عند شاطئ تل أبيب
في ساعة الأصيل الأخيرة عند شاطئ "بات جام" جنوب تل أبيب كان النسيم باردا و فقط بضعة رجال في منتصف العمر تجرؤوا على السباحة. زوجان يلعبان كرة المضرب و كلاب تجول و طعام البحر رائع مع النبيذ الأبيض . لقد كان الوجود هنا بعد ظهر يوم الأحد أشبه بالحلم.
ثم سمعنا صوت طائرات هيلكوبتر ، ثلاث اقتربت نحونا قادمة من الشمال. رأينا الزوجين لاعبي كرة المضرب يتوقفان لبرهة و ينظرا إلى الطيور الضخمة في السماء و يقولا شيئا و لكن يستمرا ن في اللعب قبل أن تعبر الطائرات فوق رؤوسهما.و بعد فترة قصيرة أتت اثنتان أخريان و أحد لم يقم بردة فعل .
خمس طائرات هيلكوبتر تحمل صواريخا ثقيلة و تستهدف الجنوب حيث قطاع صغير جنوب تل أبيب، انه غزه.
لقد مررت بهذا قبل عدة سنوات حين كنا أربعة أشخاص من "سيدا"(وكالة حكومية سويدية مسؤولة عن المساعدات السويدية لدول العالم الثالث) نجلس عند الشاطئ , أربعة أشخاص وصلنا لتونا إلى إسرائيل نجلس عند الشاطئ مع غروب الشمس عندما بدأت طائرات الهيلكوبتر بحركة مكوكية إلى ومن غزة حاملة أسلحة ثقيلة.
و فيما بعد قرأنا بأن واحدة من أكبر العمليات كانت تقاد ضد غزة ، وفي ذاك الوقت كل شيء بدا جديدا بالنسبة لنا، كل شيء غير واقعي . حدث شيء بداخلنا عندما حجبت طائرات ذات حمولات ثقيلة غروب الشمس الجميل حيث الأفق الأصفر و الأحمر .
وقع الكثير بين هاتين الحادثتين عند شاطئ تل أبيب. فعرفات توفي و شارون لم يعد قائد إسرائيل و أنهى بلير مدته كرئيس للوزراء و حل رئيس آخر مكان بوش و ربحت حماس في انتخابات عام 2006 و لكن سرعان ما غادرت رام الله .و حل الدولتين أصبح ثلاث دول :إسرائيل و الضفة الغربية و غزة .
إننا نتحدث عن مشهد سياسي جديد بالكامل في إسرائيل و فلسطين و المملكة المتحدة و الولايات المتحدة الأميركية . و حتى السويد مرت بتغييرات سياسية كبيرة و أخيرا أضحت اليوم تملك وزير خارجية يعرف الكثير عن الشرق الأوسط.
و لكن و بشكل منفصل عن المشهد السياسي لا تزال طائرات الهيلكوبتر مستمرة.فهناك لم يتغير شيء و كأن الزمن متوقف. فأكثر الأسلحة تعقيدا تستخدم ضد شعب مسجون ينتقم بالمتفجرين الانتحاريين و صواريخ محلية . تحمل الطائرات صواريخا غالبا ما تصيب الهدف بينما تلك المحلية لا تفعل ذلك .و الإحصائيات من منظمة "ب تسيليم" الإسرائيلية تؤكد ذلك.
و بغض النظر عن نوع الأسلحة يولد هناك الخوف و الليالي القلقة و الحث على الثأر .
الزوجان اللذان يلعبان كرة المضرب نظرا بعدم اكتراث إلى الطائرات المقاتلة فقد اعتادوا على رؤية هيلكوبتر تحمل صورايخا . و هنا على بعد عدة أميال من غزة يشعرون مؤقتا بالأمان رغم المستقبل الغامض و لكن لا الفلسطينيين و لا الإسرائيليين بشكل جمعي يحملون بداخلهم الشعور بالأمن ، فالخوف ، الوجود اليومي للخوف و مستقبل الخوف طويل الأمد موجود باستمرار . هناك انتظار للسلطة ، لأحد ما يملك القدرة على فعل ما هو غير متوقع و مختلف . هناك توق للسلطة في إسرائيل و الضفة الغربية و غزة و لكننا اليوم لا نرى ما يوحي بحدوث ذلك .
كل شيء متوقع ، الممثلون في هذه المسرحية التاريخية يعرفون أدوارهم قد يصقلوها عبر الزمن و لكن ضمن حدود واضحة . الخطوة التي ينتظرها الجميع لن تحدث ، لا أحد يجرؤ أن يملك القدرة و الأمر نفسه ينطبق على المجتمع الدولي . فالحكومات تتلعثم و وزراء الخارجية يتلعثمون وكل من يتحمل المسؤولية اليوم يظهر ضعفا كبير و افتقادا للمبادرة.
كل ما نراه هو قتال بلا معنى و الأسوار بكل الأنواع تتضاعف و تغدو أعلى و أعلى ولا يمكن تقدير الثمن الذي يدفع من الدولارات و الأرواح البشرية و فقدان الأمل و التحطم النفسي .و بشكل يومي تحمل الصحف صورا من غزة للكثير من الناس يسيرون خلف أقاربهم في طريقهم إلى القبر . الشيء الوحيد الذي نعرفه أن الهجوم سيبدأ قريبا . و كل شخص يملك تفكيرا حرا سيدرك بأن هذا خطأ و عمل مجرم.
و بنفس الوقت نجلس عند المظلات الأمامية على الشاطئ مع غروب الشمس بعيدا نأكل الكالاماري و نرتشف النبيذ فنحن على مسافة كافية حين يمر شيء لا نفهم ما هو ، شيء ينتقل بين نقطتين . إننا لا نشارك و لكن نحاول أن نفهم . إننا نشعر و لكننا لا نعلم إن كنا نشعر بالشيء الصحيح ، لا نعرف ماذا نقول و ما نخبر الآخرين و لن نعرف كيف نستطيع أن نجعل أصدقاءنا يفهمون فنحن لا نفهم أنفسنا . إننا لا نعلم إن كان علينا البقاء أو الرحيل.
*كاتب المقال ماتس سفينسون دبلوماسي سويدي يعمل في الوكالة السويدية الدولية للتنمية و مهتم بشأن احتلال فلسطين.
ترجمة رنده القاسم
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد