شجرة للأمنيات في اللاذقية: حلمٌ بسوريا ملوّنة
في وقت تحترق أشجار في مناطق، وتموت أمنيات في مناطق أخرى، يحمّل السوريّون شجرة تتوسّط مدينة اللاذقية (منطقة دوار هارون) أماني على قصاصات ورقية ملونة على شكل قطرات ماء ربطت بخيوط رفيعة بين أغصان الشجرة وأوتاد في الأرض، لتبدو معلقة في السماء وكأن أوراقها التي سقطت بسبب شتاء سوريا الذي اختلطت أمطاره بالدماء والبارود، تتجدّد بفعل فريق صغير يريد منح المدينة بعض الحياة وسكان البلاد والمغرِّبين بعض الأمل.
=شجرة «الرسائل الملوّنة» أو شجرة الأمنيات، كما يحلو للجميع تسميتها، هي مشروع ابتكرته ونفّذته مجموعة من الشباب المتطوّعين، يحلمون بـ «سوريا الملوّنة»، وهو المشروع الرابع من نوعه لفريق «قطرات ملونة»، فقد قاموا بصنع شجرة ضخمة من «العبوات البلاستيكية» في المكان والوقت ذاتيهما في العام 2012، وأيضاً شجرة الرسائل الملوّنة في العامين الماضيين، والتي وجهوا عبرها دعوة لكل أهل اللاذقية بشكل خاص وبقية المحافظات لكتابة رسائلهم الملوّنة مهما كان محتواها، وكرروا مشروع الشجرة هذا العام أيضاً.
قرب الشجرة، يبدو المشهد مليئاً بالحياة. أطفال يفترشون الأرض ليجدوا مسنداً لأوراق أمنياتهم حتى يكتبوا عليها، بينما يقف أطفال آخرون يعلقون بعض أمنياتهم المكتوبة بخطوطهم الطفولية على حبال الشجرة.
«بعدما طالب الكبار الذين رأوا شجرة الرسائل الملونة السنة الماضية فكرة غير صائبة، وسط الألم الذي يعتصر القلوب، نتيجة الحرب الدائرة في سوريا منذ أعوام، بإعادة تزيين الشجرة هذا العام بالأمنيات، كان الأطفال أول المقبلين عليها لتعليق أمنياتهم»، تقول سارة أرسوزي، إحدى الناشطات في مجموعة «قطرات ملونة».
وتتابع سارة: «هذه الشجرة معمّرة جداً، وقد مرت عليها ظروف كثيرة. أردنا تعليق أمنياتنا عليها علّها تبقى ثابتة كثبات الشجرة، وعلّ كل مَن كتب أمنية يبقى مصراً وساعياً لتحقيقها، حيث جاء عدد كبير ممن شاركوا العامين الماضيين وأخبرونا أن أمنياتهم قد تحققت، كما راسلنا الكثير من المغتربين على صفحة الفايسبوك لنكتب أمنياتهم على القطرات الورقيّة الملوّنة كألوان شعار فريقنا (أزرق – أصفر – أحمر)، والتي اقتصرت السنة على اللون الأصفر لوضوح ألوان الكتابة عليه».
ويقول لؤي سلمية، وهو أحد المشرفين على النشاط، إنه «في كل بلدان العالم دائماً يقع اختيارهم على ساحة أو مكان مشهور لتزيين الشجرة لترك أثر بصري وأثر إنساني مرتبط بالمكان، وبسبب قلة هذا النوع من الأماكن في اللاذقية، بحثنا عن مكان يُعتبر محورياً نوعاً ما، يمرّ الناس فيه بشكل يومي، وجيد كمكان للتجمّعات والأنشطة».
ويشرح: «ككل عام، نقوم بتزيين الشجرة من مواد أعدنا تدويرها، أما هذا العام فصنعنا مظلات من المخلفات القماشية لعروض الأزياء التي أقيمت منذ شهر في المدينة، والأهم من تزييننا للشجرة، هو نشاط الرسائل الذي يرافقها».
مئات السوريين شاركوا في هذه الفعالية، وقاموا بمشاركة أحلامهم. مساءً، يتحلّق عشرات الأشخاص حول الشجرة التي أقيم تحتها نشاط موسيقي صغير. ويرى عدد من الأهالي التقيناهم أنها تساعد أطفالهم في التفكير لمستقبلهم، كما يجدها الشباب فسحة للأمل والحلم والتمني.
على الشجرة أمنيات حزينة وأخرى تدفع للابتسام، وكثير منها تعبق بطفولة بريئة، فمنهم مَن كتب «بدّي أمسك غيمة.. وأحفر غنية لفيروز»، وآخر «يا ريت السنة الجاية تكونوا رجعتو ع البلد.. تا نكبر سوا بهالبلد». وكتب آخر «بتمنى أنو كل الأماني يللي عالشجرة تتحقق، ومنها هي الأمنية».
وأشار القائمون على المشروع إلى أن أمنيات الأعوام الماضية تمّ حفظها في دفتر خاص بعد انتهاء المشروع، حيث يمكن لأي شخص أن يراجع أمنيته وقت يشاء، وهي الخطوة ذاتها التي ستتم هذا العام أيضاً.
مع غروب الشمس تقف الشجرة الملوّنة كعروس، تتدلّى منها الأماني، تمرّ نسمة تداعب بعضها، يتأمّل طفل الشجرة ويقول «السنة الجاية رح تتحقق أمنيتي»، ويركض خلف والديه تاركاً وراءه أمنيته.
نينار الخطيب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد