عن يبرود: معارك المعارضة وجنود الجيش الإسطورة
الجمل ـ محمد صالح الفتيح: منذ بداية الأزمة وتحولها إلى صراع عسكري صريح كان أول - وأكثر - ما يردده قادة المعارضة السورية وأجنحتها المسلحة هو حاجتهم الماسة إلى أسلحة "نوعية" تضمن لهم النصر وتجعله لقمة سائغة. كان من أهم هذه الأسلحة التي طالبوا بها هو الأسلحة المضادة للدبابات والأسلحة المضادة للطيران وخصوصاً تلك المحمولة على الكتف التي تساعد المسلحين على القيام بكمائن للقوات الجوية والمدرعة في الجيش العربي السوري فهي تُحمل وتُشغل من قبل فرد أو فردين فقط يمكن لهم أن يختبؤوا على سطح بناء أو مدخل كهف أو في خندق وثم يقوموا باستهداف مدرعات ودبابات الجيش السوري من مسافة عدة كيلومترات على نحو مشابه لما فعله حزب الله مع دبابات الجيش الإسرائيلي في بنت جبيل ووادي حجير ومارون الراس وغيرها.
بالرغم من كل الكلام الإعلامي الغربي عن منع وصول أسلحة نوعية إلى الفصائل المسلحة في سورية كانت التسريبات الإعلامية - والاستعراضات العسكرية للفصائل المسلحة - تفيد بحصولهم على أسلحة حديثة مضادة للدبابات مثل الكورنت والكونكورس الروسية والسهم الأحمر الصيني بأجياله المختلفة (HJ-8, HJ-9, HJ-10) وحتى التاو (Tow) الأمريكي وجميعها ذات أمدية كبيرة (أكثر من خمسة كم) قادرة على استهداف وتعطيل قوة الهجوم المدرعة للجيش السوري. وبحسب التسريبات نفسها جميع هذه الصواريخ وصلت وبأعداد كبيرة إلى يبرود؛ الصحف الأمريكية مثلاً تحدثت عن وصول مئة صاروخ صيني من نوع السهم الأحمر، من مخزون الجيش السوداني، إلى يبرود في الأسبوعين الماضيين. إذاً كان لدى المقاتلين في يبرود، من الناحية النظرية على الأقل، كل ما يمكنهم من الصمود لفترة طويلة وإيقاع خسائر كبيرة في صفوف مدرعات الجيش العربي السوري التي ستضطر للمسير مسافة كبيرة عبر أرض مكشوفة لاتوجد فيها تحصينات أو سواتر طبيعية. ولكن يبرود سقطت وبزمن قياسي وتمكن الجيش السوري ودباباته من الدخول إليها بدون أي خسائر تذكر.
في الحقيقة، وبحسب المعلومات الأولية القادمة من يبرود، وهي معلومات شحيحة بشكل عام، فإن الجيش العربي السوري لم يعتمد على سلاح المدرعات في اقتحام المدينة بل اعتمد على عناصر جنود المشاة والقوات الخاصة بالدرجة الأولى. هؤلاء الجنود هاجموا يبرود رملاً هابطين إليها من التلال المحيطة وسائرين بشكل مكشوف عبر الأرض المنبسطة المحيطة بالمدينة. هذا الهجوم – وإن كان أشبه بعملية فدائية لناحية الهجوم سيراً عبر مسافة طويلة مكشوفة للقناصين والنيران المعادية وبدون وجود دبابات أو عربات مدرعة يمكن الاحتماء بها والاستعانة بنيرانها – كان هو مفتاح السقوط السريع ليبرود حيث تدفق عناصر المشاة والقوات الخاصة بسرعة وبدون تردد من ثلاث محاور في حين عمل القناصة ورماة المدافع الرشاشة من أعلى الهضاب الثلاثة على القضاء على القناصين على أعلى الأبنية ليقضوا على النيران المعادية التي يمكن أن تستهدف رفاقهم.
