رحـيـــــــل الــــــــوردة
زمن الخسارات على أكثر من صعيد، وهي خسارة فادحة لا بد، أن تُطوى وردة في التراب، تذبل وتنسحق. غابت وردة الجزائرية إثر سكتة قلبية عن عمر يناهز الـ73 سنة بمنزلها في القاهرة. وتُضحي أغنياتها منذ اليوم، مجرد استعادات تستنهض الصوت الشجي، وتضفي على عقوق الوقت، بعض الطراوة وتحقنه بأبّهة الموسيقى والكلمة وكبرياء الشدو.
وردة محمد فتوكي، جزائرية، تحمل الجنسية الفرنسية بالولادة والمصرية بالزواج، ومن أم لبنانية من آل يموت، شغلت الوسط الفني العربي عموماً، والمصري خصوصاً بأغنياتها التي ناهزت الـ300 أغنية، أكثرها سماعاً وتداولاً: «إسأل دموع عينيّ» و«في يوم وليلة» و«بلاش تفارق» و«لولا الملامة» وسواها من الأغنيات. طبعها الجزائري المترفّع والعنيد لم يفارقها حتى في محنة مرضها العضال، فكانت تقف على الخشبة ببالغ تألقها يميّزها عنقها المغوي، ومنه الآهات التي أسرت أجيالا، حين بذكائها عرفت كيف تُماشي العصر، وتتعامل بعد رحيل زوجها وحب حياتها الموسيقار بليغ حمدي، مع ملحنين شباب مثل صلاح الشرنوبي. على المسرح، كانت تغني بشروطها، وتفرض مزاجها المعابث حيناً، والمتشدد أحياناً، على جمهورها الذي يبادلها حبها، وينصاع لمزاجها. نتذكرها أكثر في أول بطولة سينمائية لها: «ألمظ وعبده الحامولي» مع عادل مأمون الذي غنى لها «يا بديع الحسن مين قدّك في حسنك»، لما بدت في الفيلم في تمام حسنها فعلاً.
«أهلاً يا جزائر يا صوت الثورة» هي جملة ترحيب الرئيس عبد الناصر بها إثر مشاركتها في غناء نشيد «الوطن الأكبر».
ميلادها الفني الحقيقي كان في أغنية «أوقاتي بتحلو» وكانت في الأصل للسيدة أم كلثوم من ألحان سيد مكاوي، سوى أن الموت غيّب «تومة» لتبقى الأغنية لوردة، تؤسس لعلاقتها الخلاّقة في مسيرتها الفنية مع الذواقة من الجماهير.
جرح غيابها طري ما زال، بالكاد يصدق، لكنها المسافة عنها غداً، سوف تُظهّر فداحة أن تقف سيدة على المسرح، على غرار سيدات وقفن، وتغني بكامل صوتها بدون جسدها، إذ لم نعد نسمع من غناء بعد، نرى الأجساد فقط، ويحق لنا أن نعتب عليها، ونكاد نلومها «لولا الملامة»، إذ تتركنا نرى إلى غناء النهود والسيقان، بدون رعشة السماع الحقيقي.
عناية جابر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد