سقوط مورك يعرقل حملة الجيش السوري و«داعش» و«القاعدة» ينتشران على جبهات القتال
بالرغم من أن الخلافات ضمن «جيش الفتح» لم تنته بعد، إلا أن «جند الأقصى» الذي انسحب منه تمكن، أمس، من استكمال السيطرة على بلدة مورك الإستراتيجية بريف حماه الشمالي، في الوقت الذي أثبتت فيه المعطيات الميدانية أن الفصائل التي تحمل فكر تنظيم «القاعدة» باتت هي التي تشكل رأس الحربة الأساسي في محاربة الجيش السوري، والتصدي لحملته العسكرية التي يقوم بها تحت غطاء جوي روسي.
وأكّدت مصادر متقاطعة أن فصيل «جند الأقصى»، الذي يُتهم باحتوائه على قيادات وعناصر لها ميول نحو تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش»، قد انفرد بتنفيذ عملية الهجوم على بلدة مورك ومنع الفصائل الأخرى من المشاركة فيها، وحرص عند اقتحامه مركز البلدة أن يرفع رايته الخاصة، وليس راية «جيش الفتح» الذي أشيع أنه عاد إليه، وذلك إيذاناً بأن البلدة أصبحت تحت سيطرته.
وكان الشيخ السعودي عبدالله المحيسني، «قاضي عام جيش الفتح»، قد أعلن مساء أمس أن «جند الأقصى» عاد إلى «الجيش» بعد حل الخلافات بينه وبين بعض الفصائل، معتبراً الخبر بمثابة البشرى. كما ربط بين لمّ الشمل من جديد وبين اقتحام مورك، إلا أن «جند الأقصى» سارع إلى إصدار بيان مقتضب كذّب فيه هذه الادِّعاءات، وقال «لم نبلّغ رسمياً حتى الآن عن قبول اتفاقنا على الرجوع إلى جيش الفتح»، الأمر الذي يعني أن الخلافات ما تزال مستمرة حول بعض الشروط، وأهمها تلك المتعلقة بالموقف من تنظيم «داعش»، حيث تريد بعض الفصائل، وعلى رأسها «أحرار الشام»، أن يصدر «جند الأقصى» بياناً واضحاً يعلن فيه استعداده لقتال «داعش» في أي وقت وأي مكان، وهو ما يرفضه الأخير.
وكان لافتاً أن «جند الأقصى» أصدر بيان النفي السابق بالتزامن مع إعلان سيطرته الكاملة على مورك، وهو ما فهم على أنه استعراض للقوة في مواجهة فصائل «جيش الفتح»، وأنه قادر على العمل لوحده.
وقد بدأ الهجوم على مورك مساء الثلاثاء من عدة محاور، لا سيما من الجهة الغربية والجنوبية الغربية من البلدة، حيث كان سبق لـ «جند الأقصى» أن سيطر، منذ حوالي أسبوعين، على لحايا ومعركبة، كما استعاد السيطرة على قرية لطمين التي كانت من أوائل المناطق التي سيطر عليها الجيش السوري في مستهل حملته الأخيرة على ريف حماه الشمالي. وحتى فجر يوم أمس، كان الجيش السوري لا يزال يسيطر على بعض النقاط داخل البلدة، مثل كتيبة مورك والنقاط 4 و5 وجسر مورك وحاجز العبود وتلة الحلبي، لكنه اضطر إلى الانسحاب باتجاه ناحية صوران نتيجة شراسة الهجوم، تاركاً البلدة التي كان قد سيطر عليها في أيلول من العام الماضي.
وتعتبر هذه الخسارة ضربة لجهود الجيش السوري الذي كان يتخذ من بلدة مورك قاعدة انطلاق بهدف توسيع مناطق سيطرته، وصولاً إلى الهدف الأساسي، وهو فتح الطريق الدولي دمشق ـ حلب الذي يمر عبر خان شيحون، إلا أن هذا الهدف بات يحتاج إلى جهود مضاعفة. كما تعني خسارة مورك أن خط الدفاع الأول عن مدينة حماه قد سقط، ومن المتوقع أن تتركز المعارك باتجاه خط الدفاع الثاني المتمثل في صوران وطيبة الإمام، إلا أن ذلك يتطلب من «جند الأقصى» أن تعمل على توسيع رقعة سيطرتها، لا سيما باتجاه الشرق حيث لا يزال الجيش يسيطر على قوس مهم يمتد من معان إلى سكيك. كما أن من شأن هذه الخسارة أن تؤثر على النتيجة المتوخاة من الجهود الضخمة التي يبذلها الجيش السوري في ريف حلب الجنوبي، وهي فتح الطريق الدولي دمشق ـ حلب.