وفق المعايير العسكرية للجيوش الغربية، فإن هذا الهجوم الفدائي هو مستحيل التطبيق وماكان يمكن له أن يتكلل بالنصر دون وقوع خسائر فادحة في صفوف القوات المهاجمة. ولكن الجيش العربي السوري أثبت مرة أخرى أنه قادر على مفاجئة المحللين العسكريين فبعد النجاح في استخدام مزيج عنصري الدبابة وجندي المشاة في حرب المدن كما ظهر في القتال في داريا وغيرها من مدن ريف دمشق، أثبت مشاة الجيش السوري أنهم قادرون على أن يسطروا ملحمة جديدة ليس فقط من خلال الاعتماد على تقنية كلاسيكية في الهجوم كأمواج بشرية بل من خلال التنسيق العالي المستوى بين الأفراد في المواقع المختلفة فكانت عملية كلاسيكية بروح عصرية.
لايمكن ابداً التهوين من معركة استعادة يبرود بسبب قصر المدة التي استغرقتها المعركة. فيبرود كان فيها من المقاتلين أكثر بكثير مماكان في غروزني الشيشانية التي كان عدد المقاتلين فيها يتراوح بين 3 و 6 ألاف مقاتل لم يتيسر لهم وسائل الاتصالات والدعم اللوجستي المتوفر للمقاتلين في يبرود ولم يتوفر لهم سوى النزر اليسير من السلاح ولكن القتال استمر فيها لأكثر من أربعة أشهر قبل أن تتمكن موسكو من السيطرة عليها. يومها احتاج الروس إلى 50 ألف جندي للسيطرة عليها وخسروا منهم أكثر من خمسمئة قتيل. يومها استعادة موسكو غروزني ولكن بعد تدميرها تماماً حيث أعلنت الأمم المتحدة عام 2003 غروزني المدينة الأكثر دماراً في العالم.
إذا ما مضينا في المقارنة بين غروزني ويبرود سنجد من اللافت أيضاً أن الصور الأولية القادمة من يبرود لاتظهر حجم خراب كبير ناتج عن القصف المدفعي أو الصاروخي – كما كان يروج الناطقون باسم المقاتلين هناك. وهذا يثبت أن العملية كانت نوعية بحق. في الحقيقة إن الصور القليلة القادمة من يبرود لاتظهر، بشكل عام، سوى محلات تجارية وقد اقتلعت واجهاتها المعدنية وذلك غالباً على يد اللصوص الذين ادعوا أنهم قدموا من كل حدبٍ وصوب لحماية وتحرير الشعب السوري والذين ولوا الفرار عندما واجههم جندي المشاة السوري الشجاع. تلك الشجاعة في الهجوم هي التي لم يحتسب لها المتحصنون في يبرود الذين اعتقدوا أن خصمهم سيكون جبان مثلهم وأنه سيرمي من بعيد وأن جنوده لن يهبطوا الوادي بدون "خيولهم الحديدية". ولكن خاب ظنهم. رجال الجيش العربي السوري أثبتوا في يبرود أنهم فرسان شجعان لايهابون الكمائن واستطاعوا في زمن قصير السيطرة على مدينة قيل أن مسلحيها امضوا عامين في تحصينها وأنهم قد يصمدون لعامين آخرين. استخدام جندي المشاة في السيطرة على المدينة ضمن تطهيرها بشكل كامل وآمن بحيث أصبح من الممكن أن يزورها وزير الدفاع السوري في نفس اليوم. لو كانت المدينة قد حررت بالقصف والدبابات لما أمكن القيام بمثل هذه الزيارة بسبب احتمال وجود أفراد مختبئين فيها ولكن جندي المشاة الشجاع هاجم واقتحم وطهر يبرود بلمح البصر صاعقاً خصومه بشجاعته. إنه باختصار الجندي السوري الأسطورة الذي يقاتل أشرس الخصوم بكل إيمان في أقسى الظروف والأماكن.
التعليقات
شهداء الجيش
الجمل ـ خاص: حسب مصدر عسكري فإن عدد شهداء الجيش السوري في معركة يبرود ثمانية فقط .
عن يبرود
عن يبرود
إضافة تعليق جديد