تعملان مهندسة ومحامية.

بين 1952 و1969 أصدرت خمسة كتب عنوانها الأساسي «أطفال العنف» عن حياة مارثا كويست، التي تشبهها، من طفولتها في روديسيا حتى نهاية العالم في العام 2000. دخلت منطقة أدبية جديدة في «الطفل الخامس» الذي كان أحد أفضل أعمالها وجمع الرعب القوطي والخرافة والخيال العلمي. تناولت زوجين يجعلان بيتهما جنة تجتمع فيها الأسرة والأصدقاء، ويرزقان بأربعة أولاد يعززون سعادة الأهل ومن حولهم. عندما تحمل الأم بالطفل الخامس تحس بالتهديد الذي سيأتي به وهو لا يزال جنيناً. تختلف حركته العدائية عن حركة سائر أولادها، وعندما يولد يفاجأ الجميع بطفل يفتقر الى الطفولة. كان بشعاً، شرهاً، خارق القوة يثير كراهية أشقائه وشقيقاته، ويقضي على جو الأسرة السعيد. كان الزوجان يعتقدان انهما يستطيعان بالحب حماية أسرتهما من الشر حولهما، وعجزا عن التعاطي مع طفل لا شيء طبيعياً فيه. على أن الأم تحاول أن تحب بن، طفلها المختلف، خلافاً لرغبة الأسرة، وتسعى الى التكيف مع وجه آخر للعالم، شاذ وبعيد، بعدما أدركت أنها لا تستطيع أن تبرمجه على ذوقها. تذكر الرواية التي صدرت في 1988 بمسخ فرانكنشتاين وفيلم «طفل روزماري» الذي تلد فيه امرأة شابة ابناً للشيطان يثير ذعرها ثم تقبله عندما تتغلب غريزة الأمومة على خوفها. تابعت ليسينغ رحلة الطفل في «بن في العالم» لاهتمامها بهذا الكائن الذي لا يجد القبول الا على هامش المجتمع، ورغبتها في استكشاف ما يمكن أن يحدث لشخص «ليس منا». الجريمة، السجن، المختبر، الفقر؟ كتبت في «ال مانييفيكو» عن هر مشرد أسود أبيض آوته فعاش معها ثماني عشرة سنة. عندما توفي «حطم قلبي. كان هر حياتي. حساس وذكي للغاية». في

مجموعة «الجدات» قصة طويلة عن صديقتين جارتين تجدان نفسيهما في منتصف العمر بلا شريك فتتفقان على اتخاذ كل منهما ابن الأخرى عشيقاً. قصة أخرى عن فكتوريا السوداء التي تنجب طفلاً من شاب أبيض فتحاول أسرته ابعادها عن ابنها الي تساعده على النجاح اجتماعياً. قصة ثالثة عن جندي إنكليزي في جنوب أفريقيا يقيم علاقة مع امرأة متزوجة، ويجهل أنها تنجب طفلاً منه بعد عودته الى بلاده. يتزوج وينجب طفلة وعندما يعلم بأمر الطفل يحن من بعيد الى ابنه الذي لن يراه.

يتفاوت مستوى أعمال ليسينغ، وربما كانت كتبها القديمة أفضل من بعض تلك اللاحقة مثل «مارا ودان» وسلــسلة «كانوبــس في أرغوس» و«الصدع» التي كتبت فيها عن نساء لا يحتجن الى الرجال في الإنجاب ولا يلدن الا الإناث. عندما يبدأن بإنجاب الذكور يعتقدن انهم مسوخ ويتركنهم على الصخور ليموتوا، لكن النسور تنقذ بعضهم فتنشأ حضارتان متجاورتان من الإناث الحالمات الهادئات والذكور المغامرين. تركز في أعمالها الأخيرة على الخيال العلمي والخطر على البيئة، وتروي دمار الأخيرة وعودة بعض سكان الأرض الى صيد السمك والحروب القبلية في «قصة الجنرال دان وابنة مارا، «غريوت وكلب الثلج».

مودي بيطار

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...