وبرغم الحملة الإعلامية التي تقودها دولٌ كبرى ضد «عاصفة السوخوي» الروسية، متهمةً إياها بأنها تركّز غاراتها على الفصائل «المعتدلة» وتتجنب قصف الفصائل الإسلامية المتطرفة، فإن وقائع الميدان تثبت يوماً بعد يوم أن الفصائل الفاعلة على الأرض هي فصائل «القاعدة»، أو من يحوم حولها فكرياً وعقائدياً. وقد يكون هجوم «جند الأقصى» على مورك أحد الأمثلة على ذلك، لكنه ليس الوحيد. ومن المعلوم أن «جند الأقصى» تأسس منتصف العام 2013 بزعامة أبو عبد العزيز القطري الذي كان من أوائل من صنفتهم واشنطن على قائمة الإرهاب منذ أواخر العام 2012، كما يتميز هذا الفصيل بأن غالبية عناصره من «المقاتلين الأجانب»، ولا سيما من حملة الجنسيات السعودية والتونسية.
وفي ريف حلب الجنوبي، أصبح واضحاً أن «جبهة النصرة»، فرع «القاعدة» في الشام، هي من تقود العمليات ضد الجيش السوري في المنطقة، يشاركها بذلك «حركة أحرار الشام» التي لم تستطع إلى الآن حسم الخلاف بين تيارها «الإصلاحي» والآخر «القاعدي»، خاصةً بعد تراجع قيادة الحركة عن عزل قائدها العسكري العام أبو صالح طحان الذي يُعتبر من أبرز الرموز «القاعدية» فيها.
أما في ريف حمص الشمالي، والذي كان له حصة الأسد في الحملة ضد الغارات الروسية، فقد كشف قرار صادر عن «المحكمة الإسلامية»، المشكلة من «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» وغيرهما من الفصائل، أن تنظيم «داعش» لا يزال له تواجد قوي في المنطقة. حيث أصدرت المحكمة قراراً أعلنت فيه أنه ثبت لديها أن «كتيبة شهداء البياضة»، التي يقودها عبد الباسط الساروت، قد بايعت «داعش» بالفعل. وتتمركز هذه الكتيبة في محيط دار الكبيرة وعزالدين وعيدون وتل رجوب. كما أن العديد من الفصائل التي تعمل تحت اسم «الجيش الحر» في المنطقة تُتهم بأن لها علاقة مع «داعش»، لا سيما «لواء الإيمان بالله» الذي ساعد «أمير داعش» في تلبيسة المدعو رافد طه على الهرب من سجنه بعد عشرة أيام من اعتقاله من قبل «جبهة النصرة» في تموز الماضي. هذا بالإضافة إلى تواجد «داعش» في ريف حمص الجنوبي وريف حلب الشرقي.
وفي ريف اللاذقية الشمالي، وبعد التقدم الذي أحرزه الجيش السوري على محاور عدة، سواء باتجاه سلمى أو جب الأحمر، تقرر إرسال مقاتلي «الحزب الإسلامي التركستاني» إلى المنطقة للتصدي لهجوم الجيش. وقد أفادت مصادر عدة متواجدة في ميادين القتال أن غالبية «التركستانيين» جرى سحبهم من منطقة سهل الغاب لتعزيز الجبهات في ريف اللاذقية الشمالي، وقد كان لهؤلاء دور فاعل في استعادة قرية غمام بعد ساعات من سيطرة الجيش السوري عليها. وأكدت المصادر أن «جبهة النصرة» هي التي تولت ملء الفراغ في سهل الغاب، حيث أرسلت المئات من عناصرها إلى هناك للمرابطة في الأماكن التي أخلاها التركستانيون.
عبد الله سليمان علي
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد